للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ الْمُشْتَرَكِ إيجَابُ كُلِّ فَرْدٍ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ تَحْصِيلُ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَإِذَا حَصَلَ فَرْدٌ مِنْهَا حَصَلَتْ فِي ضِمْنِهِ وَاسْتُغْنِيَ عَنْ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ الْمُشْتَرَكِ إيجَابُ أَفْرَادِهِ كُلِّهَا فَصَحَّ التَّخْيِيرُ مَعَ الْأَمْرِ بِالْمُشْتَرَكِ وَلَمْ يَصِحَّ التَّخْيِيرُ مَعَ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ فَهَذَا هُوَ سِرُّ الْفَرْقِ، فَإِنْ قُلْت: قَدْ وَقَعَ النَّهْيُ مَعَ التَّخْيِيرِ فِي الْأُخْتَيْنِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْهِ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا وَلَا نَعْنِي بِتَحْرِيمِ الْمُشْتَرَكِ إلَّا ذَلِكَ وَحَرَّمَ الْأُمَّ وَابْنَتَهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَأَوْجَبَ إحْدَى الْخِصَالِ فِي الْكَفَّارَةِ وَإِذَا وَجَبَتْ وَاحِدَةٌ لَا بِعَيْنِهَا حُرِّمَتْ وَاحِدَةٌ لَا بِعَيْنِهَا فَهَذِهِ صُوَرٌ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ النَّهْيِ وَبَيْنَ التَّخْيِيرِ

قُلْت هَذَا مُحَالٌ عَقْلًا وَمِنْ الْمُحَالِ عَقْلًا أَنْ يَفْعَلَ الْإِنْسَانُ فَرْدًا مِنْ جِنْسٍ أَوْ نَوْعٍ أَوْ كُلِّيٍّ مُشْتَرَكٍ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمُشْتَرَكَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْجُزْئِيَّ فِيهِ الْكُلِّيُّ بِالضَّرُورَةِ وَفَاعِلُ الْأَخَصِّ فَاعِلُ الْأَعَمِّ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ فِي النَّهْيِ إلَّا بِتَرْكِ كُلِّ فَرْدٍ، وَالتَّخْيِيرُ مَعَ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ مُحَالٌ عَقْلًا، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الصُّوَرِ فَوَهْمٌ أَمَّا الْأُخْتَانِ وَالْأُمُّ وَابْنَتُهَا فَلِأَنَّ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِالْمَجْمُوعِ عَيْنًا لَا بِالْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَلَمَّا كَانَ الْمَطْلُوبُ أَنْ لَا تَدْخُلَ مَاهِيَّةُ الْمَجْمُوعِ الْوُجُودَ وَالْقَاعِدَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَنَّ عَدَمَ الْمَاهِيَّةِ يَتَحَقَّقُ بِأَيِّ جُزْءٍ كَانَ مِنْ أَجْزَائِهَا لَا بِعَيْنِهِ فَلَا جَرَمَ أَيَّ أُخْتٍ تَرَكَهَا خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ عَنْ الْمَجْمُوعِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ: (وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ الْمُشْتَرَكِ إيجَابُ كُلِّ فَرْدٍ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ تَحْصِيلُ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا هُوَ سِرُّ الْفَرْقِ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَلَا صَحِيحٌ بَلْ يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ الْمُشْتَرَكِ إيجَابُ كُلِّ فَرْدٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ تَحْصِيلَ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَإِنَّمَا لَا يَلْزَمُ إيجَابُ كُلِّ فَرْدٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ تَحْصِيلَ شَيْءٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ.

قَالَ (فَإِنْ قُلْت إلَى قَوْلِهِ فَهَذِهِ صُوَرٌ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ النَّهْيِ وَبَيْنَ التَّخْيِيرِ) . قُلْت: مَا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ السُّؤَالِ وَارِدٌ.

قَالَ (قُلْت: هَذَا مُحَالٌ عَقْلًا وَمِنْ الْمُحَالِ عَقْلًا أَنْ يَفْعَلَ الْإِنْسَانُ فَرْدًا مِنْ جِنْسٍ أَوْ نَوْعٍ أَوْ كُلِّيٍّ مُشْتَرَكٍ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمُشْتَرَكَ إلَى قَوْلِهِ وَالتَّخْيِيرُ مَعَ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ مُحَالٌ عَقْلًا) قُلْت: إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمُشْتَرَكَ " الْحَقِيقَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَكَيْفَ وَمِنْ قَاعِدَةِ مَنْ يُثْبِتُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْأَعْيَانِ وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمُشْتَرَكَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا مِمَّا فِيهِ الْحَقِيقَةُ فَقَوْلُهُ صَحِيحٌ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَحَلَّ النِّزَاعِ.

قَالَ (وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الصُّوَرِ فَوَهْمٌ) أَمَّا الْأُخْتَانِ وَالْأُمُّ وَابْنَتُهَا فَلِأَنَّ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِالْمَجْمُوعِ عَيْنًا لَا بِالْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَلَمَّا كَانَ الْمَطْلُوبُ أَنْ لَا تَدْخُلَ مَاهِيَّةُ الْمَجْمُوعِ الْوُجُودَ وَالْقَاعِدَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَنَّ عَدَمَ الْمَاهِيَّةِ يَتَحَقَّقُ بِأَيِّ جُزْءٍ كَانَ مِنْ أَجْزَائِهَا لَا بِعَيْنِهِ فَلَا جَرَمَ أَيَّ أُخْتٍ تَرَكَهَا خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ عَنْ الْمَجْمُوعِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَتُعْرَفُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ بِالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَالْمُحَرَّمِ الْمُخَيَّرِ لِتَخْيِيرِ الْمُكَلَّفِ فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ أَوْ الْمُحَرَّمِ بِأَيٍّ مِنْ الْأَشْيَاءِ يَفْعَلُهُ أَوْ يَتْرُكُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَيْثُ خُصُومِهِ وَاجِبًا أَوْ مُحَرَّمًا عِنْدَ الْأَصْحَابِ بَلْ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ مَعَ شَرْحِ الْمُحَلَّى وَمُفَادُ ذَلِكَ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ قَوْلِ الْأَصْحَابِ وَبَيْنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْوَالِ الْمُعْتَزِلَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعْنَوِيٌّ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ كَالْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْعَضُدِ قَالَ السَّعْدُ وَهُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ فَيُثَابُ وَيُعَاقَبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَلَوْ أَتَى بِوَاحِدٍ سَقَطَ عَنْهُ الْبَاقِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ قَدْ يَسْقُطُ بِدُونِ الْأَدَاءِ. اهـ.

وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ تَعَلَّقَ بِكُلٍّ مِنْهَا بِخُصُوصِهِ عَلَى وَجْهِ الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا قُلْنَا: إنْ سَلَّمَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُوبُ الْكُلِّ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ وَذَهَبَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَةٌ إلَى أَنَّهُ لَفْظِيٌّ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ أَبِي الْحُسَيْنِ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْوَالِ الْمُعْتَزِلَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِجَمِيعِهَا وَلَا يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَلِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَخْتَارَ أَيَّامًا كَانَ فَهُوَ بِعَيْنِهِ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا قَالُوا بِوُجُوبِ الْكُلِّ بِهَذَا الْمَعْنَى فِرَارًا مِنْ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُدْرِكُ فِيهِ مَصْلَحَةً بِنَاءً عَلَى عَقِيدَتِهِمْ مِنْ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ وَأَنَّ الْعَقْلَ يُدْرِكُ الْأَحْكَامَ قَبْلَ الشَّرْعِ، وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ الْعَلَّامَةُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُوَافَقَاتِ حَيْثُ قَالَ وَكُلُّ مَسْأَلَةٍ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ يَنْبَنِي عَلَيْهَا فِقْهٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْ الْخِلَافِ فِيهَا خِلَافٌ فِي فَرْعٍ مِنْ فُرُوعِ الْفِقْهِ كَالْخِلَافِ مَعَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَالْمُحَرَّمِ الْمُخَيَّرِ، فَإِنَّ كُلَّ فِرْقَةٍ مُوَافِقَةٌ لِلْأُخْرَى فِي نَفْسِ الْعَمَلِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الِاعْتِقَادِ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ مُحَرَّرٍ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَفِي أُصُولِ الْفِقْهِ لَهُ تَقْرِيرٌ أَيْضًا وَهُوَ هَلْ الْوُجُوبُ أَوْ التَّحْرِيمُ أَوْ غَيْرُهُمَا رَاجِعَةٌ إلَى صِفَاتِ الْأَعْيَانِ أَوْ إلَى خِطَابِ الشَّارِعِ. اهـ.

الْمُرَادُ قَالَ الشِّرْبِينِيُّ وَأَشَارَ الْمَحَلِّيُّ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا إلَى الْإِبْهَامِ فِي الْوَاجِبِ أَيْ وَالْمُحَرَّمِ وَبِقَوْلِهِ فِي ضِمْنٍ أَيْ مُعَيَّنٍ إلَى التَّعْيِينِ فِي الْمُخَيَّرِ فِيهِ ثُمَّ إنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهَا أَعْنِي ذَلِكَ الْمَفْهُومَ مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنِ الْمُشْتَرَكِ فِيهِ مُعَيَّنٌ فَالْوَاجِبُ مُعَيَّنٌ فَانْدَفَعَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ كُلِّفَ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَأَمَّا خُصُوصِيَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ لَا وَاجِبٌ فَلَا يَلْزَمُ فِيهِ التَّكْلِيفُ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ هَذَا هُوَ الْحَقُّ فِي الْحِلِّ الَّذِي بَيَّنَهُ الْعَضُدُ بِمَا تَوْضِيحُهُ أَنَّ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>