الْمَجَازُ فِي التَّرْكِيبِ وَالْإِفْرَادِ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مَجَازٌ مُفْرَدٌ فَقَطْ كَالْأَسَدِ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَمَجَازٌ مُرَكَّبٌ فَقَطْ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] فَإِنَّ السُّؤَالَ اُسْتُعْمِلَ فِي السُّؤَالِ وَلَفْظُ الْقَرْيَةِ اُسْتُعْمِلَ فِي الْقَرْيَةِ وَلَكِنَّ تَرْكِيبَ السُّؤَالِ مَعَ الْقَرْيَةِ مَجَازٌ فِي التَّرْكِيبِ لِأَنَّ شَأْنَهُ أَنْ يُرَكَّبَ مَعَ أَهْلِهَا وَهَذَا مَجَازٌ فِي التَّرْكِيبِ وَلَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ النَّقْلِ بِخِلَافِ يَعْصِرُ الْخَمْرَ وَيَطْحَنُ الدَّقِيقَ فَإِنَّهُمَا وَصَلَا إلَى حَدِّ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ.
وَمِثَالُ اجْتِمَاعِهِمَا مَعًا قَوْلُك أَرْوَانِي الْخُبْزُ وَأَشْبَعَنِي الْمَاءُ فَإِنَّك تَسْتَعْمِلُ أَرْوَانِي فِي الشِّبَعِ، وَالشِّبَعُ فِي رَوَانِي فَيَقَعُ الْمَجَازُ فِي الْإِفْرَادِ وَتَجْعَلُ فَاعِلَ أَرْوَى الْخُبْزَ وَهُوَ خِلَافُ أَصْلِ اللُّغَةِ وَفَاعِلَ الشِّبَعِ الْمَاءَ وَهُوَ خِلَافُ أَصْلِ اللُّغَةِ فَهَذَانِ الْمِثَالَانِ جَمَعَا بَيْنَ الْمَجَازِ فِي الْإِفْرَادِ وَالتَّرْكِيبِ دُونَ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ إذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ الْعُرْفَ كَمَا يَنْقُلُ أَهْلُهُ اللَّفْظَ الْمُفْرَدَ فَيَنْقُلُونَ أَيْضًا اللَّفْظَ الْمُرَكَّبَ فَمِثْلُ هَذَا النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ يُقَدَّمُ عَلَى مَوْضُوعِ اللُّغَةِ لِأَنَّهُ نَاسِخٌ لِلُّغَةِ وَالنَّاسِخُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَنْسُوخِ فَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا إنَّ الْحَقَائِقَ الْعُرْفِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ. وَأَمَّا الْعُرْفُ الْفِعْلِيُّ فَمَعْنَاهُ أَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ لِمَعْنًى يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُ أَهْلِ الْعُرْفِ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْمُسَمَّى دُونَ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِهِ مِثَالُهُ أَنَّ لَفْظَ الثَّوْبِ صَادِقٌ لُغَةً عَلَى ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالْحَرِيرِ وَالْوَبَرِ وَالشَّعْرِ وَأَهْلُ الْعُرْفِ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ مِنْ الثِّيَابِ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ دُونَ الْأَخِيرَيْنِ فَهَذَا عُرْفٌ فِعْلِيٌّ وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْخُبْزِ يَصْدُقُ لُغَةً عَلَى خُبْزِ الْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَالْبُرِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ الْأَخِيرَ فِي أَغْذِيَتِهِمْ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ فَوُقُوعُ الْفِعْلِ فِي نَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ لَا يُخِلُّ بِوَضْعِ اللَّفْظِ لِلْجِنْسِ كُلِّهِ فَإِنَّ تَرْكَ مُسَمَّى لَفْظٍ لَمْ يُبَاشَرْ لَا يُخِلُّ بِوَضْعِ اللَّفْظِ فَإِنَّا لَمْ نُبَاشِرْ الْيَاقُوتَ وَلَمْ يُخِلَّ ذَلِكَ بِوَضْعِ لَفْظِ الْيَاقُوتِ لَهُ نَعَمْ لَوْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُ الْيَاقُوتِ فِي نَوْعٍ آخَرَ مِنْ الْأَحْجَارِ حَتَّى صَارَ لَا يُفْهَمُ إلَّا ذَلِكَ الْحَجَرُ دُونَ الْيَاقُوتِ لِأَجْلِ ذَلِكَ بِوَضْعِ لَفْظِ الْيَاقُوتِ لِلْيَاقُوتِ وَكَانَ ذَلِكَ نَسْخًا لِلَفْظِ الْيَاقُوتِ عَنْ مُسَمَّاهُ الْأَوَّلِ فَهَذَا الْمِثَالُ يُوَضِّحُ لَك أَنَّ تَرْكَ مُبَاشَرَةِ الْمُسَمَّيَاتِ لَا يُخِلُّ بِالْوَضْعِ وَغَلَبَةَ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْمُسَمَّى فِي غَيْرِهِ يُخِلُّ، فَهَذَا هُوَ تَحْرِيرُ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ وَتَحْرِيرُ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ، وَتَحْرِيرُ أَنَّ الْعُرْفَ الْقَوْلِيَّ يُؤَثِّرُ فِي اللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ تَخْصِيصًا وَتَقْيِيدًا وَإِبْطَالًا وَأَنَّ الْعُرْفَ الْفِعْلِيَّ لَا يُؤَثِّرُ فِي اللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ تَخْصِيصًا وَلَا تَقْيِيدًا وَلَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا إنَّ الْحَقَائِقَ الْعُرْفِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ) قُلْت جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ. قَالَ (وَأَمَّا الْعُرْفُ الْفِعْلِيُّ فَمَعْنَاهُ أَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ لِمَعْنًى يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُ أَهْلِ الْعُرْفِ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْمُسَمَّى دُونَ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِهِ مِثَالُهُ أَنَّ لَفْظَ الثَّوْبِ صَادِقٌ لُغَةً عَلَى ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالْحَرِيرِ وَالْوَبَرِ وَالشَّعْرِ وَأَهْلُ الْعُرْفِ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ مِنْ الثِّيَابِ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ دُونَ الْأَخِيرِ فَهَذَا عُرْفٌ فِعْلِيٌّ إلَى قَوْلِهِ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَلَى شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ. اهـ.
يَعْنِي وَمُقْتَضَى كَوْنِ الْمَقْصُودِ الْحُكْمَ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ أَنْ تَكُونَ دَلَالَةُ لَفْظِ الْعَامِّ كَعَبِيدِي عَلَى الْفَرْدِ كَثَلَاثَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ فِي حَالِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُ الْحَقِيقَةِ فِيهِ مُطَابَقِيَّة وَعَلَى وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ تَضَمُّنِيَّةً وَأَمَّا عَلَى ثَلَاثَةٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ فَخَارِجَةٌ عَنْ أَنْوَاعِ الدَّلَالَةِ اللَّفْظِيَّةِ الْوَضْعِيَّةِ مَا لَمْ تُلَاحَظْ عَلَاقَةٌ وَقَرِينَةٌ وَإِلَّا كَانَ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً اتِّفَاقًا وَلَا تَكُونُ دَلَالَةُ لَفْظِ الْعَامِّ عَلَى فَرْدِهِ الْمَذْكُورِ فِي حَالِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جُزْءٌ تَضَمُّنِيَّةً كَمَا قِيلَ إلَّا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الْحُكْمُ عَلَى الْمَجْمُوعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قُلْت: وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَامِّ يَدُلُّ عَلَى فَرْدِهِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مُطَابَقَةً وَالْمُطْلَقُ يَدُلُّ عَلَى الْفَرْدِ الْمُبْهَمِ مُطَابَقَةً أَيْضًا هُوَ أَنَّ الْعَامَّ يَدُلُّ عَلَى فَرْدِهِ الْمَذْكُورِ مُطَابَقَةً مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُ الْمَوْضُوعِ لَهُ الَّذِي هُوَ الْحَقِيقَةُ الْكُلِّيَّةُ فِيهِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَالْمُطْلَقُ يَدُلُّ عَلَى الْفَرْدِ الْمُبْهَمِ مُطَابَقَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ لَا مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُ الْمَوْضُوعِ لَهُ فِيهِ فَافْهَمْ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَائِلَ لِغُلَامِهِ إذَا قَالَ: أَلْزَمْتُك النَّهْيَ أَوْ النَّفْيَ وَاقِعٌ فِي الدَّارِ إنْ أَرَادَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي النَّهْيِ وَالنَّفْيِ الْعَهْدُ فِي الشَّخْصِ أَيْ فِي نَهْيٍ مُعَيَّنٍ وَنَفْيٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَكُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ أَوْ الْمَنْفِيُّ عَنْهُ وَهُوَ الْمَدْلُولُ الْتِزَامًا مُعَيَّنًا وَإِنْ أَرَادَ بِهَا فِيهِمَا الْعَهْدُ فِي الْجِنْسِ أَيْ فِي نَهْيٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَفِي نَفْيٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَدْلُولُ الِالْتِزَامِيُّ وَهُوَ الْمُشْتَرَكُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ أَوْ الْمَنْفِيُّ عَنْهُ كَذَلِكَ أَيْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ مُعَيَّنًا.
وَإِذَا كَانَ مُعَيَّنًا لَزِمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُتَعَلِّقِ بِهِ وَهُوَ النَّهْيُ أَوْ النَّفْيُ وَقَدْ فُرِضَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَإِنْ أَرَادَ بِهَا فِيهَا الْعُمُومَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعُمُومِ فِي الْمُتَعَلِّقِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَدْلُولِ الْمُشْتَرَكِ مُطَابَقَةً فِي النَّهْيِ وَالنَّفْيِ وَمَدْلُولِهِ الْتِزَامًا فِيهِمَا وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَحَنِثَ بِأَنْ قَالَ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فَإِذَا جُعِلَتْ الْأَلْفُ وَاللَّامُ فِي الطَّلَاقِ بِحَسَبِ اللُّغَةِ لِلْعَهْدِ فِي الْجِنْسِ كَانَ الطَّلَاقُ مُطْلَقًا فِي أَفْرَادِهِ مُطَابَقَةً فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا فِي الزَّوْجَاتِ الْتِزَامًا أَوْ لِلْعُمُومِ كَانَ الطَّلَاقُ عَامًّا فِي أَفْرَادِهِ مُطَابَقَةً فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي الزَّوْجَاتِ وَفِي أَنْوَاعِ الطَّلَاقِ مِنْ الثَّلَاثِ وَغَيْرِهَا الْتِزَامًا إلَّا أَنَّهُ لَا عُمُومَ فِي إفْرَادِ الطَّلَاقِ بِحَسَبِ عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَالنَّاسِ وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا أَلْزَمَ بِهِ غَيْرَ طَلْقَةٍ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا شَكَّ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعُمَّهُنَّ الطَّلَاقُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ بَلْ يُخَيِّرَ فِي التَّعْيِينِ أَوْ يَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ لِأَنَّ بَعْضَهُنَّ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَجَمَاعَةً مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالُوا بِعُمُومِ الطَّلَاقِ فِيهِنَّ احْتِيَاطًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute