الْوَضْعَ اقْتَضَى ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَحْتَمِلُ الْخَبَرُ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ إلَّا الصِّدْقَ خَاصَّةً وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعَرَبَ إنَّمَا وَضَعَتْ الْخَبَرَ لِلصِّدْقِ دُونَ الْكَذِبِ لِإِجْمَاعِ النُّحَاةِ وَالْمُتَحَدَّثِينَ عَلَى اللِّسَانِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا قَامَ زَيْدٌ حُصُولُ الْقِيَامِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ مَعْنَاهُ صُدُورُ الْقِيَامِ أَوْ عَدَمُهُ بَلْ جَزَمَ الْجَمِيعُ بِالصُّدُورِ.
وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَفْعَالِ الْمَاضِيَةِ وَكَذَلِكَ الْأَفْعَالُ الْمُسْتَقْبَلَةِ نَحْوَ قَوْلِنَا سَيَقُومُ زَيْدٌ مَعْنَاهُ صُدُورُ الْقِيَامِ عَنْهُ فِي الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ عَيْنًا لَا أَنَّ مَعْنَاهُ صُدُورُ الْقِيَامِ أَوْ عَدَمُهُ، وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ الْفَاعِلِينَ وَالْمَفْعُولِينَ كَقَوْلِنَا زَيْدٌ قَائِمٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِالْقِيَامِ عَيْنًا، وَكَذَلِكَ الْمَجْرُورَاتُ نَحْوَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ مَعْنَاهُ لُغَةً اسْتِقْرَارُهُ فِيهَا دُونَ عَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ مِنْ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ فَعَلِمْنَا أَنَّ اللُّغَةَ إنَّمَا هِيَ الصِّدْقُ دُونَ الْكَذِبِ فَإِنْ قُلْتَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِكُمْ: إنَّهُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ الَّذِي اقْتَضَى أَنَّ الصِّدْقَ مُتَعَيَّنٌ لَهُ فَلَا يَحْتَمِلُ إلَّا إيَّاهُ قُلْتُ: مَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ يَأْتِيهِ مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ لَا مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَدْ يَسْتَعْمِلُهُ صِدْقًا عَلَى وَفْقِ الْوَضْعِ وَقَدْ يَسْتَعْمِلُهُ كَذِبًا عَلَى خِلَافِ مُطَابَقَةِ الْوَضْعِ، وَقَوْلُنَا فِي الشَّيْءِ إنَّهُ يَحْتَمِلُ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ يَحْتَمِلُهُ مِنْ جِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ مُعَيَّنَةٍ، بَلْ إذَا احْتَمَلَهُ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ فَقَدْ احْتَمَلَهُ فَإِذَا احْتَمَلَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ فَقَدْ احْتَمَلَهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ كَقَوْلِنَا فِي الْمُمْكِنِ إنَّهُ قَابِلٌ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لَا نُرِيدُ أَنَّهُ يَقْبَلُ الْوُجُودَ مِنْ سَبَبٍ مُعَيَّنٍ بَلْ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ وَأَيِّ سَبَبٍ كَانَ كَذَلِكَ هَاهُنَا، وَنَظِيرُ قَوْلِنَا فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ قَوْلُنَا فِي الْكَلَامِ إنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ، وَأَجْمَعْنَا عَلَى
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
الْوَضْعَ اقْتَضَى لَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَحْتَمِلُ الْخَبَرُ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ إلَّا الصِّدْقَ خَاصَّةً وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعَرَبَ إنَّمَا وَضَعَتْ الْخَبَرَ لِلصِّدْقِ دُونَ الْكَذِبِ لِإِجْمَاعِ النُّحَاةِ وَالْمُتَحَدَّثِينَ عَلَى اللِّسَانِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا قَامَ زَيْدٌ حُصُولُ الْقِيَامِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ مَعْنَاهُ صُدُورُ الْقِيَامِ أَوْ عَدَمُهُ بَلْ جَزَمَ الْجَمِيعُ بِالصُّدُورِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَفْعَالِ الْمَاضِيَةِ وَكَذَلِكَ الْأَفْعَالُ الْمُسْتَقْبَلَةُ نَحْوَ قَوْلِنَا سَيَقُومُ زَيْدٌ مَعْنَاهُ صُدُورُ الْقِيَامِ عَنْهُ فِي الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ عَيْنًا لَا أَنَّ مَعْنَاهُ صُدُورُ الْقِيَامِ أَوْ عَدَمُهُ. وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ الْفَاعِلِينَ وَالْمَفْعُولِينَ كَقَوْلِنَا زَيْدٌ قَائِمٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِالْقِيَامِ عَيْنًا، وَكَذَلِكَ الْمَجْرُورَاتُ نَحْوَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ مَعْنَاهُ لُغَةً اسْتِقْرَارُهُ فِيهَا دُونَ عَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ مِنْ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ فَعَلِمْنَا أَنَّ اللُّغَةَ إنَّمَا هِيَ الصِّدْقُ دُونَ الْكَذِبِ، فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِكُمْ إنَّهُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ الَّذِي اقْتَضَى أَنَّ الصِّدْقَ مُتَعَيَّنٌ لَهُ فَلَا يَحْتَمِلُ إلَّا إيَّاهُ؟ قُلْتُ مَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ يَأْتِيهِ مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ لَا مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَدْ يَسْتَعْمِلُهُ صِدْقًا عَلَى وَفْقِ الْوَضْعِ، وَقَدْ يَسْتَعْمِلُهُ كَذِبًا عَلَى خِلَافِ مُطَابَقَةِ الْوَضْعِ. وَقَوْلُنَا فِي الشَّيْءِ إنَّهُ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَ الْفُلَانِيَّ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ يَحْتَمِلُهُ مِنْ جِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ مُعَيَّنَةٍ، بَلْ إذَا احْتَمَلَهُ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ فَقَدْ احْتَمَلَهُ فَإِذَا احْتَمَلَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ فَقَدْ احْتَمَلَهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ كَقَوْلِنَا فِي الْمُمْكِنِ إنَّهُ الْقَابِلُ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لَا نُرِيدُ أَنَّهُ يَقْبَلُ الْوُجُودَ مِنْ سَبَبٍ مُعَيَّنٍ بَلْ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ وَأَيِّ سَبَبٍ كَانَ كَذَلِكَ هُنَا، وَنَظِيرُ قَوْلِنَا فِي الْخَبَرِ إنَّهُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ قَوْلُنَا إنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ. وَأَجْمَعْنَا عَلَى
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْمَذْكُورِ بِلُزُومِ الْخَبَرِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ جَازِمٍ لَا تَرَدُّدَ فِيهِ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ فِي التَّحْدِيدِ، وَإِنَّمَا التَّرَدُّدُ فِي اتِّصَافِ الْخَبَرِ بِلُزُومِ أَحَدِهِمَا عَيْنًا وَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْحَدِّ فَافْهَمْ اهـ.
بِتَصَرُّفٍ وَزِيَادَةٍ فَالْقَوْلُ جِنْسٌ قَرِيبٌ يَشْمَلُ الْقَوْلَ التَّامَّ وَهُوَ مَا يُفِيدُ الْمُخَاطَبَ فَائِدَةً يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهَا خَبَرًا كَانَ أَوْ إنْشَاءً وَالنَّاقِصُ وَهُوَ مَا لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ إضَافِيًّا كَانَ كَغُلَامِ زَيْدٍ أَوْ تَقْيِيدِيًّا كَالْحَيَوَانِ الصَّاهِلِ أَوْ لَا وَلَا كَمَجْمُوعِ الْمُتَعَاطِفَيْنِ، وَقَيْدٌ يَلْزَمُهُ الصِّدْقُ أَوْ الْكَذِبُ فَصْلٌ يَخْرُجُ الْقَوْلُ النَّاقِصُ وَالْإِنْشَاءَاتُ نَعَمْ الظَّاهِرُ احْتِيَاجُ الْحَدِّ الْمَذْكُورِ لِزِيَادَةِ قَيْدٍ لِذَاتِهِ لِيَخْرُجَ مَا يَلْزَمُهُ الصِّدْقُ أَوْ الْكَذِبُ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِلَازِمِهِ نَحْوَ غُلَامُ زَيْدٍ الْمُسْتَلْزِمُ لِذَاتِهِ خَبَرًا وَهُوَ زَيْدٌ لَهُ غُلَامٌ وَنَحْوَ اسْقِنِي الْمَاءَ الْمُسْتَلْزِمَ لِذَاتِهِ خَبَرًا وَهُوَ أَنَا طَالِبٌ لِلْمَاءِ أَوْ الْمُخَاطَبُ مَطْلُوبٌ مِنْهُ الْمَاءُ أَوْ الْمَاءُ مَطْلُوبٌ، وَكَذَا مَا لَا يَلْزَمُهُ صِدْقٌ وَلَا كَذِبٌ بِالنَّظَرِ لِعَدَمِ قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ إخْبَارَ أَحَدٍ كَصِيغَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا جُعِلَتْ بَاقِيَةً عَلَى خَبَرِيَّتِهَا وَلَمْ يُقْصَدْ بِهَا إلَّا تَحْصِيلَ الْحَمْدِ كَبَقِيَّةِ صِيَغِ الْأَذْكَارِ وَالتَّنْزِيهَاتِ فَلَا يَرِدُ حِينَئِذٍ مَا نَقَلَهُ يَاسِينُ فِي حَوَاشِي الصُّغْرَى عَنْ الْعَلَّامَةِ عَلَاءِ الدِّينِ النَّجَّارِيِّ مِنْ أَنَّ الْجُمَلَ الْخَبَرِيَّةَ لَا يَلْزَمُهَا الْإِخْبَارُ أَيْ احْتِمَالُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بَلْ قَدْ تَكُونُ لِلتَّحَسُّرِ وَالتَّحَزُّنِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ عَلَى مَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَافْهَمْ
(وَأَمَّا الْإِنْشَاءُ) فَفِي اللُّغَةِ الْخَلْقُ وَالِابْتِدَاءُ وَوَضْعُ الْحَدِيثِ فَفِي الْمِصْبَاحِ أَنْشَأَهُ اللَّهُ خَلَقَهُ وَأَنْشَأَ يَفْعَلُ كَذَا أَيْ ابْتَدَأَ وَفُلَانٌ يُنْشِئُ الْأَحَادِيثَ أَيْ يَصِفُهَا.
اهـ الْمُرَادُ وَفِي الِاصْطِلَاحِ قَوْلٌ بِحَيْثُ يُوجِبُ بِهِ مَدْلُولَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إذَا صَدَرَ قَصْدًا مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ. فَالْقَوْلُ جِنْسٌ قَرِيبٌ، وَقَيْدُ (بِحَيْثُ يُوجِبُ بِهِ مَدْلُولَهُ) فَصْلٌ أَوَّلُ مُخْرِجٌ لِقَوْلِ الْقَائِلِ: السَّفَرُ عَلَيَّ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِيهِ لَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا اللَّفْظِ بَلْ بِإِيجَابِ الشَّارِعِ عَلَيْهِ عُقُوبَةً عَلَيْهِ، وَقَيْدُ (فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) فَصْلٌ ثَانٍ مُخْرِجٌ لِلْخَبَرِ كَقَامَ زَيْدٌ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ مَدْلُولَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ وَلَا فِي اعْتِقَادِ السَّامِعِ إلَّا عِنْدَ اعْتِقَادِهِ صِدْقَ الْمُخْبِرِ وَقَيْدُ (إذَا صَدَرَ قَصْدًا) أَيْ مَقْصُودًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute