فَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَقَدْ أَثْبَتَ التَّقَرُّبَ بِالْعِتْقِ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الرِّقَابِ وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ إجْمَاعًا وَلَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى رَقَبَةً فِي الْكَفَّارَةِ كَفَتْ رَقَبَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِذَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّقَرُّبِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ وَلِلثُّبُوتِ فِي الْمُشْتَرَكِ الَّذِي يَكْفِي فِيهِ فَرْدٌ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ تَحْرِيمٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» وَالْبِغْضَةُ إنَّمَا تَصْدُقُ مَعَ النَّهْيِ دُونَ الْأَمْرِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَعُمَّ فِي الْعِتْقِ وَعَمَّ فِي الطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى الْقَوَاعِدِ الْمَذْكُورَةِ وَالْمَسَائِلِ الْمَفْرُوضَةِ وَأَمَّا تَحْرِيمُ الْوَطْءِ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْعِتْقِ وَأَصْلُهُ التَّقَرُّبُ وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا تَثْبُتُ لِلْأَلْفَاظِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ مُطَابَقَةً دُونَ مَا تَقْتَضِيهِ الْتِزَامًا فَمَا مِنْ أَمْرٍ إلَّا وَيَلْزَمُ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِهِ وَالْخَبَرُ عَنْ الْعِقَابِ فِيهِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُقَالُ فِيهِ هُوَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمًا بَلْ هُوَ تَحْرِيمٌ لِلتَّصَرُّفِ فِي الْمَمْلُوكِ فَلَا فَرْقَ.
قَالَ: (فَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَقَدْ أَثْبَتَ التَّقَرُّبَ بِالْعِتْقِ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الرِّقَابِ) قُلْتُ: لَمْ يَثْبُتْ التَّقَرُّبُ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بِالْعِتْقِ بَلْ أَثْبَتَهُ فِي فَرْدٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ فَإِنْ أَرَادَ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَاحِدًا مِمَّا فِيهِ الْحَقِيقَةُ فَمُرَادُهُ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ: (وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِرَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ إجْمَاعًا وَلَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى رَقَبَةً فِي الْكَفَّارَةِ كَفَتْ رَقَبَةٌ وَاحِدَةٌ) قُلْتُ: يَحِقُّ أَنْ يُخْرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِرَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَ إلَّا وَاحِدَةً وَلَوْ عَلَّقَ الْوُجُوبَ بِالْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ لَمَا سَاغَ الْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ إلَّا بِجَمِيعِ مَا فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ الْأَفْرَادِ.
قَالَ: (وَإِذَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّقَرُّبِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ وَالثُّبُوتِ فِي الْمُشْتَرَكِ الَّذِي يَكْفِي فِيهِ فَرْدٌ) قُلْتُ: لَمْ يَكْفِ فِيهِ فَرْدٌ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ لَكِنْ كَفَى فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ الْمُعَلَّقِ بِمُطْلَقٍ وَهُوَ الْفَرْدُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ.
قَالَ: (بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ تَحْرِيمٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَبْغَضُ الْمُبَاحِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» وَالْبُغْضَةُ إنَّمَا تَصْدُقُ مَعَ النَّهْيِ دُونَ الْأَمْرِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَعُمَّ فِي الْعِتْقِ وَعَمَّ فِي الطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى الْقَوَاعِدِ الْمَذْكُورَةِ وَالْمَسَائِلِ الْمَفْرُوضَةِ) قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِتْقَ أَيْضًا تَحْرِيمٌ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَبْغَضُ الْمُبَاحِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِبَاحَةِ الطَّلَاقِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُحَرَّمًا أَوْ مَكْرُوهًا وَقَوْلُهُ إنَّ الْبُغْضَةَ إنَّمَا تَصْدُقُ مَعَ النَّهْيِ دُونَ الْأَمْرِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ تَصْدُقُ مَعَ الْأَمْرِ وَتُحْمَلُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَرْجُوحِيَّةِ الْأَمْرِ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْبُغْضَةَ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْقَوَاعِدِ قَدْ تَبَيَّنَ إبْطَالُ بَعْضِهَا فَلَا يَصِحُّ مَا بَنَى عَلَيْهَا.
قَالَ: (وَأَمَّا تَحْرِيمُ الْوَطْءِ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْعِتْقِ وَأَصْلُهُ التَّقَرُّبُ) قُلْتُ: وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ فِي الزَّوْجَةِ تَابِعٌ لِلطَّلَاقِ الَّذِي أَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ بِنَصِّ الشَّارِعِ قَالَ: (وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا تَثْبُتُ لِلْأَلْفَاظِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ مُطَابِقَةً دُونَ مَا تَقْتَضِيهِ الْتِزَامًا) قُلْتُ: ذَلِكَ مُسَلَّمٌ وَمُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ.
قَالَ: (فَمَا مِنْ أَمْرٍ إلَّا وَيَلْزَمُهُ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِهِ وَالْخَبَرُ عَنْ الْعِقَابِ فِيهِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُقَالُ فِيهِ هُوَ.
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لَهَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا إيذَاءٌ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ عُرْفًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا لَوْ فُعِلَ مَعَ الْغَيْرِ كَأَنْ يَلْقَاهُ فَيَقْطِبَ فِي وَجْهِهِ أَوْ يَقْدُمَ عَلَيْهِ فِي مَلَأٍ فَلَا يَقُومُ لَهُ وَلَا يَعْبَأُ بِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْضِي أَهْلُ الْعَقْلِ.
وَالْمُرُوءَةِ مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ بِأَنَّهُ مُؤْذٍ تَأَذِّيًا عَظِيمًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمُتَأَذِّي لَكِنْ لَوْ كَانَ فِي غَايَةِ الْحُمْقِ أَوْ سَفَاهَةِ الْعَقْلِ فَأَمَرَ أَوْ نَهَى وَلَدَهُ بِمَا لَا يُعَدُّ مُخَالَفَتُهُ فِيهِ فِي الْعُرْفِ عُقُوقًا لَا يَفْسُقُ وَلَدُهُ بِمُخَالَفَتِهِ حِينَئِذٍ لِعُذْرِهِ وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ مُتَزَوِّجًا بِمَنْ يُحِبُّهَا فَأَمَرَهُ بِطَلَاقِهَا وَلَوْ لِعَدَمِ عِفَّتِهَا فَلَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ وَصَحَّحَهُ أَنَّ «رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ: إنَّ لِي امْرَأَةً وَإِنَّ أُمِّيَ تَأْمُرُنِي بِطَلَاقِهَا فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَإِنْ شِئْت فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوْ احْفَظْهُ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَرُبَّمَا قَالَ: سُفْيَانُ إنَّ أُمِّيَ وَرُبَّمَا قَالَ: إنَّ أَبِي وَفِيمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ أَنَّ «رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ: إنَّ أَبِي لَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى زَوَّجَنِي وَإِنَّهُ الْآنَ يَأْمُرُنِي بِطَلَاقِهَا قَالَ: مَا أَنَا بِاَلَّذِي آمُرُك أَنْ تَعُقَّ وَالِدَيْك وَلَا بِاَلَّذِي آمُرُك أَنْ تُطَلِّقَ زَوْجَتَك غَيْرَ أَنَّك إنْ شِئْت حَدَّثْتُك بِمَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعْته يَقُولُ: الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَحَافِظِ عَلَى ذَلِكَ إنْ شِئْت أَوْ دَعْ» قَالَ: وَأَحْسَبُ عَطَاءً قَالَ: فَطَلَّقَهَا نَعَمْ قَدْ أَشَارَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ طَلَاقُهَا امْتِثَالًا لِأَمْرِ وَالِدِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَقَالَ: التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: «كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ أُحِبُّهَا وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا فَقَالَ لِي: طَلِّقْهَا فَأَبَيْت فَأَتَى عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلِّقْهَا»
وَكَذَا سَائِرُ أَوَامِرِهِ الَّتِي لَا حَامِلَ عَلَيْهَا إلَّا ضَعْفُ عَقْلِهِ وَسَفَاهَةُ رَأْيِهِ وَلَوْ عُرِضَتْ عَلَى أَرْبَابِ الْعُقُولِ لَعَدُوُّهَا أُمُورًا مُتَسَاهَلًا فِيهَا وَلَرَأَوْا أَنَّهُ لَا إيذَاءَ لِمُخَالَفَتِهَا هَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ الْحَدِّ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِقَطْعِ الرَّحِمِ الَّذِي هُوَ كَبِيرَةٌ أَنْ يَقْطَعَ الْمُكَلَّفُ مَا أَلِفَ قَرِيبُهُ مِنْهُ مِنْ سَابِقِ الْوَصْلَةِ وَالْإِحْسَانِ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ لِأَنَّ قَطْعَ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى إيحَاشِ الْقُلُوبِ وَنَفْرَتِهَا وَتَأَذِّيهَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ قَطَعَ وَصْلَةَ رَحِمِهِ وَمَا يَنْبَغِي لَهَا مِنْ عَظِيمِ الرِّعَايَةِ فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ قَرِيبَهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنْهُ إحْسَانٌ وَلَا إسَاءَةٌ قَطُّ