تِلْكَ الْحَالَةِ مَاتَ مُؤْمِنًا وَلَا يَضُرُّهُ عَدَمُ الْإِيمَانِ الْفِعْلِيِّ عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَا أَنَّ الْكَافِرَ إذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَخْرَسَ ذَاهِبَ الْعَقْلِ عَاجِزًا عَنْ الْكُفْرِ فِي تِلْكَ الْحَالِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لَهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَحُكْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ حُكْمُ الَّذِينَ اسْتَحْضَرُوا الْكُفْرَ فِي تِلْكَ الْحَالِ بِالْفِعْلِ فَالْمُعْتَبَرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كُفْرٍ وَإِيمَانٍ وَلَا يَضُرُّ الْعَدَمُ فِي الْمَعْنَى عِنْدَ الْمَوْتِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ)
إذَا سَهَا عَنْ السُّجُودِ فِي الْأُولَى وَالرُّكُوعِ فِي الثَّانِيَةِ لَا يَنْضَافُ سُجُودُ الثَّانِيَةِ لِرُكُوعِ الْأُولَى إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِهِ إضَافَتَهُ لِلْأُولَى وَلَا تَكْفِيهِ النِّيَّةُ الْفِعْلِيَّةُ الْمُقَارِنَةُ لِأَوَّلِ الصَّلَاةِ بِسَبَبِ أَنَّ النِّيَّةَ الْحُكْمِيَّةَ هِيَ فَرْعُ الْفِعْلِيَّةِ عَلَى حَسْبِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَالنِّيَّةُ الْفِعْلِيَّةُ الْأُولَى إنَّمَا تَنَاوَلَتْ الْفِعْلَ الشَّرْعِيَّ لَا بِوَصْفِ كَوْنِهِ مُرَقَّعًا بَلْ عَلَى مَجَارِي الْعَادَةِ فِي الْأَكْثَرِ فَهَذِهِ الصَّلَاةُ الْمُرْقَعَةُ الْخَارِجَةُ عَنْ نَمَطِ الْعَادَةِ لَا تَتَنَاوَلُهَا النِّيَّةُ الْحُكْمِيَّةُ لِأَنَّهَا فَرْعُ الْفِعْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةُ لَمْ تَتَنَاوَلْهَا فَكَذَلِكَ الْحُكْمِيَّةُ الَّتِي هِيَ فَرْعُ الْفِعْلِيَّةِ لَا تَتَنَاوَلُ إلَّا الصَّلَاةَ الْمُرَتَّبَةَ الْعَادِيَّةَ لَا الصَّلَاةَ الْمُرْقَعَةَ فَبَقِيَتْ الْمُرْقَعَةُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فِعْلِيَّةٍ وَلَا حُكْمِيَّةٍ فَاحْتَاجَتْ إلَى نِيَّةٍ مُجَدِّدَةٍ لِلتَّرْقِيعِ وَلِأَنَّ الْمُرْقَعَةَ الْمَتْرُوكَ رُكُوعُهَا وَسُجُودُهَا حَتَّى يَنْضَافَ إلَيْهَا سُجُودٌ مِنْ رَكْعَةٍ أُخْرَى غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ إجْمَاعًا وَغَيْرُ الْمَشْرُوعِ قُرْبَةٌ لَا يُنْوَى شَرْعًا فَلَيْسَ فِيهَا نِيَّةٌ فِعْلِيَّةٌ قَطْعًا وَلَيْسَ لَهَا نِيَّةٌ حُكْمِيَّةٌ قَطْعًا فَإِنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا يَحْكُمُ بِاسْتِصْحَابِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ النِّيَّةِ فَإِذَا لَمْ تَتَقَدَّمْ نِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ لَا يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِاسْتِصْحَابِهَا قَطْعًا فَهَذِهِ الْمُرْقَعَةُ خَالِيَةٌ مِنْ النِّيَّةِ قَطْعًا فَتَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلصَّلَاةِ مِنْ النِّيَّةِ إجْمَاعًا فَهَذَا تَقْرِيرٌ ظَاهِرٌ قَطْعِيٌّ فَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْأُمُورِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي يَذْكُرُهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى ثُمَّ ذَكَرَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يَقُومُ إلَى رَكْعَةٍ خَامِسَةٍ يَجْعَلُهَا عِوَضَ الْأُولَى وَلَا بُدَّ لِهَذِهِ الرَّكْعَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ نِيَّةٍ مُجَدَّدَةٍ بِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْأُولَى وَإِلَّا فَلَا تَكُونُ عِوَضًا عَنْ الْأُولَى بِالنِّيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوَّلَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَنَاوَلْ إلَّا الصَّلَاةَ الْعَادِيَّةَ أَمَّا الْمُرَقَّعَاتُ فَلَا وَكَذَلِكَ الْحُكْمِيَّةُ الَّتِي هِيَ فَرْعُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ جَدِيدَةٍ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
إمَّا أَنْ تَنْقَضِيَ حِسًّا وَحُكْمًا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِمَا أَوْ لَا تَنْقَضِي حِسًّا وَحُكْمًا كَمَا فِي حَالِ التَّلَبُّسِ بِهَا أَوْ تَنْقَضِي حِسًّا دُونَ الْحُكْمِ كَالْوُضُوءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ انْقَضَى حِسًّا لَكِنَّ حُكْمَهُ وَهُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ بَاقٍ فَالْأَوَّلُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ تَأْثِيرِ الرَّفْضِ فِيهِ وَالثَّانِي لَا خِلَافَ فِي تَأْثِيرِهِ فِيهِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ هُوَ الثَّالِثُ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ لَوْ سَاعَدَتْ الْأَنْقَالُ اهـ وَقَدْ نَصَّ صَاحِبُ النُّكَتِ فِي بَابِ الصَّوْمِ عَلَى خِلَافِهِ فَإِنَّهُ نُصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ رَفَضَ الْوُضُوءَ وَهُوَ لَمْ يُكْمِلْهُ أَنَّ رَفْضَهُ لَا يُؤَثِّرُ إذَا أَكْمَلَ وُضُوءَهُ بِالْقُرْبِ قَالَ وَكَذَلِكَ الْحَجُّ إذَا رُفِضَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ قَالَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي حَيِّزِ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ نَوَى الرَّفْضَ وَفَعَلَهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَالطَّوَافِ وَنَحْوِهِ فَهَذَا رَفْضٌ يُعَدُّ كَالتَّارِكِ لِذَلِكَ اهـ مِنْهُ مِنْ مَوْضِعَيْنِ قُلْت وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْإِحْرَامَ سَوَاءٌ كَانَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا أَوْ بِإِطْلَاقٍ لَا يُرْتَفَضُ وَرَفْضُهُ فِي أَثْنَائِهِ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَلْ قَالَ سَنَدٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مَذْهَبُ الْكَافَّةِ أَنَّهُ لَا يُرْفَضُ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ إحْرَامِهِ وَقَالَ دَاوُد يُرْتَفَضُ إحْرَامُهُ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَنْعَدِمُ بِمَا يُضَادُّهُ حَتَّى لَوْ وَطِئَ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ وَغَايَةُ رَفْضِ الْعِبَادَةِ أَنْ يُضَادَّهَا فِيمَا لَا يَنْتَفِي مَعَ مَا يُفْسِدُهُ لَا يَنْتَفِي مَعَ مَا يُضَادُّهُ. اهـ.
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إذَا رَفَضَ إحْرَامَهُ لِغَيْرِ شَيْءٍ فَهُوَ بَاقٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْأَئِمَّةِ خِلَافًا لِدَاوُدَ وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا غَيْرُهُمَا فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَإِذَا لَمْ يُؤَثِّرْ الرَّفْضُ وَهُوَ فِي أَثْنَائِهِ فَأَحْرَى بَعْدَ كَمَالِهِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ فَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهِمَا سَوَاءٌ وَقَعَ الرَّفْضُ فِي أَثْنَائِهِمَا أَوْ بَعْدَ كَمَالِهِمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَفِي وُجُوبِ إعَادَتِهَا لِرَفْضِهَا بَعْدَ تَمَامِهَا نَقْلًا عَنْ اللَّخْمِيِّ اهـ وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الرَّفْضُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْبُطْلَانُ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ النُّكَتِ وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّفْضُ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ وَكَمَّلَهُ بِالْقُرْبِ فَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ عَبْدُ الْحَقِّ فِي نُكَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ اعْتَمَدَهُ هُنَا أَيْ فِي الْمُخْتَصَرِ حَيْثُ قَالَ فِي فَصْلِ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ وَرَفْضُهَا مُغْتَفَرٌ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ وَكَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَابْنِ الْجَمَاعَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُرْتَفَضُ قَالَ ابْنُ نَاجِي وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّفْضُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ فَنَقَلَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ عِنْدِي أَصَحُّ لِأَنَّ الرَّفْضَ يَرْجِعُ إلَى التَّقْدِيرِ لِأَنَّ الْوَاقِعَ يَسْتَحِيلُ رَفْضُهُ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَلِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْفَرَاغِ مِنْ الْفِعْلِ سَقَطَ التَّكْلِيفُ بِهِ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ التَّكْلِيفَ يَرْجِعُ بَعْدَ سُقُوطِهِ لِأَجْلِ الرَّفْضِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ اهـ وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فِي بَابِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعِبَادَةَ كُلَّهَا الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْإِحْرَامَ لَا يُرْتَفَضُ شَيْءٌ مِنْهَا بَعْدَ كَمَالِهِ وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ التُّونُسِيُّ وَرَفْضُ الْوُضُوءِ إنْ كَانَ بَعْدَ تَمَامِهِ لَا يُرْتَفَضُ وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ. اهـ.
وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْغُسْلِ وَاخْتُلِفَ إذَا رَفَضَ النِّيَّةَ بَعْدَ الْوُضُوءِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِمَالِكٍ وَالْفَتْوَى بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ لِأَنَّ مَا حَصَلَ اسْتَحَالَ رَفْعُهُ اهـ وَكَلَامُ الْقَرَافِيِّ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ أَيْ وَكَذَا فِي الْفُرُوقِ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الرَّفْضَ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ يُؤَثِّرُ وَلَوْ بَعْدَ