للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَثِيرَةِ لَا تَجُوزُ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْكُنَ بَيْتًا مِنْ الْمَدْرَسَةِ دَائِمًا وَلَا مُدَّةً طَوِيلَةً فَإِنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ فِي ذَلِكَ بِتَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ لَا بِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ عَمَدَ أَحَدٌ لِإِيجَارِ بَيْتِ الْمُدَرِّسَةِ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ لَوْ جَعَلَ بَيْتًا فِي الْمَدْرَسَةِ لِخَزْنِ الْقَمْحِ أَوْ غَيْرِهِ دَائِمًا أَوْ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ امْتَنَعَ أَيْضًا لِأَنَّ الْعَادَةَ شَهِدَتْ وَأَلْفَاظُ الْوَاقِفِينَ عَلَى أَنَّ الْبُيُوتَ وَقْفٌ عَلَى السُّكْنَى فَقَطْ فَإِنْ وُضِعَ فِيهَا مَا يُخْزَنُ الزَّمَانَ الْيَسِيرَ جَازَ كَإِنْزَالِ الضَّيْفِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا يُوقَفُ مِنْ الصَّهَارِيجِ لِلْمَاءِ وَالشُّرْبِ فِي الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِكِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ لِلنَّاسِ وَلَا صَرْفُهُ لِنَفْسِهِ فِي وُجُوهٍ غَرِيبَةٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهَا كَالصَّبْغِ وَبَيَاضِ الْكَتَّانِ بِأَنْ يَكُونَ صَبَّاغًا مُبَيِّضًا لِلْكَتَّانِ فَيَصْرِفُ ذَلِكَ الْمَاءَ فِي الصَّبْغِ وَالْبَيَاضِ دَائِمًا فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْعَادَةَ وَأَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ شَهِدَتْ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ لِلشُّرْبِ فَقَطْ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الصَّبْغُ الْيَسِيرُ وَالْبَيَاضُ الْيَسِيرُ وَنَحْوُهُ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إطْعَامُ الضَّيْفِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَلَا يُمَلِّكُهُ غَيْرَهُ بَلْ يَأْكُلُهُ هُوَ خَاصَّةً عَلَى جَرْيِ الْعَادَةِ وَلَهُ إطْعَامُ الْهِرِّ اللُّقْمَةَ وَاللُّقْمَتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا لِشَهَادَةِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْحُصْرُ الْمَوْضُوعَةُ فِي الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَالْبُسُطُ الْمَفْرُوشَةُ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ لَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّخِذَهَا غِطَاءً بَلْ لَا تُسْتَعْمَلُ الْأَوْطَاءُ فَقَطْ لِأَنَّ الْعَادَةَ وَأَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ شَهِدَتْ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ لِلِاسْتِصْبَاحِ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي طَعَامِ الضَّيْفِ فَهَذِهِ الْأَعْيَانُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ بَابِ الْمَنَافِعِ بَلْ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ وَلَكِنَّ التَّمْلِيكَ فِيهَا مَقْصُورٌ عَلَى جِهَةٍ خَاصَّةٍ بِشَهَادَةِ الْعَوَائِدِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ أَمْلَاكِ الْوَاقِفِينَ عَلَى الْمَوْقُوفِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ إلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى انْتِقَالِهِ عَنْ أَمْلَاكِهِمْ وَقِسْ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا يَقَعُ لَك مِنْهَا وَاحْمِلْ مَسَائِلَ تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ عَلَى بَابِهَا وَمَسَائِلَ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى بَابِهَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْقَوْلِيَّ لَمَّا كَانَ عِبَارَةً عَنْ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ أَهْلِ الْعُرْفِ الْعَامِّ لِلَّفْظِ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ أَوْ فِي مَعْنًى مُنَاسِبٍ لِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ حَتَّى يَصِيرَ الْأَصْلُ مَهْجُورًا كَمَا عَرَفْت كَانَ نَاسِخًا لِلُّغَةِ وَالنَّاسِخُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَنْسُوخِ وَأَنَّ الْعُرْفَ الْفِعْلِيَّ لَمَّا كَانَ عِبَارَةً عَنْ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ أَهْلِ الْعُرْفِ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ مُسَمَّى اللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ فِي عَوَائِدِهِمْ دُونَ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِهِ مَعَ بَقَاءِ ذَلِكَ اللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ مُسْتَعْمَلًا فِي مُسَمَّاهُ اللُّغَوِيِّ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لَهُ بِنَقْلٍ مِنْهُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ نَاسِخًا لِلُّغَةِ حَتَّى يُقَدَّمَ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ نَاسِخًا عَلَى الْمَنْسُوخِ وَبِالْجُمْلَةِ فَغَلَبَةُ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْمُسَمَّى فِي غَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ نَاسِخًا يُخِلُّ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ فَيُؤَثِّرُ فِيهِ تَخْصِيصًا وَتَقْيِيدًا وَإِبْطَالًا وَتَرْكُ مُبَاشَرَةِ الْمُسَمَّيَاتِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِنَاسِخٍ لَا يُخِلُّ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ تَخْصِيصًا وَلَا تَقْيِيدًا وَلَا إبْطَالًا فَلِذَا حَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْإِجْمَاعَ فِي أَنَّ الْعُرْفَ الْفِعْلِيَّ لَا يُؤَثِّرُ بِخِلَافِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ وَقَدْ حَاوَلَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ نَقَلَ خِلَافًا فِي ذَلِكَ وَنَقَلَ مَثَلًا عَنْهُ. اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ خِلَافًا فِي اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ نَاسِخًا لِلُّغَةِ حَتَّى يُنَافِيَ الْإِجْمَاعَ بَلْ هُوَ خِلَافٌ لَفْظِيٌّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْمَسَائِلِ مِنْ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ التَّخْصِيصُ وَالتَّقْيِيدُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ بِسَاطِ الْحَالِ وَالْأَيْمَانُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِالنِّيَّةِ ثُمَّ بِبِسَاطِ الْحَالِ ثُمَّ بِالْعُرْفِ ثُمَّ بِاللُّغَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ بِأَنْصَافِ هَذَا وَمُقْتَضَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ أَمْرَانِ

الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ نَحْوَ الدَّابَّةِ فِي ذَاتِ الْحَوَافِرِ أَوْ الْفَرَسِ أَوْ الْحِمَارِ مَجَازًا لُغَةً وَحَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَالثَّانِي تَقْدِيمُ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ عَلَى اللُّغَوِيِّ لِكَوْنِهِ نَاسِخًا لَهُ وَيُنَافِي الْأَوَّلَ قَوْلُ ابْنِ كَمَالِ بَاشَا فِي حَاشِيَةِ التَّلْوِيحِ إنَّ زَيْدًا إذَا اُعْتُبِرَ لَا بِخُصُوصِهِ لَا يَصِحُّ عَنْهُ سَلْبُ الْإِنْسَانِ لَا لُغَةً وَلَا بِحَسْبِ نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا يَكُونُ مَجَازًا بِلَا اشْتِبَاهٍ.

وَإِذَا اُعْتُبِرَ بِخُصُوصِهِ يَصِحُّ سَلْبُ الْإِنْسَانِ عَنْهُ لُغَةً وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ سَلْبُهُ عَنْهُ بِحَسْبِ نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَجَازًا أَيْضًا لِأَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ صِحَّةَ السَّلْبِ لَا بِحَسْبِ اللُّغَةِ فَقَطْ بَلْ بِحَسْبِ نَفْسِ الْأَمْرِ أَيْضًا عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ فَمُوجِبُ هَذَا التَّحْقِيقِ أَنْ لَا يَكُونَ ذِكْرُ الْعَامِّ وَإِرَادَةُ الْخَاصِّ مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْحَقِيقَةِ مُطْلَقًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ وَمَنْ وَافَقَهُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِمْ فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ الْكَلِمَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِيمَا وُضِعَتْ لَهُ لَامُ التَّعْلِيلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ اسْمَ الْكُلِّيِّ إنَّمَا وُضِعَ لِأَجْلِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْجُزْئِيِّ وَعَلَّلَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْمَجَازَ هُوَ الْكَلِمَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ أَوَّلًا وَالْجُزْئِيُّ لَيْسَ غَيْرَ الْكُلِّيِّ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ عَيْنَهُ نَعَمْ هَذَا التَّحْقِيقُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الْعَامَّ فِي الْخَاصِّ حَقِيقَةً إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقِ الْعَامِّ فِيهِ لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصِهِ وَمَجَازًا إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ خُصُوصِهِ لَا مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقِ الْعِلْمِ فِيهِ وَعَلَيْهِ فَيَصِحُّ كَوْنُ الدَّابَّةِ فِي ذَاتِ الْحَوَافِرِ أَوْ فِي الْفَرَسِ أَوْ فِي الْحِمَارِ مَجَازًا لُغَةً وَحَقِيقَةً عُرْفِيَّةً سِيَّمَا فِي نَحْوِ قَوْلِك رَأَيْت دَابَّةَ زَيْدٍ أَوْ رَبَطْت أَوْ عَلَفْتُ الدَّابَّةَ إذْ الرُّؤْيَةُ وَالرَّبْطُ وَالْعَلْفُ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْفَرْدِ الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ لَا بِالْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِذَلِكَ.

وَهَذَا هُوَ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا عُمُومُهُ بَدَلِيٌّ أَمَّا مَا عُمُومُهُ شُمُولِيٌّ كَالْقَوْمِ وَالنَّاسِ فَإِنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ نَحْوَ {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: ١٧٣] أُرِيدَ بِالنَّاسِ الْأُوَلِ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>