للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْوَكَالَةُ بِعِوَضٍ فَهِيَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ فَمَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ فَلَهُ بَيْعُ مَا مَلَكَ وَيُمَكِّنُ مِنْهُ غَيْرَهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُوَكَّلُ عَلَيْهِ لَا يَقْبَلُ الْبَدَلَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)

الْقِرَاضُ يَقْتَضِي عَقْدُهُ أَنَّ رَبَّ الْعَمَلِ مَلَكَ مِنْ الْعَامِلِ الِانْتِفَاعَ لَا الْمَنْفَعَةَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعَاوِضَ عَلَى مَا مَلَكَهُ مِنْ الْعَامِلِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يُؤَاجِرَهُ مِمَّنْ أَرَادَ بَلْ يَقْتَصِرَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِنَفْسِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ عَقْدُ الْقِرَاضِ وَكَذَلِكَ الْمُسَاقَاةُ وَالْمُغَارَسَةُ وَأَمَّا مَا مَلَكَهُ الْعَامِلُ فِي الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ فَهُوَ مِلْكُ عَيْنٍ لَا مِلْكُ مَنْفَعَةٍ وَلَا انْتِفَاعٍ وَتِلْكَ الْعَيْنُ هِيَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَةٍ أَوْ يَحْصُلُ مِنْ رِبْحٍ فِي الْقِرَاضِ فَيَمْلِكُ نَصِيبَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ)

إذَا وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَوْ عَلَى السُّكْنَى وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَاقِفَ إنَّمَا مَلَّكَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعَ بِالسُّكْنَى دُونَ الْمَنْفَعَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ غَيْرَهُ وَلَا يُسَكِّنَهُ وَكَذَلِكَ إذَا صَدَرَتْ صِيغَةٌ تَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الِانْتِفَاعِ أَوْ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ وَشَكَكْنَا فِي تَنَاوُلِهَا لِلْمَنْفَعَةِ قَصَرْنَا الْوَقْفَ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ وَهِيَ تَمْلِيكُ الِانْتِفَاعِ دُونَ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ فَإِنْ قَالَ فِي لَفْظِ الْوَقْفِ يُنْتَفَعُ بِالْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ يَحْصُلُ مِنْ الْقَرَائِنِ مَا يَقُومُ مَقَامَ هَذَا التَّصْرِيحِ مِنْ الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ أَوْ الْحَالِيَةِ فَإِنَّا نَقْضِي بِمُقْتَضَى تِلْكَ الْقَرَائِنِ وَمَتَى حَصَلَ الشَّكُّ وَجَبَ الْقَصْرُ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْأَمْلَاكِ عَلَى مِلْكِ أَرْبَابِهَا وَالنَّقْلُ وَالِانْتِقَالُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَمَتَى شَكَكْنَا فِي رُتَبِ الِانْتِقَالِ حَمَلْنَا عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي الْمِلْكِ السَّابِقِ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ فِي الْمَذْهَبِ فَرْعٌ مُرَتَّبٌ حَيْثُ قُلْنَا إنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الِانْتِفَاعَ دُونَ الْمَنْفَعَةِ فَقَدْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ تَسْوِيغُ الِانْتِفَاعِ لِغَيْرِ الْمَالِكِ فِي الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ كَأَهْلِ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ إنْزَالُ الضَّيْفِ الْمُدَّةَ الْيَسِيرَةَ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِذَلِكَ فَدَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ يَسْمَحُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمُدَّةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ وَخَصَّهَا بِذَاتِ الْحَوَافِرِ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ بِالْفَرَسِ وَأَهْلِ مِصْرَ بِالْحِمَارِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِشَخْصِ النَّاقِلِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ وَهَلْ اتِّفَاقُ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ لِلَّفْظِ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ مَعْنَاهُ أَوْ فِي مَعْنًى مُنَاسِبٍ لِلْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ حَتَّى يَصِيرُ الْأَصْلُ مَهْجُورًا هُوَ نَفْسُ النَّقْلِ نَظَرًا إلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُحَقَّقُ فِي مُسَمَّى الْمَنْقُولِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى وُجُودِ نَقْلٍ مَقْصُودٍ أَوْ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ نَظَرًا إلَى أَصْلِ دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ خِلَافٌ.

ثُمَّ النَّقْلُ قِيلَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ وَقِيلَ لَا كَمَا فِي ابْنِ يَعْقُوبَ عَلَى التَّلْخِيصِ بِزِيَادَةٍ مِنْ الدُّسُوقِيِّ والأنبابي وَهَذَا الْقِسْمُ الرَّابِعُ هُوَ مُرَادُ الْأَصْلِ بِالْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ وَيَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ الْأَوَّلُ مَا يَكُونُ فِي الْمُفْرَدَاتِ نَحْوَ الدَّابَّةِ فِي ذَاتِ الْحَوَافِرِ أَوْ فِي الْفَرَسِ أَوْ الْحِمَارِ كَمَا مَرَّ وَنَحْوَ قَتْلِ زَيْدٍ عَمْرًا فَإِنَّ قَتَلَ فِي اللُّغَةِ لِإِذْهَابِ الرُّوحِ وَفِي عُرْفِ مِصْرَ وَالْحِجَازِ لِلضَّرْبِ الشَّدِيدِ خَاصَّةً

وَالثَّانِي مَا يَكُونُ فِي الْمُرَكَّبَاتِ وَهُوَ أَدَقُّهَا عَلَى الْفَهْمِ وَأَبْعَدُهَا عَنْ التَّفَطُّنِ وَضَابِطُهَا أَنْ يَكُونَ شَأْنُ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ تَرْكِيبَ لَفْظٍ مَعَ لَفْظٍ ثُمَّ يَشْتَهِرُ فِي الْعُرْفِ تَرْكِيبُهُ مَعَ غَيْرِهِ وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] وقَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: ٣] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا وَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» وَهَكَذَا جَمِيعُ مَا يَرِدُ فِي الْعُرْفِ مِنْ الْأَحْكَامِ مُرَكَّبًا مِنْ الذَّوَاتِ فَإِنَّهُ وَضَعَهُ الْعُرْفُ لِلتَّعْبِيرِ عَنْ حُكْمِ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا تَحْسُنُ فِي اللُّغَةِ إضَافَةُ الْأَحْكَامِ إلَّا لَهَا دُونَ الذَّوَاتِ كَالْأَكْلِ لِلْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْأَمْوَالِ وَالشُّرْبِ لِلْخَمْرِ وَالِاسْتِمْتَاعِ لِلْأُمَّهَاتِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُنَّ وَالسَّفْكِ لِلدِّمَاءِ وَالثَّلْبِ لِلْأَعْرَاضِ وَمِنْهَا الرَّأْسُ مَعَ لَفْظِ الْأَكْلِ كَيْفَمَا كَانَ نَحْوَ أَكَلْت رَأْسًا خَصَّهُ الْعُرْفُ بِرُءُوسِ الْأَنْعَامِ بِخِلَافِهِ مَعَ رَأَيْت وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ نَحْوَ رَأَيْت رَأْسًا فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ جَمِيعَ الرُّءُوسِ وَمِنْهَا وَضْعُ الْعُرْفِ عَصْرَ الْخَمْرِ فِي قَوْلِهِمْ فُلَانٌ يَعْصِرُ الْخَمْرَ لِعَصْرِ الْعِنَبِ فَلَا يُقَدِّرُونَ مُضَافًا وَمُقْتَضَى اللُّغَةِ أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا الْكَلَامُ إلَّا بِمُضَافٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فُلَانٌ يَعْصِرُ عِنَبَ الْخَمْرِ أَوْ يُجْعَلُ الْخَمْرُ مَجَازًا فِي الْعِنَبِ مُرْسَلًا لِعَلَاقَةِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا بُيِّنَ فِي مَحَلِّهِ.

وَمِنْهَا وَضْعُ الْعُرْفِ نَحْوَ الْقَتِيلِ مَعَ قَتَلَ فِي قَوْلِهِمْ قَتَلَ فُلَانٌ قَتِيلًا لِقَتْلِ الْحَيِّ وَنَحْوَ الدَّقِيقِ مَعَ طَحَنَ فِي قَوْلِهِمْ طَحَنَ فُلَانٌ دَقِيقًا لِطَحْنِ الْقَمْحِ فَلَا يُقَدِّرُونَ مُضَافًا وَمُقْتَضَى اللُّغَةِ أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا الْكَلَامُ إلَّا بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ قُتِلَ جَسَدُ قَتِيلٍ أَوْ طُحِنَ قَمْحُ دَقِيقٍ أَوْ بِجَعْلِ فَعِيلًا مَجَازًا مُرْسَلًا لِعَلَاقَةِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا بُيِّنَ فِي مَحَلِّهِ وَأَمَّا الْعُرْفُ الْفِعْلِيُّ فَمَعْنَاهُ أَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ فِي اللُّغَةِ لِمَعْنًى ذِي أَنْوَاعٍ وَيَكْثُرُ اسْتِعْمَالُ أَهْلِ الْعُرْفِ لِبَعْضِ أَنْوَاعِهِ فَقَطْ كَالثَّوْبِ يَصْدُقُ لُغَةً عَلَى ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالْحَرِيرِ وَالْوَبَرِ وَالشَّعْرِ وَأَهْلُ الْعُرْفِ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ مِنْ أَنْوَاعِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي لُبْسِهِمْ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ دُونَ الْأَخِيرَيْنِ وَكَالْخُبْزِ يَصْدُقُ لُغَةً عَلَى خُبْزِ الْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَالْبُرِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَهْلُ الْعُرْفِ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ فِي أَغْذِيَتِهِمْ خُبْزَ الْبُرِّ دُونَ مَا عَدَاهُ وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ يُقْضَى بِهِ فِي تَخْصِيصِ الْأَلْفَاظِ بِبَعْضِ مَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ لُغَةً وَبِغَيْرِ مَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ لُغَةً وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ لَا يُقْضَى بِهِ فِي تَخْصِيصِ الْأَلْفَاظِ بِبَعْضِ مَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ لُغَةً هُوَ أَنَّ الْعُرْفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>