التَّصَرُّفَ يُوجِبُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ لِكَوْنِهِ عَجَمِيًّا أَوْ طَارِئًا عَلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعٌ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ مَعَهُ وَكَذَلِكَ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ فَبَاعَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَقُدْرَتِهِ النَّاشِئَةِ عَنْ دَاعِيَتِهِ الطَّبِيعِيَّةِ لَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ مَعَهُ وَسِرُّ اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ» وَلَا يَحْصُلُ الرِّضَا إلَّا مَعَ الشُّعُورِ وَالْإِرَادَةِ وَالْمُكْنَةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فَلِذَلِكَ اُشْتُرِطَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ وَالْقُدْرَةُ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا تَقَرَّرَ شَرْطُ خِطَابِ التَّكْلِيفِ دُونَ خِطَابِ الْوَضْعِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ فَأَزِيدُهُ بَيَانًا بِذِكْرِ ثَلَاثِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)
اعْلَمْ أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ قَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَقَدْ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ أَمَّا اجْتِمَاعُهُمَا فَكَالزِّنَى فَإِنَّهُ حَرَامٌ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ خِطَابُ تَكْلِيفٍ وَسَبَبٌ لِلْحَدِّ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ خِطَابُ وَضْعٍ وَالسَّرِقَةُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ خِطَابُ تَكْلِيفٍ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهَا سَبَبُ الْقَطْعِ خِطَابُ وَضْعٍ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْجِنَايَاتِ مُحَرَّمَةٌ وَهِيَ أَسْبَابُ الْعُقُوبَاتِ وَالْبَيْعُ مُبَاحٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ حَرَامٌ عَلَى قَدْرِ مَا يَعْرِضُ لَهُ فِي صُوَرِهِ عَلَى مَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ خِطَابُ تَكْلِيفٍ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ سَبَبُ انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ أَوْ التَّقْدِيرِ فِي الْمَمْنُوعِ هُوَ خِطَابُ وَضْعٍ وَبَقِيَّةُ الْعُقُودِ تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ وَأَمَّا انْفِرَادُ خِطَابِ الْوَضْعِ فَكَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَدَوَرَانِ الْحَوْلِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ وَلَا إذْنٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا وُجِدَ الْأَمْرُ فِي أَثْنَائِهَا وَتَرَتُّبِهَا فَقَطْ وَأَمَّا خِطَابُ التَّكْلِيفِ بِدُونِ خِطَابِ الْوَضْعِ فَكَأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ كَإِيقَاعِ الصَّلَوَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ فَهَذِهِ مِنْ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
خِطَابُ التَّكْلِيفِ فَمِنْ جِهَةِ إبَاحَةِ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ لَكِنَّهَا لَمْ تُبِحْ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ وَالِاخْتِيَارِ وَالرُّشْدِ فَإِذَا وَقَعَتْ عَارِيَّةً غَيْرَ مُصَاحِبَةٍ لِتِلْكَ الْأَوْصَافِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي إبَاحَةِ التَّصَرُّفِ لَمْ تَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا مُسَبَّبَاتُهَا مِنْ وُجُوهِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ وَمَا مَعَهُ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ مُنَاسِبٌ وَمُطَّرِدٌ وَاشْتِرَاطَ ذَلِكَ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ وَلَا مُطَّرِدٍ أَمَّا مُنَاسَبَةُ الِاشْتِرَاطِ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ حُصُولُ الْمُكَلَّفِ بِهِ مِنْ الْمُكَلَّفِ مَعَ عَدَمِ تِلْكَ الشُّرُوطِ فَلَا تَقُومُ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ عِنْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا اطِّرَادُهُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا عَدَمُ مُنَاسَبَةِ الِاشْتِرَاطِ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ رَبَطَ هَذَا الْحُكْمَ بِهَذَا الْأَمْرِ أَوْ بِعَدَمِهِ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَعَذُّرًا مِنْ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا مِنْ كَسْبِهِ وَأَمَّا عَدَمُ اطِّرَادِهِ فَوَاضِحٌ كَمَا فِي زَوَالِ الشَّمْسِ مَثَلًا وَفِي كُلِّ سَبَبٍ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ.
قَالَ (إذَا تَقَرَّرَ هَذَا تَقَرَّرَ شَرْطُ خِطَابِ التَّكْلِيفِ دُونَ خِطَابِ الْوَضْعِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ فَأَزِيدُهُ بَيَانًا بِذِكْرِ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى اعْلَمْ أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ قَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَقَدْ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهَا صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
فُرُوضِ الْكِفَايَةِ إذَا وُجِدَ مَنْ يَقُومُ بِهَا وَيَكُونُ تَقْدِيمُ خِدْمَتِهِمَا عَلَى النَّفْلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنْ لَمْ تَفُتْ بِتَرْكِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ مَعَ قِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ مَصْلَحَةً وَمَصْلَحَةُ ذَلِكَ النَّفْلِ تَفُوتُ بِتَرْكِهِ نَظَرًا لِكَوْنِ مَصْلَحَةِ النَّفْلِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ إلَّا مُجَرَّدَ الثَّوَابِ وَكَذَا مَصْلَحَةُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ زَائِدٌ فِي الْعَدَدِ عَلَى مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ ثَوَابَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ أَعْظَمُ فَتَتَحَقَّقُ الْأَوْلَوِيَّةُ بَلْ عَلَى الْمَنْدُوبَاتِ الْمُتَأَكِّدَةِ نَعَمْ هَذَا حَيْثُ لَمْ يُشْرَعْ فِي النَّافِلَةِ وَالْمَنْدُوبَاتِ الْمُتَأَكِّدَةِ وَفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَمَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فَلَا تَجِبُ طَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ فِي قَطْعِ ذَلِكَ.
إذْ النَّافِلَةُ وَالْمَنْدُوبَاتُ الْمُتَأَكِّدَةُ مِمَّا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ السَّادَةِ الْأَحْنَافِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَكَذَا فَرْضُ الْكِفَايَةِ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ بِالشُّرُوعِ فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ حَتَّى طَلَبِ الْعِلْمِ لِمَنْ ظَهَرَتْ فِيهِ قَابِلِيَّةٌ مِنْ نَجَابَةٍ قَالَهُ سَحْنُونٌ خِلَافُ مَا عِنْدَ الْمَحَلِّيِّ كَمَا فِي حَاشِيَةِ ابْنِ حَمْدُونٍ عَلَى شَرْحِ مَيَّارَةَ الصَّغِيرِ عَلَى ابْنِ عَاشِرٍ وَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَادَتْ امْرَأَةٌ ابْنَهَا وَهُوَ فِي صَوْمَعَتِهِ يُصَلِّي قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي قَالَ: فَقَالَتْ يَا جُرَيْجُ قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي فَقَالَتْ اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ فِي وَجْهِ الْمَيامِيسِ وَكَانَتْ تَأْتِي إلَى صَوْمَعَتِهِ رَاعِيَةٌ تَرْعَى الْغَنَمَ فَوَلَدَتْ فَقِيلَ لَهَا: مِمَّنْ هَذَا الْوَلَدُ؟ فَقَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ فَوَاقَعَنِي» وَسَاقَ الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمِّ فِي قَطْعِ النَّافِلَةِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا تَكُونَ وَاجِبَةً بِالشُّرُوعِ أَوْ يُقَالُ مَا وَجَبَ بِالشُّرُوعِ يُقْطَعُ لِلْأَبَوَيْنِ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ بِالْأَصَالَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ كَانَ مُبَاحًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا كَانَ فِي أَوَّلِ شَرْعِنَا وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ جُرَيْجٌ قَدْ عَصَى بِتَرْكِ طَاعَتِهَا فِي أَمْرٍ مُبَاحٍ أَوْ مَنْدُوبٍ إلَيْهِ وَهُوَ الصَّمْتُ حِينَئِذٍ فَلِذَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْ كَانَ جُرَيْجٌ فَقِيهًا لَعَلِمَ أَنَّ إجَابَةَ أُمِّهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ» عَلَى أَنَّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرًا إذْ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ اسْتَجَابَ دُعَاءَهَا فِيهِ وَاسْتِجَابَةُ الدُّعَاءِ لَا يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ لِوُجُوبِ حَقِّ الدَّاعِي وَأَنَّهُ مَظْلُومٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي كِتَابِ الْمُنْجِيَاتِ وَالْمُوبِقَاتِ فِي فِقْهِ الْأَدْعِيَةِ أَنَّ دُعَاءَ الظَّالِمِ قَدْ يُسْتَجَابُ فِي الْمَظْلُومِ وَيَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَهُ سَبَبًا لِضَرَرٍ يَحْصُلُ لِلْمَظْلُومِ لِأَجْلِ ذَنْبٍ تَقَدَّمَ مِنْ الْمَظْلُومِ وَعِصْيَانِهِ لِلَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ طَرِيقِ هَذَا الدَّاعِي كَمَا أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute