للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إبْطَالًا لِعَدَمِ مُعَارَضَةِ الْفِعْلِ وَعَدَمِهِ لِوَضْعِ اللُّغَةِ وَمُعَارَضَةِ غَلَبَةِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْعُرْفِ لِلْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ.

وَقَدْ حَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْإِجْمَاعَ فِي أَنَّ الْعُرْفَ الْفِعْلِيَّ لَا يُؤَثِّرُ بِخِلَافِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ وَرَأَيْت الْمَازِرِيَّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ حَاوَلَ الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ نَقَلَ خِلَافًا فِي ذَلِكَ وَنَقَلَ مَثَلًا عَنْهُ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَقَدْ نَقَلْتهَا فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ وَبَيَّنْت مَعْنَاهَا وَأَنَّهُ لَيْسَ خِلَافًا فِي اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ بَلْ لِذَلِكَ مَعْنًى آخَرُ وَالظَّاهِرُ حُصُولُ الْإِجْمَاعِ فِيهِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا جَزَمَ بِحُصُولِ الْخِلَافِ فِيهِ بَلْ رَأَى كَلَامًا لِبَعْضِ النَّاسِ أَوْجَبَ شَكًّا وَتَرَدُّدًا وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْمِثْلِ الْمُشَارِ إلَيْهَا وَأَنَا أُوَضِّحُ هَذَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِذِكْرِ أَرْبَعِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)

إذَا فَرَضْنَا مَلِكًا أَعْجَمِيًّا يَتَكَلَّمُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَهُوَ يَعْرِفُ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِهَا لِثِقَلِهَا عَلَيْهِ فَحَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَلَا يَأْكُلُ خُبْزًا وَكَانَ حَلِفُهُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِاسْتِعْمَالِهَا وَعَادَتُهُ فِي غِذَائِهِ لَا يَأْكُلُ إلَّا خُبْزَ الشَّعِيرِ وَلَا يَلْبَسُ إلَّا ثِيَابَ الْقُطْنِ فَإِنَّا نُحَنِّثُهُ بِأَيِّ ثَوْبٍ لَبِسَهُ وَبِأَيِّ خُبْزٍ أَكَلَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مُعْتَادِهِ فِي فِعْلِهِ أَمْ لَا وَهَذَا إذَا لَمْ تَجْرِ لَهُ عَادَةٌ بِاسْتِعْمَالِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ اسْتِعْمَالَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لَكَانَ طُولَ أَيَّامِهِ يَقُولُ أَكَلْت خُبْزًا وَأْتُونِي بِخُبْزٍ وَعَجِّلُوا بِالْخُبْزِ وَالْخُبْزُ عَلَى الْمَائِدَةِ قَلِيلٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَا يُرِيدُ فِي هَذَا النُّطْقِ كُلِّهِ إلَّا خُبْزَ الشَّعِيرِ الَّذِي جَرَتْ عَادَتُهُ بِهِ فَيَصِيرُ لَهُ فِي لَفْظِ الْخُبْزِ عُرْفٌ قَوْلِيٌّ نَاسِخٌ لِلُّغَةِ فَلَا نُحَنِّثُهُ بِغَيْرِ خُبْزٍ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْمِثْلِ الْمُشَارِ إلَيْهَا) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْعُرْفَ الْفِعْلِيَّ لَا يُؤَثِّرُ فِي وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْجِنْسِ كُلِّهِ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ مَا أَرَادَ بِنَاءَهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَعَادَتُهُ لُبْسُ ثَوْبِ الْكَتَّانِ دُونَ غَيْرِهِ بِحَيْثُ يَحْنَثُ بِلُبْسِ غَيْرِ الْكَتَّانِ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لَهُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ (وَأَنَا أُوَضِّحُ هَذَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِذِكْرِ أَرْبَعِ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إذَا فَرَضْنَا مَلِكًا أَعْجَمِيًّا يَتَكَلَّمُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَهُوَ يَعْرِفُ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِهَا لِثِقَلِهَا عَلَيْهِ فَحَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَلَا يَأْكُلُ خُبْزًا وَكَانَ حَلِفُهُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِاسْتِعْمَالِهَا وَعَادَتُهُ فِي غِذَائِهِ لَا يَأْكُلُ إلَّا خُبْزَ الشَّعِيرِ وَلَا يَلْبَسُ إلَّا ثِيَابَ الْقُطْنِ فَإِنَّا نُحَنِّثُهُ بِأَيِّ ثَوْبٍ لَبِسَهُ وَبِأَيِّ خُبْزٍ أَكَلَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مُعْتَادِهِ فِي فِعْلِهِ أَوْ لَا إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت لَا نُسَلِّمُ لَهُ تَحْنِيثَهُ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ اقْتِصَارُهُ عَلَى أَكْلِ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَلُبْسِ الْقُطْنِ مُقَيِّدٌ لِمُطْلَقِ لَفْظِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ قُبَيْلِ بِسَاطِ الْحَالِ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِالنِّيَّةِ ثُمَّ بِبِسَاطِ الْحَالِ فَإِذَا عُدِمَا حِينَئِذٍ تُعْتَبَرُ بِالْعُرْفِ ثُمَّ بِاللُّغَةِ إنْ عُدِمَ الْعُرْفُ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لِلزَّوْجِ وَصَوْنًا لَهَا عَنْ مُوَاقَعَةِ الزِّنَا فَإِنَّ الطَّلَاقَ قَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَوَقَعَ الشَّكُّ وَالِاحْتِمَالُ فِي عُمُومِهِ لِمُحَالِهِ أَوْ خُصُوصِهِ فَحُمِلَ عَلَى الْعُمُومِ فِيهَا احْتِيَاطًا كَمَا فِيمَا إذَا طَلَّقَ وَشَكَّ هَلْ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَكَّ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اسْتِصْحَابًا بِالْأَصْلِ الْعِصْمَةُ كَمَا مَرَّ وَلَا يَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يُخَيِّرُوهُ إذَا قَالَ: يَلْزَمُنِي الطَّلَاقُ وَإِنْ خَيَّرُوهُ فِي إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ فِي قَوْلِهِ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ بَيِّنٌ لِتَعْلِيقِهِ الطَّلَاقَ بِوَاحِدَةٍ أَمَّا حَيْثُ لَمْ يُعَلِّقْ الطَّلَاقَ بِوَاحِدَةٍ فَلَيْسَ التَّخْيِيرُ بِالْبَيِّنِ فَإِنْ نَوَى بِالطَّلَاقِ بَعْضَهُنَّ ذَاهِلًا عَنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ إلَّا فِي الْبَعْضِ الَّذِي نَوَاهُ وَحْدَهُ كَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ فِيمَا عَدَا مَا نَوَاهُ إذَا أَتَى بِصِيغَةِ عُمُومٍ نَحْوِ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا لِأَنَّ النِّيَّةَ أَوَّلُ مُعْتَبَرٍ فِي الْحَالِفِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ فَاحْفَظْهُ.

(وَصْلٌ) فِي تَحْقِيقِ فِقْهِ هَذَا الْفَرْقِ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] أَثْبَتَ الْوُجُوبَ فِي رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَلَا يَعُمُّ بَلْ تَكْفِي رَقَبَةٌ وَاحِدَةٌ بِالنَّصِّ وَبِذَلِكَ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ تَبَعًا لِلنَّصِّ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ قَالَ صَاحِبُ الشَّرْعِ حَرَّمْت عَلَيْكُمْ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ جَمِيعِ الْخَنَازِيرِ حَرُمَ كُلُّ خِنْزِيرٍ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْأَعَمِّ يَلْزَمُ مِنْهُ تَعْلِيقُهُ بِالْأَخَصِّ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا قَالَ: لِنِسَائِهِ: إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ حَرُمَتْ عَلَيْهِ كُلُّهُنَّ بِالطَّلَاقِ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْأُمُورِ عِبَارَةً عَنْ وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْهَا فَلَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَالْكَلَامُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِغَيْرِ مُقْتَضٍ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ نَظَرًا لِلِاحْتِيَاطِ لِلْفُرُوجِ كَمَا أَجَابَ بِهِ الْأَكَابِرُ وَدَلِيلُ مَشْرُوعِيَّةِ هَذَا الِاحْتِيَاطِ كُلُّ دَلِيلٍ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ تَوَقِّي الشُّبُهَاتِ وَلَا يَتِمُّ جَوَابُ الْأَصْلِ بِبِنَائِهِ عَلَى ثَلَاثِ قَوَاعِدَ: الْأُولَى أَنَّ مَفْهُومَ أَحَدِ الْأُمُورِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا لِصِدْقِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَالصَّادِقُ عَلَى عَدَدٍ وَأَفْرَادٍ مُشْتَرَكٌ فِيهِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ. الثَّانِيَةُ: أَنَّ الطَّلَاقَ تَحْرِيمٌ لِأَنَّهُ رَافِعٌ لِمُوجِبِ النِّكَاحِ وَالنِّكَاحُ لِلْإِبَاحَةِ وَرَافِعُ الْإِبَاحَةِ مُحَرَّمٌ فَالطَّلَاقُ مُحَرَّمٌ الثَّالِثَةُ أَنَّ تَحْرِيمَ الْمُشْتَرَكِ يَلْزَمُ مِنْهُ تَحْرِيمُ جَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَحْرُمْنَ كُلُّهُنَّ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ صَحِيحًا إلَّا أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ إذْ لَيْسَ أَحُطُّ الْأُمُورِ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَلْ هُوَ وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْهَا وَلِذَلِكَ صَدَقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ الْكُلِّيَّةُ حَتَّى يَحْصُلَ الْمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ وَالصَّادِقُ عَلَى عَدَدٍ وَأَفْرَادٍ مُشْتَرَكٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>