للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الْمُشْتَرَكِ بَلْ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْمَجْمُوعِ يَكْفِي فِيهِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ لَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَ تَعَلَّقَ بِوَاحِدَةٍ لَا بِعَيْنِهَا بَلْ تَعَلَّقَ بِالْمَجْمُوعِ فَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِوَاحِدَةٍ لَا بِعَيْنِهَا فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَرْقَ فَخِلَافُهُ مُحَالٌ عَقْلًا وَالشَّرْعُ لَا يَرِدُ بِخِلَافِ الْعَقْلِ وَلَا بِالْمُسْتَحِيلَاتِ.

وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ لَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُشْتَرَكَ حَرَّمَ تَرْكَ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ الْمُشْتَرَكِ فَالْمُحَرَّمُ تَرْكُ الْجَمِيعِ لَا وَاحِدَةٌ بِعَيْنِهَا مِنْ الْخِصَالِ فَلَا نَجِدُ نَهْيًا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ إلَّا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَجْمُوعِ لَا بِالْمُشْتَرَكِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ صَحَّ التَّخْيِيرُ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَقَعُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ لَا فِي أَصْلِ النَّهْيِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قُلْت: مَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمَجْمُوعِ النَّهْيَ عَنْ الْجَمْعِ أَوْ يُرِيدَ بِذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ الْجُمْلَةِ فَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ فَقَوْلُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْجُمْلَةِ النَّهْيُ عَنْ آحَادِهَا، وَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ الْجَمْعِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مُبْهَم وَهُوَ قَوْلُ خَصْمِهِ فَقَدْ لَزِمَهُ مَا أَنْكَرَ.

قَالَ (لَا؛ لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الْمُشْتَرَكِ) قُلْت: لَوْ كَانَ نَهْيًا عَنْ الْمُشْتَرَكِ لَزِمَ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ.

قَالَ (بَلْ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْمَجْمُوعِ يَكْفِي فِيهِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ) قُلْت: إنَّمَا يَكْفِي ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْمَجْمُوعِ الْجَمْعَ لَا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْمَجْمُوعِ الْجُمْلَةَ.

قَالَ (فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ لَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَ تَعَلَّقَ بِوَاحِدَةٍ لَا بِعَيْنِهَا بَلْ تَعَلَّقَ بِالْمَجْمُوعِ وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِوَاحِدَةٍ لَا بِعَيْنِهَا) قُلْت: قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِوَاحِدَةٍ لَا بِعَيْنِهَا إلَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ لَا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْمَجْمُوعِ الْجُمْلَةَ.

قَالَ (فَتَأَمَّلْ الْفَرْقَ فَخِلَافُهُ مُحَالٌ عَقْلًا) قُلْت: مَا اخْتَارَهُ هُوَ الْمُحَالُ عَقْلًا وَمَا خَالَفَهُ هُوَ الْجَائِزُ عَقْلًا.

قَالَ (وَالشَّرْعُ لَا يَرِدُ بِخِلَافِ الْعَقْلِ وَلَا بِالْمُسْتَحِيلَاتِ) قُلْت: ذَلِكَ صَحِيحٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَقْصُودُهُ.

قَالَ (وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ لَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُشْتَرَكَ حَرَّمَ تَرْكَ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ الْمُشْتَرَكِ) قُلْت: لَوْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُشْتَرَكَ لَمَا جَازَ تَرْكُ شَيْءٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ.

قَالَ (فَالْمُحَرَّمُ تَرْكُ الْجَمِيعِ لَا وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا مِنْ الْخِصَالِ) قُلْت: إذَا كَانَ الْمُحَرَّمُ تَرْكَ الْجَمِيعِ لَزِمَ مِنْهُ تَحْرِيمُ تَرْكِ وَاحِدَةٍ لَا بِعَيْنِهَا.

قَالَ (فَلَا تَجِدُ شَيْئًا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ إلَّا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَجْمُوعِ لَا بِالْمُشْتَرَكِ) قُلْت: قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَجْمُوعِ أَيْ بِالْجُمْلَةِ فَإِنْ كَانَ الْوُجُوبُ فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِهَا وَإِنْ كَانَ التَّحْرِيمُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَرْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِهَا.

قَالَ (فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ صَحَّ التَّخْيِيرُ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَقَعُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ لَا فِي أَصْلِ النَّهْيِ) قُلْت: قَدْ تَأَمَّلْت ذَلِكَ وَصَحَّ ذَلِكَ التَّخْيِيرُ فِي النَّهْيِ كَمَا صَحَّ فِي الْأَمْرِ وَوَقَعَ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ فِي أَصْلِ النَّهْيِ.

قَالَ (فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَجَبَ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ أَعْنِي هَذَا الْمَفْهُومَ الْكُلِّيَّ لَمْ يُخَيَّرْ فِيهِ؛ إذْ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ أَلْبَتَّةَ وَالتَّخْيِيرُ إنَّمَا هُوَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعَيَّنَاتِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ لِتَضَمُّنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا مُبْهَمًا فَلَيْسَ مَعْنَى الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ أَنَّهُ خُيِّرَ فِي نَفْسِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ كَمَا يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَلْ مَعْنَاهُ الْوَاجِبُ الَّذِي خُيِّرَ فِي أَفْرَادِهِ وَتَعَدَّدَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ أَحَدُهَا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ وَالتَّخْيِيرُ يَأْبَى كَوْنُ مُتَعَلِّقِ الْوُجُوبِ وَالتَّخْيِيرِ وَاحِدًا كَمَا لَوْ حَرَّمَ وَاحِدًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَأَوْجَبَ وَاحِدًا فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَيَّهمَا فَعَلْت حُرِّمَ الْآخَرُ وَأَيَّهُمَا تَرَكْت وَجَبَ الْآخَرُ وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ أَوْ غَيْرِ وَاجِبٍ بِهَذَا الْمَعْنَى جَائِزٌ وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ بِعَيْنِهِ وَغَيْرِ وَاجِبٍ بِعَيْنِهِ كَالصَّلَاةِ وَأَكْلِ الْخُبْزِ اهـ كَلَامُ الشِّرْبِينِيِّ.

وَكَذَلِكَ يَمْتَنِعُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُشْتَرَكِ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ الْمَأْمُورَ بِهِ أَوْ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ كَمَفْهُومِ الْخِنْزِيرِ أَوْ مَفْهُومِ الْخَمْرِ وَكَمَفْهُومِ صَوْمِ رَمَضَانَ خِلَافًا لِلْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُشْتَرَكِ تَحْرِيمُ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ كَكُلِّ خِنْزِيرٍ وَكُلِّ خَمْرٍ كَذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ الْمُشْتَرَكِ إيجَابُ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ كَكُلِّ صَوْمِ رَمَضَانَ بِعَامٍ مِنْ الْأَعْوَامِ، قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ تَحْصِيلَ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ لَزِمَ مِنْ إيجَابِ الْمُشْتَرَكِ إيجَابُ كُلِّ فَرْدٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ وَإِنَّمَا لَا يَلْزَمُ إيجَابُ كُلِّ فَرْدٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ تَحْصِيلَ شَيْءٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ اهـ. أَيْ كَإِيجَابِ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ فِي آيَتِهَا الْأَمْرَ بِذَلِكَ تَقْدِيرًا أَيْ مَعْنًى؛ إذْ هِيَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ هُوَ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِيجَابُ بَلْ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْإِيجَابُ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْهَا وَهُوَ الْمَفْهُومُ الْكُلِّيُّ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا مُبْهَمًا، فَكَوْنُ الْمَقْصُودِ تَحْصِيلَ شَيْءٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ هُوَ نَفْسُ الْوَاجِبِ لِوَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ هُوَ نَفْسَ الْوَاجِبِ وَهُوَ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُوَ نَفْسَ الْوَاجِبِ لَكَانَ هُوَ بِعَيْنِهِ مَذْهَبَ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذَلِكَ مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ لِلْفِعْلِ مِنْ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِأَنْ يَفْعَلَهُ دُونَ غَيْرِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِينَ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>