للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالطَّلَاقِ وَحَنِثَ وَلَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَعُمُّهُنَّ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ وَإِلَّا يَلْزَمْ التَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ قَالَهُ: مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي ثُمَّ حَنِثَ فَإِنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا هُوَ عَامٌّ فِي أَفْرَادِ الطَّلَاقِ مُطْلَقٌ فِي الزَّوْجَاتِ فَلَوْ حَنِثَ عَمَّهُنَّ الطَّلَاقُ فَرْعٌ حَسَنٌ فَعَلَى هَذَا إنْ قَصَدَ فِي نِيَّتِهِ بَعْضَهُنَّ ذَاهِلًا عَنْ بَعْضٍ وَقَصَدَ ذَلِكَ الْبَعْضَ بِالْيَمِينِ لَزِمَهُ فِيهِ وَحْدَهُ وَالْقَاعِدَةُ الْأُخْرَى إذَا أَتَى بِصِيغَةِ عُمُومٍ نَحْوُ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا وَقَصَدَ بِهِ بَعْضَ الثِّيَابِ ذَاهِلًا عَنْ بَعْضٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ لِأَنَّك سَتَقِفُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ وَالنِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ وَهَذَا عَامٌّ يَحْتَاجُ لِلتَّخْصِيصِ بِالْمُخَصِّصِ الْمُخْرِجِ الْمُنَافِي فَإِذَا فُقِدَ جَرَى اللَّفْظُ عَلَى عُمُومِهِ لِسَلَامَتِهِ عَنْ مُعَارَضَةِ الْمُخَصِّصِ وَهَاهُنَا لَا عُمُومَ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا بَلْ حَصَلَ الْعُمُومُ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ فَقَطْ فَإِذَا وُجِدَ الْمُرَجِّحُ بِنِيَّةٍ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْبَاقِي لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ وَلَيْسَ فِيهِ عُمُومٌ يَتَقَاضَاهُ بَلْ الْمُدْرَكُ عَدَمُ الْمُرَجِّحِ وَقَدْ زَالَ هَذَا الْعَدَمُ بِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ فَلَزِمَ مِنْ وُجُودِ النِّيَّةِ فِي الْبَعْضِ.

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

بِالطَّلَاقِ وَحَنِثَ وَلَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَعُمُّهُنَّ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ وَإِلَّا لَزِمَ التَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ) قُلْتُ: كَانَ يَنْبَغِي عَلَى مَا قَرَّرَهُ مِنْ أَنَّ الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ الْتِزَامًا مُطْلَقٌ أَنْ لَا يَعُمَّهُنَّ الطَّلَاقُ وَيُخَيَّرَ فِي التَّعْيِينِ أَوْ يُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ وَلَمْ يَقُلْ الْعُلَمَاءُ بِعُمُومِ الطَّلَاقِ فِيهِنَّ إلَّا احْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ وَصَوْنًا لَهَا عَنْ مُوَاقَعَةِ الزِّنَا فَإِنَّ الطَّلَاقَ قَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَوَقَعَ الشَّكُّ وَالِاحْتِمَالُ فِي عُمُومِهِ لِمُحَالِهِ أَوْ خُصُوصِهِ فَحُمِلَ عَلَى الْعُمُومِ فِيهَا احْتِيَاطًا كَمَا فِيمَا إذَا طَلَّقَ وَشَكَّ هَلْ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَكَّ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ الْعِصْمَةِ.

قَالَ: (وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي ثُمَّ حَنِثَ فَإِنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا هُوَ عَامٌّ فِي أَفْرَادِ الطَّلَاقِ مُطْلَقٌ فِي الزَّوْجَاتِ) قُلْتُ: إذَا كَانَ عَامًّا فِي أَفْرَادِ الطَّلَاقِ لَزِمَ أَنْ يَعُمَّ فِي الزَّوْجَاتِ وَفِي أَنْوَاعِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ قَوْلَهُ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي فِي مَعْنَى كُلُّ طَلَاقٍ أَمْلِكُهُ يَلْزَمُنِي وَطَلَاقُ كُلٍّ وَاحِدَةٍ مِمَّا يَمْلِكُهُ وَكَذَلِكَ أَنْوَاعُ الطَّلَاقِ مِنْ الثَّلَاثِ وَغَيْرِهَا فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَلْزَمَهُ الثَّلَاثُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَقَوْلُهُ هَذَا إنْ قَصَدَ فِي نِيَّتِهِ بَعْضَهُنَّ ذَاهِلًا عَنْ بَعْضٍ وَقَصَدَ ذَلِكَ الْبَعْضَ بِالْيَمِينِ لَزِمَهُ فِيهِ وَحْدَهُ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَ.

قَالَ: (وَالْقَاعِدَةُ الْأُخْرَى إذَا أَتَى بِصِيغَةِ عُمُومٍ نَحْوِ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا وَقَصَدَ بَعْضَ الثِّيَابِ ذَاهِلًا عَنْ بَعْضٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ لِأَنَّك سَتَقِفُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَالنِّيَّةِ الْمُخَصَّصَةِ وَهَذَا عَامٌّ يَحْتَاجُ إلَى التَّخْصِيصِ بِالْمُخَصِّصِ الْمُخْرِجِ الْمُنَافِي فَإِذَا فُقِدَ جَرَى عَلَى عُمُومِهِ لِسَلَامَتِهِ عَنْ مُعَارِضَةِ الْمُخَصِّصِ وَهَاهُنَا لَا عُمُومَ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا بَلْ حَصَلَ الْعُمُومُ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ فَقَطْ فَإِذَا وُجِدَ الْمُرَجِّحُ بِنِيَّةٍ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْبَاقِي لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ وَلَيْسَ فِيهِ عُمُومٌ يَتَقَاضَاهُ بَلْ الْمُدْرَكُ عَدَمُ الْمُرَجِّحِ وَقَدْ زَالَ هَذَا الْعَامُّ بِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ فَلَزِمَهُ مِنْ وُجُودِ النِّيَّةِ فِي الْبَعْضِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

«أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْأَحَقِّيَّةِ لَهَا فَقَطْ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَهِيَ تَصْدُقُ بِطَرَفَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِحَالِهِ هُوَ أَدْنَاهُمَا الْإِثْغَارُ وَأَعْلَاهُمَا الْبُلُوغُ فَإِذَا حَمَلْنَا الْحَضَانَةَ عَلَى الْإِثْغَارِ لَا نَكُونُ مُخَالِفِينَ لِمُقْتَضَى لَفْظِ الْأَحَقِّيَّةِ لِأَنَّ هَذَا التَّخْرِيجَ إنَّمَا وَقَعَ فِيمَا اقْتَضَاهُ اللَّفْظُ فِي مُوجِبِ الْحُكْمِ وَسَبَبِهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثُّبُوتُ وَأَمَّا الْغَايَةُ الْمَقُولَةُ فِي الْحَدِيثِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَالِهَا هِيَ فَهِيَ إشَارَةٌ إلَى الْمَانِعِ وَأَنَّ زَوَاجَهَا مَانِعٌ مِنْ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ وَالْمَانِعُ وَعَدَمُهُ لَا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ بَلْ فِي عَدَمِ تَرَتُّبِهَا لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي الْمَانِعِ إنَّمَا هُوَ وُجُودُهُ فِي الْعَدَمِ لَا عَدَمُهُ فِي الْوُجُودِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا فَرْعُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا هَلْ يُمْنَعُ ذَلِكَ إلَى الْبُلُوغِ أَوْ إلَى الْإِثْغَارِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؟ هُنَا قَوْلَانِ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُوَلَّهُ وَالِدَةٌ عَلَى وَلَدِهَا» وَإِنْ كَانَ عَامًّا فِي الْوَالِدَاتِ وَالْمَوْلُودِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ وَالِدَةَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ وَوَلَدُهَا اسْمُ جِنْسٍ أُضِيفَ فَيَعُمُّ وَعَامًّا فِي الزَّمَانِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنْ لَا لِنَفْيِ الِاسْتِقْبَالِ عَلَى جِهَةِ الْعُمُومِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [الأعلى: ١٣] غَيْرَ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي أَحْوَالِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي الْأَحْوَالِ وَإِذَا كَانَ مُطْلَقًا فِي الْأَحْوَالِ فَهُوَ يَصْدُقُ فِي رُتْبَةٍ دُنْيَا وَهِيَ الْإِثْغَارُ وَرُتْبَةٍ عُلْيَا وَهِيَ الْبُلُوغُ فَإِذَا حَلَّ لَفْظُ الْوَلَدِ الْمُطْلَقِ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ جُزْئِيَّاتِهِ اسْتَقَامَ وَلَمْ يُعَارِضْهُ عُمُومٌ لَا لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَيْنَا كَأَنَّهُ قَالَ: حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْكُمْ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ مِنْ زَمَنِ هَذَا الْخِطَابِ وَلَيْسَ عُمُومُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ حَتَّى تَكُونَ فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِعَدَمِ الْعُمُومِ فِي الْوَالِدَاتِ وَالْأَوْلَادِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَمِنْهَا فَرْعُ الرُّشْدِ فِي قَوْله تَعَالَى.

{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦] اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ هَلْ مَحْمَلُهُ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ الرُّشْدِ وَهُوَ الرُّشْدُ فِي الْمَالِ خَاصَّةً قَالَهُ مَالِكٌ أَوْ عَلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ الرُّشْدِ وَهُوَ الرُّشْدُ فِي الْمَالِ وَالدِّينِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الرُّشْدَ ذُكِرَ بِصِيغَةِ التَّنْكِيرِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْأَخَصُّ الْمُبْهَمُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَإِذَا حُمِلَ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ لَمْ تَكُنْ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلَّفْظِ أَلْبَتَّةَ وَلَا مِنْ وَجْهٍ مُحْتَمَلٍ فَافْهَمْ وَمِنْهَا فَرْعُ الْحَرَامِ هَلْ يُحْتَمَلُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ الْوَاحِدَةِ خِلَافٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَرَامٌ مُطْلَقٌ دَالٌّ عَلَى مُطْلَقِ التَّحْرِيمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>