للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ سَبَبًا لِفِعْلٍ آخَرَ نُؤْمَرُ بِهِ أَوْ نُنْهَى عَنْهُ بَلْ وُقِفَ الْحَالُ عِنْدَ أَدَائِهَا وَتَرَتُّبِهَا عَلَى أَسْبَابِهَا وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الشَّرْعِ قَدْ جَعَلَهَا سَبَبًا لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَتَرْتِيبِ الثَّوَابِ وَدَرْءِ الْعِقَابِ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ أَفْعَالًا لِلْمُكَلَّفِ وَنَحْنُ لَا نَعْنِي بِكَوْنِ الشَّيْءِ سَبَبًا إلَّا كَوْنَهُ وُضِعَ سَبَبًا لِفِعْلٍ مِنْ قِبَلِ الْمُكَلَّفِ فَهَذَا وَجْهُ اجْتِمَاعِهِمَا وَافْتِرَاقِهِمَا. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الصَّبِيُّ إذَا أَفْسَدَ مَالًا لِغَيْرِهِ وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ إخْرَاجُ الْجَابِرِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ فَالْإِتْلَافُ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ وَهُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَلَمْ تَكُنْ الْقِيمَةُ أُخِذَتْ مِنْ مَالِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ السَّبَبُ فِي زَمَنِ الصِّغَرِ وَتَأَخَّرَ أَثَرُهُ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَنْعَقِدَ بَيْعُهُ وَنِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ فَإِنَّهَا أَسْبَابٌ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ الَّذِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّكْلِيفُ وَلَا الْعِلْمُ وَلَا الْإِرَادَةُ فَيَنْعَقِدُ مِنْ الصِّبْيَانِ الْعَالِمِينَ الرَّاضِينَ بِانْتِقَالِ أَمْلَاكِهِمْ وَتَتَأَخَّرُ الْأَحْكَامُ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ فَيُقْضَى حِينَئِذٍ بِالتَّحْرِيمِ فِي الزَّوْجَةِ فِي الطَّلَاقِ كَمَا تَأَخَّرَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَوُجُوبُ دَفْعِ الْقِيمَةِ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ وَكَذَلِكَ يَتَأَخَّرُ لُزُومُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى بَعْدَ الْبُلُوغِ وَبَقِيَّةُ الْآثَارِ كَذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الضَّمَانِ وَلَمْ أَرَ أَحَدٌ قَالَ بِهِ

(وَالْجَوَابُ) بِذِكْرِ الْفَرْقِ بَيْنَ الضَّمَانِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ وَجْهَيْنِ

(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ يُشْتَرَطُ فِيهَا الرِّضَا لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ اسْتِثْنَاءُ قَاعِدَةِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ مِنْ قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الرِّضَا وَالطَّلَاقُ فِيهِ إسْقَاطُ عِصْمَةٍ فَهُوَ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْأَمْلَاكِ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ أَيْضًا هُوَ إسْقَاطُ مِلْكٍ فَاشْتُرِطَ فِيهِ الرِّضَا وَلَمَّا كَانَ الصَّبِيُّ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْمَصَالِحِ لِنُقْصَانِ عَقْلِهِ وَعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِهَا جَعَلَ الشَّرْعُ رِضَاهُ كَعَدَمِهِ وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ وَغَيْرُ الرَّاضِي لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَلَا بَيْعٌ فَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ بِخِلَافِ قَاعِدَةِ الْإِتْلَافَاتِ لَا أَثَرَ لِلرِّضَى فِيهَا أَلْبَتَّةَ فَاعْتُبِرَتْ مِنْهُ

(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ التَّحْرِيمُ وَهُوَ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ وَأَثَرَ الْبَيْعِ إلْزَامُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّكْلِيفِ بِالتَّحْرِيمِ وَالْإِلْزَامِ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَا تَتَأَخَّرُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ كَمَا تَأَخَّرَ إلْزَامُ دَفْعِ الْقِيمَةِ قُلْت الْفَرْقُ أَنَّ تَأَخُّرَ الْمُسَبَّبَاتِ عَنْ أَسْبَابِهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا خَالَفْنَا هَذَا الْأَصْلَ فِي الْإِتْلَافِ لِضَرُورَةِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فِي جَبْرِ مَالِهِ لِئَلَّا يَذْهَبَ مَجَّانًا فَتَضِيعَ الظُّلَامَةُ وَهَذِهِ ضَرُورَةٌ عَظِيمَةٌ وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُونَا لِتَقْدِيمِ الطَّلَاقِ وَتَأْخِيرِ التَّحْرِيمِ بَلْ إذَا أَسْقَطْنَا الطَّلَاقَ وَاسْتَصْحَبْنَا الْعِصْمَةَ لَمْ يَلْزَمْ فَسَادٌ وَلَا تَفُوتُ ضَرُورَةٌ وَكَذَلِكَ إذَا أَبْقَيْنَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الصَّبِيُّ إذَا أَفْسَدَ مَالًا لِغَيْرِهِ وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ إخْرَاجُ الْجَابِرِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ إلَخْ) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهَا صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ قَدْ تَقَدَّمَ اسْتِثْنَاءُ قَاعِدَةِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ مِنْ قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ قَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا فِيهِ وَإِنَّمَا لَمْ تَصِحَّ تِلْكَ الْأُمُورُ مِنْ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا اعْتِبَارُ الْمَصَالِحِ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

ظُلْمَ هَذَا الظَّالِمِ ابْتِدَاءً يَكُونُ بِسَبَبِ ذُنُوبٍ تَقَدَّمَتْ لِلْمَظْلُومِ وَيَكُونُ الظَّالِمُ سَبَبَ وُصُولِ الْعُقُوبَةِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ دُعَاءَهُ سَبَبَ نِقْمَتِهِ وَجَعَلَ يَدَهُ وَلِسَانَهُ سَبَبَيْ نِقْمَتِهِ وَالْكُلُّ بِذُنُوبٍ سَالِفَةٍ لِلْمَظْلُومِ فَلَا يُسْتَبْعَدُ إجَابَةُ دُعَاءِ الظَّالِمِ فِي الْمَظْلُومِ.

وَإِنَّمَا كَانَ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ دُعَاؤُهُ إنَّمَا يُسْتَجَابُ بِسَبَبِ حَقِّ الظَّالِمِ وَالظَّالِمُ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ فَلَا يُسْتَجَابُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُسْتَجَابُ بِسَبَبِ حُقُوقٍ لِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: ٣٠] نَعَمْ يَدُلُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أُمُورٍ: الْأَوَّلُ مَنْعُ السَّفَرِ الْمُبَاحِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ الْمَيامِيسَ الزَّوَانِي جَمْعُ زَانِيَةٍ فَلَمَّا مَنَعَ أُمَّهُ مِنْ النَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ مُحْتَجًّا بِالصَّلَاةِ دَعَتْ عَلَيْهِ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَى وُجُوهِ الزَّوَانِي عُقُوبَةً عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ النَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ غَيْبَةَ الْوَجْهِ فِي السَّفَرِ أَعْظَمُ. الثَّانِي وُجُوبُ طَاعَتِهِمَا فِي النَّوَافِلِ. الثَّالِثُ أَنَّ الْعُقُوقَ يُؤَاخَذُ بِهِ الْإِنْسَانُ وَإِنْ عَظُمَ قَدْرُهُ فِي الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ لِأَنَّ جُرَيْجًا كَانَ مِنْ أَعْبَدْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَخُرِقَتْ لَهُ الْعَادَاتُ وَظَهَرَتْ لَهُ الْكَرَامَاتُ فَمَا ظَنُّك بِغَيْرِهِ إذَا عَقَّ وَالِدَيْهِ.

(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ أَصْلِ الْعُقُوقِ فَإِنَّهُ إذَا حَرُمَ هَذَا الْقَوْلُ حَرُمَ مَا فَوْقَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وقَوْله تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان: ١٥] يَدُلُّ عَلَى أُمُورٍ أَحَدُهَا مُخَالَفَتُهُمَا فِي الْوَاجِبَاتِ وَالثَّانِي وُجُوبُ بِرِّهِمَا وَحُرْمَةُ عُقُوقِهِمَا وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِالشِّرْكِ إلَّا كَافِرٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَتْ الْآيَةُ بِوُجُوبِ بِرِّهِمَا وَالثَّالِثُ أَنَّ مُخَالَفَةَ أَمْرِهِمَا بِالْمَعَاصِي وَاجِبَةٌ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» .

(الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيِّ أَمَّا مُخَالَفَتُهُمَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ يَجِدُ مُدَارَسَةَ الْمَسَائِلِ وَالتَّفَقُّهَ عَلَى طَرِيقِ التَّقْلِيدِ وَحِفْظَ نُصُوصِ الْعُلَمَاءِ فَأَرَادَ أَنْ يَظْعَنَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَيَتَفَقَّهُ فِيهِ عَلَى مِثْلِ طَرِيقَتِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِمَا لِأَنَّ خُرُوجَهُ إذَايَةُ لَهُمَا بِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَإِنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلتَّفَقُّهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْإِجْمَاعِ وَمَوَاضِعِ الْخِلَافِ وَمَرَاتِبِ الْقِيَاسِ فَإِنْ وَجَدَ فِي بَلَدِهِ ذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَإِلَّا خَرَجَ وَلَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي مَنْعِهِ لِأَنَّ تَحْصِيلَ دَرَجَةِ الْمُجْتَهِدِينَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>