للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُهُ فَحَنِثَ فَمَشْهُورُ فَتَاوَى الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَعِتْقُ رَقَبَةٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ وَإِنْ كَثُرُوا وَصَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَالْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَطَلَاقُ امْرَأَتِهِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ وَاحِدَةٌ أَوْ ثَلَاثٌ وَالتَّصَدُّقُ بِثُلُثِ الْمَالِ وَلَمْ يُلْزِمُوهُ اعْتِكَافَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَا الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَلَا لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا الرِّبَاطَ فِي الثُّغُورِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَلَا تَرْبِيَةَ الْيَتَامَى وَلَا كُسْوَةَ الْعَرَايَا وَلَا إطْعَامَ الْجِيَاعِ وَلَا شَيْئًا مِنْ الْقُرُبَاتِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَاحَظُوا مَا غَلَبَ الْحَلِفُ بِهِ فِي الْعُرْفِ وَمَا يُجْعَلُ يَمِينًا فِي الْعَادَةِ فَأَلْزَمُوا إيَّاهُ لِأَنَّهُ الْمُسَمَّى الْعُرْفِيُّ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ وَيَخْتَصُّ حَلِفُهُ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ دُونَ غَيْرِهَا لِأَنَّهَا الْمُشْتَهِرَةُ وَلَفْظُ الْحَلِفِ وَالْأَيْمَانِ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا وَلَيْسَ الْمُدْرَكُ أَنَّ عَادَتَهُمْ يَفْعَلُونَ مُسَمَّيَاتِهَا وَأَنَّهُمْ يَصُومُونَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ يَحُجُّونَ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ بَلْ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِ الْأَلْفَاظِ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي دُونَ غَيْرِهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ صَرَّحُوا وَقَالُوا مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالْحَلِفِ بِصَوْمٍ لَزِمَهُ صَوْمُ سَنَةٍ فَجَعَلُوا الْمُدْرَكَ الْحَلِفَ اللَّفْظِيَّ دُونَ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ فَهَذَا هُوَ مُدْرَكُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى التَّحْرِيرِ وَالتَّحْقِيقِ وَعَلَى هَذَا لَوْ اتَّفَقَ فِي وَقْتٍ آخَرَ اشْتِهَارُ حَلِفِهِمْ وَنَذْرِهِمْ لِلِاعْتِكَافِ وَالرِّبَاطِ وَإِطْعَامِ الْجِيعَانِ وَكُسْوَةِ الْعُرْيَانِ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ دُونَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا لَكَانَ اللَّازِمُ لِهَذَا الْحَالِفِ إذَا حَنِثَ الِاعْتِكَافَ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ دُونَ مَا هُوَ مَذْكُورٌ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى الْعَوَائِدِ تَدُورُ مَعَهَا كَيْفَمَا دَارَتْ. وَتَبْطُلُ مَعَهَا إذَا بَطَلَتْ

كَالنُّقُودِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْعُيُوبِ فِي الْأَعْرَاضِ فِي الْبِيَاعَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَوْ تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ فِي النَّقْدِ وَالسِّكَّةِ إلَى سِكَّةٍ أُخْرَى لَحُمِلَ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى السِّكَّةِ الَّتِي تَجَدَّدَتْ الْعَادَةُ بِهَا دُونَ مَا قَبْلَهَا وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الشَّيْءُ عَيْبًا فِي الثِّيَابِ فِي عَادَةٍ رَدَدْنَا بِهِ الْمَبِيعَ فَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ وَصَارَ ذَلِكَ الْمَكْرُوهُ مَحْبُوبًا مُوجِبًا لِزِيَادَةِ الثَّمَنِ لَمْ تُرَدَّ بِهِ وَبِهَذَا الْقَانُونِ تُعْتَبَرُ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى الْعَوَائِدِ وَهُوَ تَحْقِيقٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ لَا خِلَافَ فِيهِ بَلْ قَدْ يَقَعُ الْخِلَافُ فِي تَحْقِيقِهِ هَلْ وُجِدَ أَمْ لَا وَعَلَى هَذَا التَّحْرِيرِ يَظْهَرُ أَنَّ عُرْفَنَا الْيَوْمَ لَيْسَ فِيهِ الْحَلِفُ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَلَا تَكَادُ تَجِدُ أَحَدًا بِمِصْرَ يَحْلِفُ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي الْفُتْيَا بِهِ وَعَادَتُهُمْ يَقُولُونَ عَبْدِي حُرٌّ وَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ وَمَالِي صَدَقَةٌ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَتَلْزَمُ هَذِهِ الْأُمُورُ وَعَلَى هَذَا الْقَانُونَ تُرَاعَى الْفَتَاوَى عَلَى طُولِ الْأَيَّامِ فَمَهْمَا تَجَدَّدَ فِي الْعُرْفِ اعْتَبِرْهُ وَمَهْمَا سَقَطَ أَسْقِطْهُ وَلَا تَجْمُدْ عَلَى الْمَسْطُورِ فِي الْكُتُبِ طُولَ عُمْرِك بَلْ إذَا جَاءَك رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ إقْلِيمِك يَسْتَفْتِيك لَا تَجْرِهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إذَا حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُهُ فَحَنِثَ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ مَعَ وُجُودِ الْخَارِجِ وَزَوَالِ الشَّمْسِ أَوْ غُرُوبِهَا أَوْ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي إيجَابِ تِلْكَ الصَّلَوَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ شَرْطًا كَالْحَوْلِ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ وَالْبُلُوغِ فِي التَّكْلِيفِ مُطْلَقًا وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالرُّشْدِ فِي دَفْعِ مَالِ الْيَتِيمِ إلَيْهِ وَإِرْسَالِ الرُّسُلِ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ مَانِعًا كَالْحَيْضِ مِنْ الْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ وَأَدَاءِ الصِّيَامِ وَالْجُنُونِ مِنْ الْقِيَامِ بِالْعِبَادَاتِ وَإِطْلَاقِ التَّصَرُّفَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ الضَّرْبُ الثَّانِي مَا لَا يَكُونُ خَارِجًا عَنْ مَقْدُورِ الْمُكَلَّفِ وَلَهُ نَظَرٌ إنْ نُظِرَ مِنْ جِهَةِ دُخُولِهِ تَحْتَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ مَأْمُورًا بِهِ أَوْ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَوْ مَأْذُونًا فِيهِ لِاقْتِضَائِهِ لِلْمَصَالِحِ أَوْ الْمَفَاسِدِ جَلْبًا أَوْ دَفْعًا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِلِانْتِفَاعِ وَالنِّكَاحِ لِلنَّسْلِ وَالِانْقِيَادِ لِلطَّاعَةِ لِحُصُولِ الْفَوْزِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَهُوَ بَيِّنٌ وَنُظِرَ مِنْ جِهَةِ دُخُولِهِ تَحْتَ خِطَابِ الْوَضْعِ إمَّا لِكَوْنِهِ سَبَبًا كَالنِّكَاحِ سَبَبًا فِي حُصُولِ التَّوَارُثِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَتَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ وَحِلِّيَّةِ الِاسْتِمْتَاعِ وَالذَّكَاةِ سَبَبًا لِحِلِّيَّةِ الِانْتِفَاعِ بِالْأَكْلِ وَالسَّفَرِ سَبَبًا فِي إبَاحَةِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَالْقَتْلِ وَالْجُرْحِ سَبَبًا لِلْقِصَاصِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ أَسْبَابًا لِحُصُولِ تِلْكَ الْعُقُوبَاتِ

وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ شَرْطًا كَالنِّكَاحِ شَرْطًا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَوْ فِي حِلِّ مُرَاجَعَةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَالْإِحْصَانِ شَرْطًا فِي رَجْمِ الزَّانِي وَالطَّهَارَةِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالنِّيَّةِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْعِبَادَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مَانِعًا كَنِكَاحِ الْأُخْتِ مَانِعًا مِنْ نِكَاحِ الْأُخْرَى وَنِكَاحِ الْمَرْأَةِ مَانِعًا مِنْ نِكَاحِ عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَالْإِيمَانِ مَانِعًا مِنْ الْقِصَاصِ لِلْكَافِرِ وَالْكُفْرِ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ الطَّاعَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَإِنْ اجْتَمَعَتْ فِي نَحْوِ النِّكَاحِ لَكِنْ لَا لِحُكْمٍ وَاحِدٍ بَلْ إنَّمَا هُوَ سَبَبٌ لِحُكْمٍ وَشَرْطٌ لِآخَرَ وَمَانِعٌ لِآخَرَ كَمَا عَلِمْت إذْ لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهَا وَلَا اثْنَيْنِ مِنْهَا عَلَى الْحُكْمِ الْوَاحِدِ كَمَا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّدَافُعِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْمُوَافَقَاتِ لِلشَّاطِبِيِّ

وَيُضْبَطُ خِطَابُ التَّكْلِيفِ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ فِي اصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ قِيلَ وَالْأَصْلُ فِي لَفْظِهِ التَّكْلِيفُ لِكَوْنِهَا مُشْتَقَّةً مِنْ الْكُلْفَةِ أَنْ لَا تُطْلَقَ إلَّا عَلَى التَّحْرِيمِ وَالْوُجُوبِ إذْ لَا تُوجَدُ الْكُلْفَةُ إلَّا فِيهِمَا لِأَجْلِ الْحَمْلِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ خَوْفَ الْعِقَابِ وَالْمُكَلَّفُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عَدَاهُمَا فِي سَعَةٍ لِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فَلَا كُلْفَةَ إلَّا أَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِي إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى الْجَمِيعِ تَغْلِيبًا أَوْ لِكَوْنِهَا لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>