للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» ثُمَّ وَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» فَمَنْ قَصَدَ فِي هَذَا الْمَقَامِ حَمْلَ الْمُطْلَقِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْغَنَمُ عَلَى هَذَا الْقَيْدِ الَّذِي هُوَ الْغَنَمُ السَّائِمَةُ اعْتِمَادًا مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَقَدْ فَاتَهُ الصَّوَابُ بِسَبَبِ أَنَّ الْحَمْلَ هُنَا يُوجِبُ أَنَّ الْمُقَيَّدَ خَصَّصَ الْمُطْلَقَ وَأَخْرَجَ مِنْهُ جَمِيعَ الْأَغْنَامِ الْمَعْلُوفَةِ وَالْعُمُومُ يَتَقَاضَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهَا فَلَيْسَ جَامِعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ بَلْ تَارِكًا لِمُقْتَضَى الْعُمُومِ وَحَامِلًا لَهُ عَلَى التَّخْصِيصِ مَعَ إمْكَانِ عَدَمِ التَّخْصِيصِ فَلَا يَكُونُ الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ مَوْجُودًا هَهُنَا وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ دَلِيلِ الْإِطْلَاقِ وَدَلِيلِ التَّقْيِيدِ وَمَنْ أَثْبَتَ الْحُكْمَ بِدُونِ مُوجِبِهِ وَدَلِيلِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ بَلْ هَذَا يَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِذِكْرِ بَعْضِهِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَا يُنَافِي الْكُلَّ أَوْ مِنْ قَاعِدَةِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْمَفْهُومِ الْحَاصِلِ مِنْ قَيْدِ السَّوْمِ وَفِيهِ خِلَافٌ.

أَمَّا أَنَّهُ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَلَا لِأَنَّهُ كُلِّيَّةٌ وَلَفْظٌ عَامٌّ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ فِي الْكُلِّيِّ الْمُطْلَقِ لَا فِي الْكُلِّيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي كُتُبِ الْعُلَمَاءِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَوْ قَالَ لَا تَعْتِقُوا رَقَبَةً ثُمَّ قَالَ لَا تَعْتِقُوا رَقَبَةً كَافِرَةً كَانَ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ كَالنَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ فَيَكُونُ اللَّفْظُ الثَّانِي لَوْ حَمَلْنَا الْأَوَّلَ عَلَيْهِ مُخَصِّصًا لِلْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» ثُمَّ وَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» فَمَنْ قَصَدَ فِي هَذَا الْمَقَامِ حَمْلَ الْمُطْلَقِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْغَنَمُ عَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ الَّذِي هُوَ الْغَنَمُ السَّائِمَةُ اعْتِمَادًا مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَقَدْ فَاتَهُ الصَّوَابُ إلَى قَوْلِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُسَلَّمٌ قَالَ (وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي كُتُبِ الْعُلَمَاءِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الشُّرَّاحِ وَالْفُقَهَاءِ إذَا مَرَّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ رُءُوسِ الْأَنْعَامِ لِأَنَّ عَادَةَ النَّاسِ يَأْكُلُونَ رُءُوسَ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا اهـ مَحْمُولٌ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّى اللَّفْظِ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْفِعْلِيِّ مِنْ جِنْسِ الْبِسَاطِ فَافْهَمْ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) مَشْهُورُ فَتَاوَى الْأَصْحَابِ فِيمَا إذَا حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُهُ فَحَنِثَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَعِتْقُ مَا عِنْدَهُ مِنْ الرَّقِيقِ وَإِنْ كَثُرُوا وَصَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَالْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَطَلَاقُ امْرَأَتِهِ وَفِي كَوْنِهِ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا خِلَافٌ وَالتَّصَدُّقُ بِثُلُثِ الْمَالِ وَلَا يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَا الْمَشْيُ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَلَا لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا الرِّبَاطُ فِي الثُّغُورِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَلَا تَرْبِيَةُ الْيَتَامَى وَلَا كُسْوَةُ الْعَرَايَا وَلَا إطْعَامُ الْجِيَاعِ وَلَا شَيْئًا مِنْ الْقُرُبَاتِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَلَاحَظُوا مَا غَلَبَ الْحَلِفُ بِهِ فِي الْعُرْفِ مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي صَارَتْ تُسَمَّى كُلُّهَا فِي الْعُرْفِ أَيْمَانًا.

وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْيَمِينِ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَسَمُ فَقَطْ وَلَمْ يُلَاحِظُوا أَنَّ عَادَتَهُمْ يَفْعَلُونَ مُسَمَّيَاتِهَا وَأَنَّهُمْ يَصُومُونَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ أَوْ يَحُجُّونَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ نَظَرًا لِلْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ تَقْدِيمُ الْمُسَمَّى الْعُرْفِيِّ عَلَى الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ وَعَدَمُ تَقْدِيمِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ عَلَى الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ.

فَلِذَا صَرَّحُوا وَقَالُوا مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالْحَلِفِ بِصَوْمٍ لَزِمَهُ صَوْمُ سَنَةٍ فَجَعَلُوا الْمُدْرَكَ الْحَلِفَ اللَّفْظِيَّ دُونَ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ وَعَلَى هَذَا لَوْ اتَّفَقَ فِي وَقْتٍ آخَرَ اشْتِهَارُ حَلِفِهِمْ بِنَذْرِهِمْ الِاعْتِكَافَ وَالرِّبَاطَ وَإِطْعَامَ الْجِيعَانِ وَكُسْوَةَ الْعُرْيَانِ وَبِنَاءَ الْمَسَاجِدِ دُونَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا لَكَانَ اللَّازِمُ لِهَذَا الْحَالِفِ إذَا حَنِثَ الِاعْتِكَافَ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ دُونَ مَا هُوَ مَذْكُورٌ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى الْعَوَائِدِ تَدُورُ مَعَهَا كَيْفَمَا دَارَتْ وَتَبْطُلُ مَعَهَا إذَا بَطَلَتْ كَالنُّقُودِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْعُيُوبِ فِي الْأَغْرَاضِ فِي الْبِيَاعَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ فِي النَّقْدِ وَالسِّكَّةِ إلَى سِكَّةٍ أُخْرَى حُمِلَ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى السِّكَّةِ الَّتِي تَجَدَّدَتْ الْعَادَةُ بِهَا دُونَ مَا قَبْلَهَا وَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ عَيْبًا فِي الثِّيَابِ فِي عَادَةٍ رَدَدْنَا بِهِ الْمَبِيعَ فَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ وَصَارَ ذَلِكَ الْمَكْرُوهُ مَحْبُوبًا مُوجِبًا لِزِيَادَةِ الثَّمَنِ لَمْ نَرُدَّ بِهِ وَبِهَذَا الْقَانُونِ تُعْتَبَرُ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى الْعَوَائِدِ وَهُوَ تَحْقِيقٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَهُمْ نَعَمْ قَدْ يَقَعُ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي تَحْقِيقِهِ هَلْ وُجِدَ أَمْ لَا.

قَالَ الْأَصْلُ وَعُرْفُنَا الْيَوْمَ لَيْسَ فِيهِ الْحَلِفُ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَلَا تَكَادُ تَجِدُ أَحَدًا بِمِصْرَ يَحْلِفُ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي الْفُتْيَا بِهِ وَعَادَتُهُمْ يَقُولُونَ عَبْدِي حُرٌّ وَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ وَمَالِي صَدَقَةٌ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَتَلْزَمُ هَذِهِ الْأُمُورُ.

وَعَلَى هَذَا الْقَانُونَ تُرِكَ الْفَتَاوَى عَلَى طُولِ الْأَيَّامِ فَمَهْمَا تَجَدَّدَ فِي الْعُرْفِ اعْتَبِرْهُ وَمَهْمَا سَقَطَ أَسْقِطْهُ وَلَا تَجْمُدْ عَلَى الْمَسْطُورِ فِي الْكُتُبِ طُولَ عُمْرِك بَلْ إذَا جَاءَك رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ إقْلِيمِك يَسْتَفْتِيك لَا تَجْرِهِ عَلَى عُرْفِ بَلَدِك وَاسْأَلْهُ عَنْ عُرْفِ بَلَدِهِ وَأَجْرِهِ عَلَيْهِ وَأَفْتِهِ بِهِ دُونَ عُرْفِ بَلَدِك وَدُونَ الْمُقَرَّرِ فِي كُتُبِك فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْوَاضِحُ.

وَالْجُمُودُ عَلَى الْمَنْقُولَاتِ أَبَدًا ضَلَالٌ فِي الدِّينِ وَجَهْلٌ بِمَقَاصِد عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالسَّلَفِ الْمَاضِينَ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ أَيْمَانُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَجَمِيعِ الصَّرَائِحِ وَالْكِنَايَاتِ فَقَدْ يَصِيرُ الصَّرِيحُ كِنَايَةً فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَقَدْ تَصِيرُ الْكِنَايَةُ صَرِيحًا فَتَسْتَغْنِي عَنْ النِّيَّةِ اهـ وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ عُلَيْشٍ فِيمَنْ حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ مَا دَخَلَ دَارَ فُلَانٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>