للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قُلْت يَرِدُ عَلَى مَا ذَكَرْته سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ وَأَنَّهُ جَائِزٌ وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا مَا أَنْكَرْته وَثَانِيهِمَا أَنَّ قَوْلَهُ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْتُ ثَوْبًا وَنَوَى الْكَتَّانَ وَغَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا كَتَّانًا وَهُوَ غَافِلٌ عَنْ غَيْرِ الْكَتَّانِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ قُلْت الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ هُوَ مَا ذَكَرْته بَلْ مَعْنَاهُ أَنْ يُطْلَقَ اللَّفْظُ وَيَخْرُجَ بَعْضُ مُسَمَّيَاتِهِ عَنْ الْحُكْمِ الْمُسْتَنِدِ إلَى الْعُمُومِ أَمَّا قَصْدُ بَعْضِ الْعُمُومِ دُونَ الْبَعْضِ فَلَيْسَ ذَلِكَ اسْتِعْمَالَ الْعُمُومِ فِي الْخُصُوصِ بَلْ اسْتِعْمَالَ الْعُمُومِ فِي الْعُمُومِ وَأَكَّدَ بِالنِّيَّةِ فِي الْخُصُوصِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ حَسَنٌ قَوِيٌّ.

وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَاخْتَارَهُ إلَّا تَوَهُّمُهُ أَنَّ حُكْمَ النِّيَّاتِ كَحُكْمِ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَدْلُولَاتِ وَالْأَمْرُ لَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (فَإِنْ قُلْت يَرِدُ عَلَى مَا ذَكَرْته سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ وَأَنَّهُ جَائِزٌ وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا مَا أَنْكَرْته وَثَانِيهِمَا أَنَّ قَوْلَهُ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْتُ ثَوْبًا وَنَوَى الْكَتَّانَ وَغَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا كَتَّانًا وَهُوَ غَافِلٌ عَنْ غَيْرِ الْكَتَّانِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ) قُلْت السُّؤَالَانِ وَاقِعَانِ لَازِمَانِ قَالَ (قُلْت الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ إلَى قَوْلِهِ وَأُكِّدَ بِالنِّيَّةِ بِالْخُصُوصِ) قُلْت جَوَابُهُ مُجَرَّدُ دَعْوَى يُقَابَلُ بِمِثْلِهَا ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْعُلَمَاءِ ذَلِكَ تَجْوِيزُهُمْ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ بِالْمُنَافِي وَإِطْبَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ أَرَادَ بِلَفْظِ الْعُمُومِ الْخُصُوصَ لَا أَنَّهُ أَرَادَ الْعُمُومَ ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بِالتَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ نَسْخًا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْته بَلْ كُلُّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَعْنَى النَّسْخِ وَالتَّخْصِيصِ فَظَهَرَ صِحَّةُ قَوْلِ مُخَالِفِهِ وَبَطَلَتْ دَعْوَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ

(وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ حَسَنٌ قَوِيٌّ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْخَمْسَةِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّ الْعَفْوَ أُخْرَوِيٌّ وَأَيْضًا فَإِنْ سَلِمَ لِلْعَفْوِ ثُبُوتٌ فَفِي زَمَانِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا فِي غَيْرِهِ وَلِإِمْكَانِ تَأْوِيلِ تِلْكَ الظَّوَاهِرِ وَمَا سَيُذْكَرُ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَفْوِ فَدَاخِلَةٌ أَيْضًا تَحْتَ الْخَمْسَةِ فَإِنَّ الْعَفْوَ فِيهَا رَاجِعٌ إلَى رَفْعِ حُكْمِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ وَالْحَرَجِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي إمَّا الْجَوَازُ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ وَإِمَّا رَفْعُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ مِنْ الذَّمِّ وَتَسْبِيبِ الْعِقَابِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَعَ رَفْعِ آثَارِهِمَا لِمُعَارِضٍ فَارْتَفَعَ الْحُكْمُ بِمَرْتَبَةِ الْحُكْمِ وَأَنْ يَكُونَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْخَمْسَةِ وَفِي هَذَا الْمَجَالِ أَبْحَاثٌ أُخَرُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الْعَفْوِ فَهَلْ هُوَ حُكْمٌ أَمْ لَا احْتِمَالَاتٌ وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يَرْجِعُ إلَى خِطَابِ التَّكْلِيفِ أَمْ إلَى خِطَابِ الْوَضْعِ احْتِمَالَاتٌ جَزَمَ الْأَصْلُ بِالثَّانِي وَقَالَ الشَّاطِبِيُّ وَالنَّظَرُ فِي هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِمَّا يَنْبَنِي عَلَيْهِ حُكْمٌ عَمَلِيٌّ لَمْ يَتَأَكَّدْ الْبَيَانُ فِيهِ فَكَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ أَفَادَ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي الْمُوَافَقَاتِ وَلِمَوَاقِعِ الْعَفْوِ عَلَى ثُبُوتِهِ إعْمَالًا لِأَدِلَّتِهِ ضَابِطَانِ

الضَّابِطُ الْأَوَّلُ لِلْأَصْلِ أَنَّهُ التَّقَادِيرُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي هِيَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ كَتَقْدِيرِ النَّجَاسَةِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فِي صُوَرِ الضَّرُورَاتِ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَمَوْضِعِ الْحَدَثِ فِي الْمَخْرَجَيْنِ أَوْ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ كَتَقْدِيرِ الْكُفْرِ الْمَعْدُومِ عِنْدَ قَتْلِ الْمُسْلِمِ لِظَنِّهِ كَافِرًا فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَالضَّابِطُ الثَّانِي لِلشَّاطِبِيِّ فِي الْمُوَافَقَاتِ أَنَّهُ يَنْحَصِرُ فِي ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا الْوُقُوفُ مَعَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ قَصْدَ نَحْوِهِ وَقَدْ قَوِيَ مُعَارِضُهُ كَالْعَمَلِ بِالْعَزِيمَةِ الرَّاجِعَةِ إلَى أَصْلِ التَّكْلِيفِ وَإِنْ تَوَجَّهَ حُكْمُ الرُّخْصَةِ الْمُسْتَمَدَّةِ مِنْ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْحَرَجِ وَبِالْعَكْسِ فَالرُّجُوعُ إلَى حُكْمِ الرُّخْصَةِ وُقُوفٌ مَعَ مَا مِثْلُهُ مُعْتَمَدٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ أَصْلُ رَفْعِ الْحَرَجِ وَارِدًا عَلَى أَصْلِ التَّكْلِيفِ وَوَرَدَ الْمُكَمِّلُ تَرَجَّحَ جَانِبُ أَصْلِ الْعَزِيمَةِ بِوَجْهٍ مَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَخْرِمُ أَصْلَ الرُّجُوعِ لِأَنَّ بِذَلِكَ الْمُكَمِّلِ قِيَامَ أَصْلِ التَّكْلِيفِ وَقَدْ اُعْتُبِرَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ هَذَا فَفِيهِ أَنَّ مَنْ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرْدٍ فَظَنَّ أَنَّ الْفِطْرَ مُبَاحٌ بِهِ فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَمَنْ أَفْطَرَ فِيهِ بِتَأْوِيلٍ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ غَيْرَ عِلْمِيٍّ بَلْ هَذَا جَارٍ فِي كُلِّ مُتَأَوَّلٍ كَشَارِبِ الْمُسْكِرِ يَظُنُّهُ غَيْرَ مُسْكِرٍ وَقَاتِلِ الْمُسْلِمِ يَظُنُّهُ كَافِرًا وَآكِلِ الْمَالِ الْحَرَامِ عَلَيْهِ يَظُنُّهُ حَلَالًا لَهُ وَالْمُتَطَهِّرِ بِمَاءٍ نَجِسٍ يَظُنُّهُ طَاهِرًا وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ الْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ فِي اجْتِهَادِهِ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ «ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فَسَمِعَهُ يَقُولُ اجْلِسُوا فَجَلَسَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَرَآهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ تَعَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَسَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَهُوَ بِطَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ اجْلِسُوا فَجَلَسَ فِي الطَّرِيقِ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَا شَأْنُك فَقَالَ سَمِعْتُك تَقُولُ اجْلِسُوا فَجَلَسْت فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَادَك اللَّهُ طَاعَةً» وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُصَلِّي أَحَدٌ الْعَصْرَ إلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَدْرَكَهُمْ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ نُصَلِّي وَلَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدَةً مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ» وَيَدْخُلُ هَهُنَا كُلُّ قَضَاءٍ قَضَى بِهِ الْقَاضِي مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ خَطَؤُهُ مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ أَخْطَأَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا أَوْ بَعْضُ الْقَوَاطِعِ وَكَذَلِكَ التَّرْجِيحُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ فَإِنَّهُ وُقُوفٌ مَعَ أَحَدِهِمَا وَإِهْمَالٌ لِلْآخَرِ فَإِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>