للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْإِعْسَارِ اللَّذَيْنِ هُمَا مَعْجُوزٌ عَنْهُمَا وَيَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ الْمَغْفُولُ عَنْهُ مِنْ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فَإِنَّ مَعْنَى خِطَابِ الْوَضْعِ قَوْلُ صَاحِبِ الشَّرْعِ اعْلَمُوا أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ كَذَا فَقَدْ وَجَبَ كَذَا أَوْ حَرُمَ كَذَا أَوْ نُدِبَ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ هَذَا فِي السَّبَبِ أَوْ يَقُولُ عُدِمَ كَذَا فِي وُجُودِ الْمَانِعِ أَوْ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ.

وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ الشَّرْعِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ قَاعِدَتَيْنِ

الْقَاعِدَةُ الْأُولَى الْأَسْبَابُ الَّتِي هِيَ أَسْبَابٌ لِلْعُقُوبَاتِ وَهِيَ جِنَايَاتٌ كَالْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ وَالْعِلْمُ وَالْقَصْدُ فَلِذَلِكَ لَا قِصَاصَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَالزَّانِي أَيْضًا وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْمُكْرَهِ وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ أَجْنَبِيَّةٌ بَلْ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ سَقَطَ الْحَدُّ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ مَنْ شَرِبَ خَمْرًا يَعْتَقِدُهَا خَلًّا لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَسْبَابِ الَّتِي هِيَ جِنَايَاتٌ وَأَسْبَابٌ لِلْعُقُوبَاتِ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعِلْمُ وَالْقَصْدُ وَالْقُدْرَةُ وَالسِّرُّ فِي اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ أَنَّ رَحْمَةَ صَاحِبِ الشَّرْعِ تَأْبَى عُقُوبَةَ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ الْفَسَادَ وَلَا يَسْعَى فِيهِ بِإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بَلْ قَلْبُهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْعِفَّةِ وَالطَّاعَةِ وَالْإِنَابَةِ فَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَاقِبُهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ رَحْمَةً وَلُطْفًا.

الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي اُسْتُثْنِيَتْ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَاشْتُرِطَ فِيهَا الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ قَاعِدَةُ أَسْبَابِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَقْفِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُغَارَسَةِ وَالْجَعَالَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ سَبَبُ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ فَمَنْ بَاعَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ أَوْ هَذَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

فِي وُجُودِ الْمَانِعِ أَوْ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ الشَّرْعِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ قَاعِدَتَيْنِ فِي الشَّرِيعَةِ الْقَاعِدَةُ الْأُولَى الْأَسْبَابُ الَّتِي هِيَ أَسْبَابٌ لِلْعُقُوبَاتِ وَهِيَ جِنَايَةٌ كَالْقَتْلِ لِلْقِصَاصِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ وَالْعِلْمُ وَالْقَصْدُ فَلِذَلِكَ لَا قِصَاصَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَالزِّنَى أَيْضًا وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْمُكْرَهِ وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ أَجْنَبِيَّةٌ بَلْ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ سَقَطَ الْحَدُّ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ مَنْ شَرِبَ خَمْرًا يَعْتَقِدُهَا خَلًّا لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَسْبَابِ الَّتِي هِيَ جِنَايَاتٌ وَأَسْبَابٌ لِلْعُقُوبَاتِ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعِلْمُ وَالْقَصْدُ وَالْقُدْرَةُ وَالسِّرُّ فِي اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ أَنَّ رَحْمَةَ صَاحِبِ الشَّرْعِ تَأْبَى عُقُوبَةَ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ الْفَسَادَ وَلَا يَسْعَى بِإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بَلْ قَلْبُهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْعِفَّةِ وَالطَّاعَةِ وَالْإِنَابَةِ فَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَاقِبُهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ رَحْمَةً وَلُطْفًا) .

قُلْت لَيْسَ ذَلِكَ بِاسْتِثْنَاءٍ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَكِنَّهُ ازْدَوَجَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ خِطَابُ التَّكْلِيفِ وَالْوَضْعِ فَلَحِقَهَا اشْتِرَاطُ الْعَقْلِ وَمَا مَعَهُ مِنْ جِهَةِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ لَا مِنْ جِهَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ التَّكْلِيفُ مَعَ عَدَمِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ فَيَرْتَفِعُ خِطَابُ الْوَضْعِ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي اُسْتُثْنِيَتْ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَاشْتُرِطَ فِيهَا الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ قَاعِدَةُ أَسْبَابِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ إلَى آخِرِ الْقَاعِدَةِ) قُلْت وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ أَيْضًا لَيْسَتْ بِمُسْتَثْنَاةٍ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَكِنْ ازْدَوَجَ فِيهَا الْخِطَابَانِ أَمَّا خِطَابُ الْوَضْعِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بِالتَّرَاخِي وَقَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَعْصِيهِمَا فِي الْخُرُوجِ لِلْغَزْوِ وَإِلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ بِمُفَاجَأَةِ الْعَدُوِّ أَوْ يُنْذِرَهُ فَيُؤَخِّرَ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فَإِنْ أَذِنَا لَهُ وَإِلَّا خَرَجَ.

٢ -

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ: الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ طَاعَةَ الْوَالِدَيْنِ وَاجِبَةٌ فِي الشُّبُهَاتِ دُونَ الْحَرَامِ لِأَنَّ تَرْكَ الشُّبْهَةِ مَنْدُوبٌ وَتَرْكَ طَاعَتِهِمَا حَرَامٌ وَالْحَرَامُ أَيْ تَرْكُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَنْدُوبِ أَيْ فِعْلِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُمَا إنْ كَرِهَا انْفِرَادَهُ عَنْهُمَا أَيْ وَإِنْ كَانَ أَكْلُهُ مَعَهُمَا شُبْهَةً لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بَعْدَ قَوْله تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: ٨٣] يُرِيدُ الْبِرَّ بِهِمَا مَعَ اللُّطْفِ وَلِينِ الْجَانِبِ فَلَا يُغْلِظُ لَهُمَا فِي الْجَوَابِ وَلَا يُحِدُّ النَّظَرَ إلَيْهِمَا وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ عَلَيْهِمَا بَلْ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهِمَا مِثْلَ الْعَبْدِ بَيْنَ يَدَيْ السَّيِّدِ تَذَلُّلًا لَهُمَا اهـ وَلَا يُسَافِرُ فِي مُبَاحٍ وَلَا نَافِلَةٍ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَلَا يُبَادِرُ لِحَجِّ الْإِسْلَامِ وَلَا يَخْرُجُ لِطَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا إلَّا عِلْمًا هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِهِ مَنْ يُعَلِّمُهُ لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ وَرُوِيَ فِي الْبُخَارِيِّ قَالَ الْحَسَنُ: إذَا مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ شَفَقَةً عَلَيْهِ فَلْيَعْصِهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ فِي كِتَابِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ لَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي تَرْكِ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ كَحُضُورِ الْجَمَاعَاتِ وَتَرْكِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْوَتْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا سَأَلَاهُ تَرْكَ ذَلِكَ عَلَى الدَّوَامِ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَعَيَاهُ لِأَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَجَبَتْ طَاعَتُهُمَا وَإِنْ فَاتَتْهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ.

(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) أَعْظَمُ دَلِيلٍ وَأَبْلَغُهُ فِي أَمْرِ الْوَالِدَيْنِ مَا فِي مُسْلِمٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ قَالَ: هَلْ مِنْ وَالِدَيْك أَحَدٌ حَيٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ كِلَاهُمَا قَالَ: فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَارْجِعْ إلَى وَالِدَيْك فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا» فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ بِالْأَفْضَلِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الْكَوْنُ مَعَهُمَا رَتَّبَهُ عَلَى مُجَرَّدِ وَصْفِ الْأُبُوَّةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أَمْرِهِمَا وَعِصْيَانِهِمَا وَحَاجَتِهِمَا لِلْوَلَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُوجِبَةِ لِبِرِّهِمَا بَلْ قَدَّمَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُحْبَتَهُمَا مَعَ مُجَرَّدِ وَصْفِ الْأُبُوَّةِ عَلَى صُحْبَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَخِدْمَتَهُمَا مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْجِهَادِ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا سِيَّمَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ نَظَرًا لِكَوْنِ الْجِهَادِ فَرْضَ كِفَايَةٍ يَحْمِلُهُ الْحَاضِرُونَ عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ فَيَنْدَرِجُ فِي هَذَا الْمَسْلَكِ غَسْلُ الْمَوْتَى وَمُوَارَاتُهُمْ وَجَمِيعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>