(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيَّةِ وَبَيْنَهُمَا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالنَّفْيِ) اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ أَطْلَقُوا فِي كُتُبِهِمْ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَحَكَوْا فِيهِ الْخِلَافَ مُطْلَقًا وَجَعَلُوا أَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ يُفْضِي إلَى الْعَمَلِ بِالدَّلِيلَيْنِ دَلِيلِ الْإِطْلَاقِ وَدَلِيلِ التَّقْيِيدِ وَأَنَّ عَدَمَ الْحَمْلِ يُفْضِي إلَى إلْغَاءِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى التَّقْيِيدِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالُوا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ هُمَا قَاعِدَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ إذَا قَالَ اعْتِقُوا رَقَبَةً ثُمَّ قَالَ فِي مَوْطِنٍ آخَرَ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ فَمَدْلُولُ قَوْلِهِ رَقَبَةٌ كُلِّيٌّ وَحَقِيقَةٌ مُشْتَرَكٌ فِيهَا بَيْنَ جَمِيعِ الرِّقَابِ وَتَصْدُقُ بِأَيِّ فَرْدٍ وَقَعَ مِنْهَا فَمَنْ أَعْتَقَ سَعِيدًا فَقَدْ أَعْتَقَ رَقَبَةً وَوَفَّى مُقْتَضَى هَذَا اللَّفْظِ فَإِذَا أَعْتَقْنَا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً فَقَدْ وَفَّيْنَا بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مَفْهُومُ الرَّقَبَةِ وَبِمُقْتَضَى التَّقْيِيدِ وَهُوَ وَصْفُ الْأَيْمَانِ فَكُنَّا جَامِعِينَ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَهَذَا كَلَامٌ حَقٌّ أَمَّا إذَا وَرَدَ أَمْرُ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيَّةِ وَبَيْنَهُمَا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالنَّفْيِ إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا كَلَامُ حَقٌّ) قُلْت فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ فَمَدْلُولُ قَوْلِهِ (رَقَبَةً) كُلِّيٌّ وَحَقِيقَةٌ مُشْتَرَكٌ فِيهِمَا بَيْنَ جَمِيعِ الرِّقَابِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ مَدْلُولُ لَفْظِ رَقَبَةً مُطْلَقٌ لَا كُلِّيٌّ وَالْمُطْلَقُ إنَّمَا هُوَ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ مِمَّا فِيهِ الْحَقِيقَةِ وَالْكُلِّيُّ هُوَ الْحَقِيقَةُ الْوَاقِعُ فِيهَا الِاشْتِرَاكُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِإِثْبَاتِ الْحَقَائِقِ الْمُشْتَرَكِ فِيهَا وَقَوْلُهُ وَيُصَدَّقُ بِأَيِّ فَرْدٍ مِنْهَا صَحِيحٌ لَكِنْ لَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ وَلَكِنْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ الْأَمْرُ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِذَا أَوْقَع وَاحِدًا أَيْ وَاحِدٌ كَانَ مِمَّا فِيهِ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ أَجْزَأَ وَالْوُجُودُ اقْتَضَى التَّعْيِينَ لَا الْوُجُوبَ قَالَ (أَمَّا إذَا وَرَدَ، أَمَرَ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَبِالثَّانِي أَبُو يُوسُفَ وَأَصْحَابُهُ فَهُوَ مَجَازٌ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ عُمُومَهُ الْمَوْضُوعَ لَهُ لَمْ يَرِدْ تَنَاوُلًا وَلَا حُكْمًا وَإِنْ كَانَ مَخْصُوصًا كَقَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا فَاَلَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ تَبَعًا لِوَالِدِهِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ نَظَرًا لِإِرَادَةِ عُمُومِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ تَنَاوُلًا.
وَإِنْ لَمْ يَرِدْ حُكْمًا وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي بَعْضِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا كَمَا بُسِطَ ذَلِكَ فِي الْأُصُولِ وَعَلَيْهِ فَيَتَّحِدُ الْعَامُّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ وَيُنَافِي الثَّانِيَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ مَا لَا حَدَّ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ إذْ قَضِيَّتُهُ تَأَخُّرُ الْعُرْفِ عَنْ اللُّغَةِ نَعَمْ قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ مُرَادُ الْأُصُولِيِّينَ مَا إذَا تَعَارَضَ مَعْنَى اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ مَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ حَدُّهُ فِي اللُّغَةِ وَلِهَذَا قَالُوا كُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فِي اللُّغَةِ وَلَمْ يَقُولُوا مَعْنًى اهـ فَافْهَمْ أَفَادَ جَمِيعَ هَذَا الْعَطَّارُ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِتَصَرُّفٍ وَزِيَادٍ مِنْ الدُّسُوقِيِّ والأنبابي عَلَى مُخْتَصَرِ الْمَعَانِي
(وَصْلٌ) فِي تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ.
(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا فَرَضْنَا مَلِكًا أَعْجَمِيًّا يَتَكَلَّمُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَيَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِهَا لِثِقَلِهَا عَلَيْهِ فَلَا يَنْطِقُ بِلَفْظِ الْخُبْزِ وَالثَّوْبِ إلَّا عَلَى النُّدْرَةِ وَقَدْ جَرَتْ عَادَتُهُ فِي غِذَائِهِ وَلُبْسِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا خُبْزَ الشَّعِيرِ وَلَا يَلْبَسَ إلَّا ثِيَابَ الْقُطْنِ فَحَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَلَا يَأْكُلُ خُبْزًا كَانَ اقْتِصَارُهُ عَلَى أَكْلِ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَلُبْسِ ثِيَابِ الْقُطْنِ مُقَيِّدًا لِمُطْلَقِ لَفْظِهِ فَلَا نُحَنِّثُهُ إلَّا بِأَكْلِ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَلُبْسِ ثِيَابِ الْقُطْنِ فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ لَكِنْ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّ عُرْفَهُ الْفِعْلِيَّ نَاسِخٌ لِلُّغَةِ بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مِنْ قَبِيلِ بِسَاطِ الْحَالِ وَالْأَيْمَانُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِالنِّيَّةِ ثُمَّ بِبِسَاطِ الْحَالِ ثُمَّ بِالْعُرْفِ.
ثُمَّ بِاللُّغَةِ كَمَا مَرَّ فَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ اسْتِعْمَالَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِعَدَمِ ثِقَلِهَا عَلَيْهِ لَكَانَ طُولَ أَيَّامِهِ يَقُولُ أَكَلْت خُبْزًا وَلَبِسْت الثَّوْبَ وَأْتُونِي بِخُبْزٍ وَعَجِّلُوا بِالْخُبْزِ وَالْخُبْزُ عَلَى الْمَائِدَةِ قَلِيلٌ وَأْتُونِي بِالثَّوْبِ وَعَجِّلُوا بِالثَّوْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يُرِيدُ فِي هَذَا النُّطْقِ كُلِّهِ إلَّا ثَوْبَ الْقُطْنِ وَخُبْزَ الشَّعِيرِ الَّذِي جَرَتْ عَادَتُهُ بِهِمَا لَصَارَ لَهُ فِي لَفْظَيْ الْخُبْزِ وَالثَّوْبِ عُرْفٌ قَوْلِيٌّ نَاسِخٌ لِلُّغَةِ فَلَا نُحَنِّثُهُ بِغَيْرِ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَثِيَابِ الْقُطْنِ أَيْضًا لَكِنْ لَا مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْأُولَى بَلْ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقِ الْعُرْفِ النَّاسِخِ لِلُّغَةِ حِينَئِذٍ فَافْهَمْ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَا خِلَافَ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي أَنَّ النَّقْلَ الْعُرْفِيَّ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَةِ إذَا وُجِدَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُءُوسًا فَقَالَ الْأَوَّلُ يَحْنَثُ بِجَمِيعِ الرُّءُوسِ وَقَالَ الثَّانِي لَا يَحْنَثُ إلَّا بِرُءُوسِ الْأَنْعَامِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مُدْرَكَ أَشْهَبَ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ قَدْ نَقَلُوا هَذَا اللَّفْظَ الْمُرَكَّبَ أَعْنِي أَكَلْت رُءُوسًا لِأَكْلِ رُءُوسِ الْأَنْعَامِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهَا مِنْ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِ الرُّءُوسِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ لِذَلِكَ الْمُرَكَّبِ فِي هَذَا النَّوْعِ خَاصَّةً دُونَ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِ الرُّءُوسِ وَمُدْرَكَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ وَإِنْ سَلِمَ اسْتِعْمَالُ أَهْلِ الْعُرْفِ لِذَلِكَ الْمُرَكَّبِ فِي هَذَا النَّوْعِ خَاصَّةً إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ وَصَلَ إلَى غَايَتِهِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّقْلِ فَإِنَّ الْغَلَبَةَ قَدْ تَقْصُرُ عَنْ النَّقْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ الْأَسَدِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ اسْتِعْمَالًا مُثِيرًا وَلَمْ يَصِلْ ذَلِكَ إلَى حَدِّ النَّقْلِ فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الرَّجُلُ الشُّجَاعُ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَضَابِطُ النَّقْلِ أَنْ يَصِيرَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ هُوَ الْمُتَبَادَرُ الْأَوَّلُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ وَغَيْرُهُ هُوَ الْمُفْتَقِرُ إلَى الْقَرِينَةِ فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُودِ الْمَنَاطِ هُنَا وَعَدَمِ وُجُودِهِ.
وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute