للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ وَلَهُ أَحْكَامُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَثَانِيهَا الْكُفْرُ إذَا اسْتَحْضَرَهُ الْإِنْسَانُ فِي قَلْبِهِ فَهَذَا هُوَ الْكُفْرُ الْفِعْلِيُّ فَإِذَا غُفِلَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَكَمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِأَنَّهُ كَافِرٌ وَلَهُ أَحْكَامُ الْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ إبَاحَةِ الدَّمِ وَاسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ} [طه: ٧٤] فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ كَافِرٌ الْكُفْرَ الْفِعْلِيَّ لِأَنَّ كُلَّ كَافِرٍ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ يَضْطَرُّ لِلْإِيمَانِ فَلَا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْفِعْلِ وَالْإِيمَانُ الْفِعْلِيُّ يُنَافِي الْكُفْرَ الْفِعْلِيَّ فَهُوَ غَيْرُ كَافِرٍ بِالْفِعْلِ، مُؤْمِنٌ بِالْفِعْلِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ الْإِيمَانُ وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ إذَا وَقَعَ قَبْلَ الْمُعَايَنَةِ وَالِاضْطِرَارِ إلَيْهِ

وَثَالِثُهَا الْإِخْلَاصُ يَقَعُ مِنْ الْعَبْدِ أَوَّلَ الْعِبَادَةِ فَهَذَا هُوَ الْإِخْلَاصُ الْفِعْلِيُّ فَإِذَا غَفَلَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَكَمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُخْلِصِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ حَتَّى يَخْطِرَ لَهُ الرِّيَاءُ وَهُوَ ضِدُّ الْإِخْلَاصِ فَيَنْتَفِي ذَلِكَ الْحُكْمُ كَمَا يَنْتَفِي الْحُكْمُ بِالْإِيمَانِ بِسَبَبِ مُلَابَسَةِ الْكُفْرِ وَالْحُكْمُ بِالْكُفْرِ بِسَبَبِ مُلَابَسَةِ الْإِيمَانِ وَرَابِعُهَا النِّيَّةُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ تَحْصُلُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ فَهَذِهِ هِيَ النِّيَّةُ الْفِعْلِيَّةُ فَإِذَا غَفَلَ عَنْهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ حَكَمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِأَنَّهُ نَاوٍ وَلَهُ أَحْكَامُ النَّاوِينَ لِتِلْكَ الْعِبَادَاتِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْمَعَانِي الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَالْمَأْمُورِ بِهَا مِنْ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَحُبِّ السُّمْعَةِ وَالْإِذْلَالِ وَقَصْدِ الْفَسَادِ وَإِرَادَةِ الْعِنَادِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ وَحُبِّ الْمُؤْمِنِينَ وَبُغْضِ الْكَافِرِينَ وَتَعْظِيمِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَقَصْدِ نَفْعِ الْإِخْوَانِ وَإِرَادَةِ الْبُعْدِ عَنْ حُرُمَاتِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَأْمُورَاتِ فَكُلُّ مَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ مَعْنًى مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي ثُمَّ غَفَلَ عَنْهَا كَانَ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَعْنَى حَتَّى يُلَابِسَ ضِدَّهُ فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ فِي هَذِهِ الْفُرُوقِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَالْحُكْمِيَّاتُ أَبَدًا فِي هَذَا الْبَابِ فَرْعُ الْفِعْلِيَّاتِ. وَهَاهُنَا خَمْسُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى)

مَنْ خَرِسَ لِسَانُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَذَهَبَ عَقْلُهُ فَلَمْ يَنْطِقْ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَا أَحْضَرَ الْإِيمَانَ بِقَلْبِهِ وَمَاتَ عَلَى

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مَا تَقَدَّمَ مِنْ النِّيَّةِ فَإِذَا لَمْ تَتَقَدَّمْ نِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ لَا يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِاسْتِصْحَابِهَا قَطْعًا فَهَذِهِ الْمُرْقَعَةُ خَالِيَةٌ مِنْ النِّيَّةِ قَطْعًا فَتَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلصَّلَاةِ مِنْ النِّيَّةِ إجْمَاعًا (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ ذَكَرَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَامَ إلَى رَكْعَةٍ خَامِسَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يُجَدِّدَ لَهَا نِيَّةً بِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْأُولَى لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةٍ فِعْلِيَّةٍ أَوْ حُكْمِيَّةٍ وَهَذِهِ الرَّكْعَةُ الْخَامِسَةُ تَرْقِيعٌ لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى لَا رَكْعَةٌ عَادِيَةٌ مُرَتَّبَةٌ فَلَا تَتَنَاوَلُهَا النِّيَّةُ الْفِعْلِيَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ أَوَّلَ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمِيَّةُ لِأَنَّهَا فَرْعُ الْفِعْلِيَّةِ وَمَتَى عَرِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ النِّيَّةِ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ مَا لَمْ تُسْتَدْرَكْ بِالنِّيَّةِ عَنْ قُرْبٍ فَافْهَمْ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) السَّبَبُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ بَقِيَتْ رِجْلَاهُ مِنْ وُضُوئِهِ فَخَاضَ بِهِمَا نَهْرًا فَدَلَّكَهُمَا فِيهِ بِيَدَيْهِ وَلَمْ يَنْوِ بِهِمَا تَمَامَ وُضُوءُهُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْوِيَهُ اهـ هُوَ أَنَّ النِّيَّةَ الْفِعْلِيَّةَ الْأُولَى لَمْ تَتَنَاوَلْ إلَّا الْوُضُوءَ الْعَادِيَ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ أَوَّلَ الْعِبَادَةِ أَوْ الْوُضُوءِ لَا يَقْدَمُ عَلَى تَرْقِيعِ صَلَاتِهِ وَلَا تَرْقِيعِ وُضُوئِهِ بَلْ إنَّمَا يَقْصِدُ الْعِبَادَةَ الَّتِي لَا تَرْقِيعَ فِيهَا فَالْمُرَقَّعَةُ وَكَذَا الْمُفَرَّقَةُ لَمْ تَتَنَاوَلْهَا النِّيَّةُ الْفِعْلِيَّةُ فَكَذَلِكَ الْحُكْمِيَّةُ الَّتِي هِيَ فَرْعُ الْفِعْلِيَّةِ فَبَقِيَ جُزْءُ الْعِبَادَةِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ مُطْلَقًا فَتَبْطُلُ الْعِبَادَةُ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي كُلِّ أَجْزَائِهَا فِعْلِيَّةٍ أَوْ حُكْمِيَّةٍ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةُ احْتَاجَ التَّرْقِيعُ أَبَدًا إلَى النِّيَّةِ الْفِعْلِيَّةِ تُجَدَّدُ لَهُ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) فِي عَدَمِ التَّأْثِيرِ لِرَفْضِ النِّيَّةِ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَاتِ نَظَرًا لِكَوْنِ النِّيَّةِ الَّتِي حَصَلَ بِهَا الرَّفْضُ وَإِنْ كَانَتْ تُضَادُّ الْفِعْلِيَّةَ الْكَائِنَةَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْفِعْلِ يُضَادُّ الْعَزْمَ عَلَى تَرْكِهِ إلَّا أَنَّهَا لَمْ تُقَارِنْهَا وَتَأْثِيرُهُ نَظَرًا لِكَوْنِ النِّيَّةِ الَّتِي حَصَلَ بِهَا الرَّفْضُ وَهِيَ الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعِبَادَةِ وَإِنْ لَمْ تُقَارِنْ النِّيَّةَ الْفِعْلِيَّةَ الْمُضَادَّةَ لَهَا إلَّا أَنَّهَا قَارَنَتْ الْحُكْمِيَّةَ الَّتِي هِيَ فَرْعُهَا وَمَا ضَادَّ الْأَصْلَ يُضَادُّ الْفَرْعَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَافْهَمْ كَذَا فِي الْأَصْلِ قَالَ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي كُلٍّ مِنْ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ بَلْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ الْأُمْنِيَةِ فِي إدْرَاكِ النِّيَّةِ وَأَنَّهُ جَارٍ فِي الرَّفْضِ قَبْلَ كَمَالِ الْعِبَادَةِ وَبَعْدَ كَمَالِهَا وَنَقَلَهُ عَنْ الْعَبْدِيِّ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ التَّوْضِيحِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي تَأْثِيرِ رَفْضِهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ رِوَايَتَانِ اهـ هَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ عَنْ الْعَبْدِيِّ أَنَّهُ قَالَ الْمَشْهُورُ فِي الْوُضُوءِ وَالْحَجِّ عَدَمُ الرَّفْضِ عَكْسَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ قَالَ رَفْضُ النِّيَّةِ مِنْ الْمُشْكِلَاتِ لَا سِيَّمَا بَعْدَ كَمَالِ الْعِبَادَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْعَبْدِيُّ فَذَكَرَ الْكَلَامَ السَّابِقَ ثُمَّ قَالَ وَالْقَاعِدَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ مُحَالٌ اهـ وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْوُضُوءِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوُضُوءُ مَعْقُولَ الْمَعْنَى بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ تُوجِبْ فِيهِ النِّيَّةَ وَالْحَجَّ مُحْتَوٍ عَلَى أَعْمَالٍ مَالِيَّةٍ وَبَدَنِيَّةٍ لَمْ يَتَأَكَّدْ طَلَبُ النِّيَّةِ فِيهِمَا فَرَفْضُ النِّيَّةِ فِيهِمَا رَفْضٌ لِمَا هُوَ غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ. وَذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الرَّفْضِ وَلِأَنَّ الْحَجَّ لَمَّا كَانَ عِبَادَةً شَاقَّةً وَيَتَمَادَى فِي فَاسِدِهِ نَاسَبَ أَنْ يُقَالَ بِعَدَمِ تَأْثِيرِ الرَّفْضِ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ الْحَاصِلَةِ عَلَى تَقْدِيرِ رَفْضِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِيته مِنْ الشُّيُوخِ يُنْكِرُ إطْلَاقَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَيَقُولُ إنَّ الْعِبَادَةَ الْمُشْتَرَطَ فِيهَا النِّيَّةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>