للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَاطِلٌ بِسَبَبِ قَاعِدَةٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَهِيَ أَنَّ الْعَرَبَ إذَا أَلْحَقَتْ بِلَفْظٍ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ لَفْظًا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ صَارَ اللَّفْظُ الْمُسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ نَحْوَ عِنْدِي عَشَرَةٌ إلَّا اثْنَيْنِ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَفْظٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ.

فَإِذَا اتَّصَلَ بِلَفْظِ الْعَشَرَةِ الْمُسْتَقِلِّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَلَا نُقَرِّرُ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ وَنُلْزِمُهُ الْعَشَرَةَ وَيُعَدُّ نَادِمًا بِقَوْلِهِ إلَّا اثْنَيْنِ بَلْ نَقُولُ الْأَوَّلُ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمٌ أَلْبَتَّةَ إلَّا مَعَ الثَّانِي وَالْكَلَامُ بِآخِرِهِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَسْكُتَ فَيُتِمَّ الْأَوَّلَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْدَهُ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَيَتَعَيَّنَ ضَمُّهُ إلَيْهِ أَمَّا لَوْ جَاءَ بِكَلَامٍ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ وَرَدَدْتهَا إلَيْهِ أَلْزَمْنَاهُ الْعَشَرَةَ لِأَنَّ اللَّفْظَ الثَّانِيَ لَوْ نَطَقَ بِهِ وَحْدَهُ اسْتَقَلَّ بِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ضَمِّهِ إلَى الْأَوَّلِ وَإِذَا كُنَّا نُبْطِلُ اللَّفْظَ الْمُسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ بِسَبَبٍ إنْ اتَّصَلَ بِهِ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فِي الْأَقَارِيرِ الَّتِي هِيَ أَضْيَقُ مِنْ غَيْرِهَا فَأَوْلَى فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُهُ لَا لَبِسْت ثَوْبًا مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَحِقَهُ قَوْلُهُ كَتَّانًا وَهُوَ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ فَبَطَلَ عُمُومُهُ وَصَارَ الْكَلَامُ بِآخِرِهِ وَلَمْ يَتَقَرَّرْ مِنْ الْأَوَّلِ حُكْمٌ فَلَمْ يَنْطِقْ إلَّا بِالْكَتَّانِ فِي حَلِفِهِ وَبَقِيَ غَيْرُ الْكَتَّانِ غَيْرَ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ فَلَا نُحَنِّثُهُ بِهِ وَأَمَّا النِّيَّةُ فَلَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ وَلَا تَشْمَلُهَا هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَلَا تَتَوَقَّفُ الْأَلْفَاظُ الصَّرِيحَةُ عَلَيْهَا وَإِذَا لَحِقَتْ لَمْ تُعَكِّرْ عَلَى عُمُومٍ بِالتَّخْصِيصِ إلَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ أَفْرَادِهِ إمَّا بِتَقْرِيرِ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ فَلَا لِأَنَّهَا مُؤَكِّدَةٌ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

بَاطِلٌ بِسَبَبِ قَاعِدَةٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَهِيَ أَنَّ الْعَرَبَ إذَا أَلْحَقَتْ بِلَفْظٍ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ لَفْظًا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ صَارَ اللَّفْظُ الْمُسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ وَبَقِيَ غَيْرُ الْكَتَّانِ غَيْرَ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ) قُلْت مَا قَالَهُ مُسَلَّمٌ قَالَ (وَأَمَّا النِّيَّةُ فَلَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ وَلَا تَشْمَلُهَا هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَلَا تَتَوَقَّفُ الْأَلْفَاظُ الصَّرِيحَةُ عَلَيْهَا إلَى قَوْلِهِ أَمَّا بِتَقْرِيرِ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ فَلَا لِأَنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا دَعْوَى وَهِيَ عَيْنُ رَأْيِهِ وَلَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ بِحُجَّةٍ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فُرِضَ مُهْمِلًا لِلرَّاجِحِ فَذَلِكَ لِأَجْلِ وُقُوفِهِ مَعَ الْمَرْجُوحِ وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ دَلِيلٌ يُعْتَمَدُ مِثْلُهُ وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ بِدَلِيلٍ مَنْسُوخٍ أَوْ غَيْرِ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ وُقُوفٌ مَعَ ظَاهِرِ دَلِيلٍ يُعْتَمَدُ مِثْلُهُ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْعَفْوِ وُقُوفُهُ مَعَ مُقْتَضَى دَلِيلٍ غَيْرِ مُعَارِضٍ لِأَنَّهُ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ أَوْ تَخْيِيرٌ عُمِلَ عَلَى وَفْقِهِ فَلَا عَتَبَ يُتَوَهَّمُ فِيهِ وَمُؤَاخَذَةٌ تَلْزَمُهُ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ فَلَا مَوْقِعَ لِلْعَفْوِ فِيهِ وَلَا وُقُوفِهِ مَعَ مَا لَمْ يَقْوَ مُعَارِضُهُ لِأَنَّهُ مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي

النَّوْعُ الثَّانِي خُرُوجُهُ عَنْ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَوْ عَنْ قَصْدٍ لَكِنْ بِالتَّأْوِيلِ فَمِثَالُ مُخَالَفَتِهِ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ عَمَلًا عَلَى اعْتِقَادِ إبَاحَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ دَلِيلُ تَحْرِيمِهِ أَوْ كَرَاهِيَتِهِ أَوْ يَتْرُكَهُ مُعْتَقِدًا إبَاحَتَهُ إذَا لَمْ يَبْلُغْهُ دَلِيلُ وُجُوبِهِ أَوْ نَدْبِهِ كَقَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْخَمْرَ مُحَرَّمَةٌ فَيَشْرَبُهَا أَوْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَاجِبٌ فَيَتْرُكُهُ وَكَمَا اُتُّفِقَ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ حِينَ لَمْ تَعْلَمْ الْأَنْصَارِ طَلَبَ الْغُسْلِ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ يَتَبَيَّنُ لِلْمُجْتَهِدِينَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى تَخْلِيلَ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَيَرَاهُ مِنْ التَّعَمُّقِ حَتَّى بَلَغَهُ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُخَلِّلُ» فَرَجَعَ إلَى الْقَوْلِ بِهِ وَكَمَا اُتُّفِقَ لِأَبِي يُوسُفَ مَعَ مَالِكٍ فِي الْمُدِّ وَالصَّاعِ حَتَّى رَجَعَ إلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ الْعَمَلُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ خَطَأً أَوْ نِسْيَانًا أَوْ إكْرَاهًا فَفِي الْحَدِيثِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنَّ مَعْنَاهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعَفْوُ عَنْ عَثَرَاتِ ذَوِي الْهَيْئَاتِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ إقَالَتُهُمْ فِي الزَّلَّاتِ وَأَنْ لَا يُعَامَلُوا بِسَبَبِهَا مُعَامَلَةَ غَيْرِهِمْ فَفِي الْحَدِيثِ «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ»

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «تَجَافَوْا عَنْ عُقُوبَةِ ذَوِي الْمُرُوءَةِ وَالصَّلَاحِ» وَرُوِيَ الْعَمَلُ بِذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرُو بْنِ حَزْمٍ فَإِنَّهُ قَضَى بِهِ فِي رَجُلٍ مِنْ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ شَبَحَ رَجُلًا وَضَرَبَهُ فَأَرْسَلَهُ وَقَالَ أَنْتَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَفِي خَبَرٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ اسْتَأْذَى عَلَيَّ مَوْلًى لِي جَرَحْته يُقَالُ لَهُ سَلَامٌ الْبَرْبَرِيُّ إلَى ابْنِ حَزْمٍ فَأَتَانِي فَقَالَ جَرَحْته قُلْت نَعَمْ قَالَ سَمِعْت خَالَتِي عَمْرَةَ تَقُولُ قَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ» فَخَلَّى سَبِيلَهُ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَهَذَا أَيْضًا مِنْ شُئُونِ رَبِّ الْعِزَّةِ سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ قَالَ {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم: ٣١] {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ} [النجم: ٣٢] الْآيَةَ لَكِنَّهَا أَحْكَامٌ أُخْرَوِيَّةٌ وَكَلَامُنَا فِي الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَيَقْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى دَرْءُ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ فَإِنَّ الدَّلِيلَ يَقُومُ هُنَالِكَ مُفِيدًا لِلظَّنِّ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِذَا عَارَضَهُ شُبْهَةٌ وَإِنْ ضَعُفَتْ غَلَبَ حُكْمُهَا وَدَخَلَ صَاحِبُهَا فِي حُكْمِ الْعَفْوِ وَقَدْ يُعَدُّ هَذَا الْمَجَالُ مِمَّا خُولِفَ فِيهِ الدَّلِيلُ بِالتَّأْوِيلِ وَهُوَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا وَمِثَالُ مُخَالَفَتِهِ بِالتَّأْوِيلِ مَعَ الْمَعْرِفَةِ بِالدَّلِيلِ مَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: ٩٣] الْآيَةَ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ حِينَ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إنْ كُنْتُ شَرِبْتهَا فَلَيْسَ لَك أَنْ تَجْلِدَنِي قَالَ عُمَرُ وَلِمَ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: ٩٣] الْآيَةَ. فَقَالَ عُمَرُ إنَّك أَخْطَأْت التَّأْوِيلَ يَا قُدَامَةُ إذَا اتَّقَيْت اجْتَنَبْت مَا حَرَّمَ اللَّهُ قَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ تُكَفِّرُ مَا كَانَ مِنْ شُرْبِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ اتَّقَى وَآمَنَ وَعَمِلَ الصَّالِحَاتِ وَأَخْطَأَ

<<  <  ج: ص:  >  >>