للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى عُرْفِ بَلَدِك وَاسْأَلْهُ عَنْ عُرْفِ بَلَدِهِ وَاجْرِهِ عَلَيْهِ وَأَفْتِهِ بِهِ دُونَ عُرْفِ بَلَدِك وَالْمُقَرَّرِ فِي كُتُبِك فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْوَاضِحُ وَالْجُمُودُ عَلَى الْمَنْقُولَاتِ أَبَدًا ضَلَالٌ فِي الدِّينِ وَجَهْلٌ بِمَقَاصِدِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالسَّلَفِ الْمَاضِينَ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ أَيْمَانُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَصِيَغُ الصَّرَائِحِ وَالْكِنَايَاتِ فَقَدْ يَصِيرُ الصَّرِيحُ كِنَايَةً يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ.

وَقَدْ تَصِيرُ الْكِنَايَةُ صَرِيحًا مُسْتَغْنِيَةً عَنْ النِّيَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَوْرًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْيَمِينِ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَسَمُ فَقَطْ ثُمَّ إنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي النَّذْرِ أَيْضًا وَهُوَ لَيْسَ قَسَمًا بَلْ إطْلَاقُ الْيَمِينِ عَلَيْهِ إمَّا مَجَازٌ لُغَوِيٌّ أَوْ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَجَمْعُ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي جَرَتْ عَادَتُهَا تُنْذِرُ كَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ وَالطَّلَاقِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ قَسَمًا وَلَا نَذْرًا يَقْتَضِي ذَلِكَ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ إنْ قُلْنَا إنَّ لَفْظَ الْيَمِينِ حَقِيقَةً فِي الْجَمِيعِ أَوْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ هَلْ تَجُوزُ أَمْ لَا أَعْنِي هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ كَلَامًا عَرَبِيًّا أَمْ لَا وَالْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ جَوَازُ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ لَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَتِهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا قَالَ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي فَتَخَرَّجَ مَا يَلْزَمُهُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الْحَلِفِ عِنْدَ الْمُلُوكِ الْمُعَاصِرَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَأَيُّ شَيْءٍ جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مُلُوكِ الْوَقْتِ فِي التَّحْلِيفِ بِهِ فِي بَيْعَتِهِمْ وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ بِحَيْثُ صَارَ عُرْفًا وَمَنْقُولًا مُتَبَادِرًا لِلذِّهْنِ مِنْ غَيْرِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَقَدْ تَصِيرُ الْكِنَايَةُ صَرِيحًا مُسْتَغْنِيَةً عَنْ النِّيَّةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَفْظَ الْأَيْمَانِ لَا بُدَّ أَنْ تَجْرِيَ عَلَى عَادَةِ الْحَالِفِ أَوْ أَهْلِ بَلْدَةِ تَسْمِيَتِهِ يَمِينًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ

(وَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَوْرًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْيَمِينِ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَسَمُ فَقَطْ ثُمَّ إنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي النَّذْرِ أَيْضًا وَهُوَ لَيْسَ قَسَمًا بَلْ إطْلَاقُ الْيَمِينِ عَلَيْهِ إمَّا مَجَازٌ لُغَوِيٌّ أَوْ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَجَمَعَ الْأَصْحَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي جَرَتْ عَادَتُهَا تُنْذَرُ كَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ وَالطَّلَاقِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ قَسَمًا وَلَا نَذْرًا يَقْتَضِي ذَلِكَ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ فِي ذَلِكَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ وَلَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بَلْ صَارَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ كُلُّهَا تُسَمَّى فِي الْعُرْفِ إيمَانًا وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ فِي اللُّغَةِ مَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إذَا قَالَ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَمْلِ يَمِينِهِ عَلَى الْعُرْفِ ثُمَّ عَلَى النِّيَّةِ ثُمَّ عَلَى الْبِسَاطِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى يَمِينِهِ تِلْكَ حُكْمٌ أَوْ لَا يَتَرَتَّبُ فَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا حُكْمٌ فَالْمُعْتَبَرُ النِّيَّةُ ثُمَّ السَّبَبُ أَوْ الْبِسَاطُ ثُمَّ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَفِي حَاشِيَةِ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ التَّكْلِيفَ إمَّا أَنْ يُفَسَّرَ بِإِلْزَامِ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ فَلَا يَشْمَلُ النَّدْبَ وَالْكَرَاهَةَ وَإِمَّا أَنْ يُفَسَّرَ بِالطَّلَبِ فَيَشْمَلُهُمَا وَعَلَى الْأَوَّلِ يَظْهَرُ مَا رَجَّحَهُ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ تَعَلُّقِ النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ بِالصَّبِيِّ كَأَمْرِهِ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ مِنْ الشَّارِعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ أَمْرٌ وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَلَيْسَتْ تَكْلِيفًا عَلَيْهِمَا وَعَدُّهَا فِي أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ إمَّا أَنَّهُ تَغْلِيبٌ أَوْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُكَلَّفِ لِمَا صُرِّحَ بِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ أَنَّ أَفْعَالَ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ كَالْبَهَائِمِ مُهْمَلَةٌ وَلَا يُقَالُ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ وَتَقْرِيبُهُ أَنَّ مَعْنَى مُبَاحَةٌ لَا إثْمَ فِي فِعْلِهَا وَلَا فِي تَرْكِهَا وَلَا يُنْفَى الشَّيْءُ إلَّا حَيْثُ يَصِحُّ ثُبُوتُهُ قَالَ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَى ظَاهِرِ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ وَالْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ مُكَلَّفٌ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَأَنَّهُمْ حَمَلُوا رَفْعَ الْقَلَمِ عَنْهُ عَلَى غَيْرِ الْإِيمَانِ مِنْ الشَّرْعِيَّاتِ وَذَلِكَ لِأَنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى نَجَاةِ الصِّبْيَانِ مُطْلَقًا وَهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَلَوْ أَوْلَادَ الْكُفَّارِ نَعَمْ إنْ أَرَادُوا مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا الْمَالِكِيَّةُ رِدَّةُ الصَّبِيِّ وَإِيمَانَهُ مُعْتَبَرَانِ بِمَعْنَى إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي تَتَسَبَّبُ عَنْهُمَا كَبُطْلَانِ ذَبْحِهِ وَنِكَاحِهِ وَصِحَّتُهُمَا رَجَعَ لِخِطَابِ الْوَضْعِ مِنْ حَيْثُ السَّبَبِ وَالْمَانِعِ وَهُوَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُكَلَّفِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُقْتَلُ قَبْلَ الْبُلُوغِ اهـ وَقَدْ قَدَّمْنَا تَبَعًا لِابْنِ الشَّاطِّ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِعَيْنِهِ مَشَقَّةٌ لِأَنَّهُ مَنَعَ الْإِنْسَانَ مِنْ الِاسْتِرْسَالِ مَعَ دَوَاعِي نَفْسِهِ وَهُوَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ سُمِّيَ تَكْلِيفًا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى الْإِبَاحَةِ وَيُوَضِّحُ هَذَا مَا قَالَهُ الشَّاطِبِيُّ فِي الْمُوَافَقَاتِ مِنْ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمُقَرَّرَةَ أَنَّ الشَّرَائِعَ إنَّمَا جِيءَ بِهَا لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ

فَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالتَّخْيِيرُ جَمِيعًا رَاجِعَةٌ إلَى حَظِّ الْمُكَلَّفِ وَمَصَالِحِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ الْحُظُوظِ مُنَزَّهٌ عَنْ الْأَغْرَاضِ غَيْرَ أَنَّ الْحَظَّ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا دَاخِلٌ تَحْتَ الطَّلَبِ فَلِلْعَبْدِ أَخْذُهُ مِنْ جِهَةِ الطَّلَبِ فَلَا يَكُونُ سَاعِيًا فِي حَظِّهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَفُوتُهُ حَظُّهُ لَكِنَّهُ أُخِذَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الطَّلَبِ لَا مِنْ حَيْثُ بَاعِثِ نَفْسِهِ وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِهِ بَرِيئًا مِنْ الْحَظِّ وَقَدْ يَأْخُذُهُ مِنْ حَيْثُ الْحَظِّ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ الطَّلَبِ فَطَلَبُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ صَارَ حَظُّهُ تَابِعًا لِلطَّلَبِ فَلَحِقَ بِمَا قَبْلَهُ فِي التَّجَرُّدِ عَنْ الْحَظِّ وَسُمِّيَ بِاسْمِهِ وَالثَّانِي غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الطَّلَبِ فَلَا يَكُونُ آخِذًا لَهُ إلَّا مِنْ جِهَةِ إرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ لِأَنَّ الطَّلَبَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ بِالْغَرَضِ فَهُوَ وَقَدْ أَخَذَهُ إذًا مِنْ جِهَةِ حَظِّهِ فَلِهَذَا يُقَالُ فِي الْمُبَاحِ إنَّهُ الْعَمَلُ الْمَأْذُونُ فِيهِ الْمَقْصُودُ بِهِ مُجَرَّدُ الْحَظِّ الدُّنْيَوِيِّ خَاصَّةً اهـ أَيْ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتِمَّ فِيهِ الْحَظُّ الْمَذْكُورُ بِوَاسِطَةِ الْحَجْرِ عَنْ الِاسْتِرْسَالِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ إلَّا بِمُقْتَضَى الْإِذْنِ لَمْ يَخْلُ عَنْ كُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>