للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُمَا إجْمَاعًا فَقَدْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهَذَا خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ الْمَعْهُودِ مِنْ الْقَاعِدَةِ وَسَبَبُهُ أَنَّ التَّخْيِيرَ وَقَعَ بَيْنَ جُزْءٍ وَكُلٍّ لَا بَيْنَ أَشْيَاءَ مُتَبَايِنَةٍ.

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ عَلَى الْمُعْسِرِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ النَّظِرَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَأَنَّ الْإِبْرَاءَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ وَأَحَدُهُمَا وَاجِبٌ حَتْمًا وَهُوَ تَرْكُ الْمُطَالَبَةِ وَالْإِبْرَاءُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَالسَّبَبُ فِي هَذَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَتَضَمَّنُ النَّظِرَةَ وَتَرْكَ الْمُطَالَبَةِ فَصَارَ مِنْ بَابِ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَاعِدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا قَاعِدَةُ التَّخْيِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالثَّانِيَةُ قَاعِدَةُ أَنَّ الْوَاجِبَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَنْدُوبِ فَإِنَّ الْمَنْدُوبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُمَا إجْمَاعًا قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ وَاجِبَتَانِ جَزْمًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَيْفَ وَلَهُ تَرْكُهُمَا وَإِبْدَالُهُمَا بِأَرْبَعٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الزَّائِدَ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَمَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا فَإِنَّ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ يَجُوزُ تَرْكُهُ مُطْلَقًا وَهَذَا لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ مُطْلَقًا بَلْ يَجُوزُ عِنْدَ فِعْلِ بَدَلِهِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُمَا إجْمَاعًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ يَجُوزُ تَرْكُهُمَا عِنْدَ فِعْلِ بَدَلِهِمَا وَهُوَ الْأَرْبَعُ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ غَلَطُهُ تَوَهُّمَهُ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْمُنْفَرِدَتَيْنِ هُمَا الْمُجْتَمِعَتَانِ مَعَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعِ.

قَالَ (فَقَدْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهَذَا خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ الْمَعْهُودِ مِنْ الْقَاعِدَةِ) قُلْت: لَمْ يَقَعْ التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ فَيَحِقُّ أَنْ يَكُونَ مَا ادَّعَاهُ وَتَوَهَّمَهُ خِلَافَ الْمُتَعَارَفِ مِنْ الْقَاعِدَةِ.

قَالَ (وَسَبَبُهُ أَنَّ التَّخْيِيرَ قَدْ وَقَعَ بَيْنَ جُزْءٍ وَكُلٍّ لَا بَيْنَ أَشْيَاءَ مُتَبَايِنَةٍ) قُلْت: لَيْسَ وُقُوعُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ جُزْءٍ وَكُلٍّ سَبَبًا فِيمَا ذَكَرَ وَقَدْ سَبَقَ الْقَوْلُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ.

قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ عَلَى الْمُعْسِرِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ النَّظِرَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَأَنَّ الْإِبْرَاءَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ قُلْت: مَا قَالَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى التَّخْيِيرِ هُنَا بِوَجْهٍ أَصْلًا بَلْ النَّظِرَةُ لِلْمُعْسِرِ مُتَعَيَّنٌ وُجُوبُهَا بِنَصِّ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ. قَالَ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ لِرَبِّ الدَّيْنِ إبْرَاءُ غَرِيمِهِ مِنْهُ وَإِسْقَاطُهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا عَنْهُ تُوُهِّمَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي حَقِّ الْمُعْسِرِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ تَسْوِيغُ الْإِبْرَاءِ مِنْ الدَّيْنِ مُخْتَصًّا بِالْمُعْسِرِ.

قَالَ (وَأَحَدُهُمَا وَاجِبٌ حَتْمًا وَهُوَ تَرْكُ الْمُطَالَبَةِ) قُلْت: ذَلِكَ صَحِيحٌ وَهُوَ مَعْنَى النَّظِرَةِ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَقْصُودُهُ.

قَالَ (فَصَارَ مِنْ بَابِ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ) قُلْت: لَيْسَ مِنْ بَابِ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَلَكِنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَخْذِ عِنْدَ الْمَيْسَرَةِ أَوْ التَّرْكِ جُمْلَةً، وَلَا يُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا: إنَّهُ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ إلَّا بِنَوْعٍ مِنْ الْمَجَازِ.

قَالَ (وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَاعِدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا قَاعِدَةُ التَّخْيِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالثَّانِيَةُ قَاعِدَةُ أَنَّ الْوَاجِبَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَنْدُوبِ فَإِنَّ الْمَنْدُوبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا} [المزمل: ٣] أَيْ اُنْقُصْ مِنْ النِّصْفِ.

وَالْمُرَادُ الثُّلُثُ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى النِّصْفِ السُّدُسَ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الثُّلُثَيْنِ وَكَمَا فِي التَّخْيِيرِ الَّذِي أَجْمَعَتْ الْأَمَةُ عَلَيْهِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُعْسِرِ بَيْنَ النَّظِرَةِ وَالْإِبْرَاءِ فَإِنَّ الْإِبْرَاءَ لَمَّا كَانَ يَتَضَمَّنُ النَّظِرَةَ وَتَرْكَ الْمُطَالَبَةِ صَارَ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّظِرَةِ مِنْ بَابِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ اقْتَضَى ذَلِكَ عَدَمَ التَّسْوِيَةِ فِي الْحُكْمِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَ الْمُسَافِرَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا وَاجِبَتَانِ جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُمَا إجْمَاعًا وَبَيْنَ الزَّائِدِ عَلَيْهِمَا وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَمَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا فَوَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى خِلَافِ الْمُتَعَارَفِ الْمَعْهُودِ مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ التَّخْيِيرَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ جُزْءٍ وَكُلٍّ لَا بَيْنَ أَشْيَاءَ مُتَبَايِنَةٍ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ بَيْنَ الثُّلُثِ وَهُوَ وَاجِبٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَبَيْنَ النِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ وَهُمَا مَنْدُوبَانِ يَجُوزُ تَرْكُهُمَا وَفِعْلُهُمَا أَوْلَى فَوَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ أَقَلَّ وَأَكْثَرَ وَالْأَقَلُّ جُزْءٌ، وَأَنَّ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ وَقَعَ بِتَخْيِيرِ صَاحِبِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُعْسِرِ بَيْنَ النَّظِرَةِ أَيْ تَرْكِ الْمُطَالَبَةِ وَهُوَ وَاجِبٌ حَتْمًا وَبَيْنَ الْإِبْرَاءِ الْمُتَضَمِّنِ لِلنَّظِرَةِ وَتَرْكِ الْمُطَالَبَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ إلَّا أَنَّهُ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا:

قَاعِدَةُ التَّخْيِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالثَّانِيَةُ قَاعِدَةُ أَنَّ الْوَاجِبَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَنْدُوبِ؛ لِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ فِيمَا هُوَ بَابُ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ كَمَا عَلِمْت اهـ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ: وَالصَّحِيحُ مَا اعْتَقَدَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَسُطِّرَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ دُونَ مَا اخْتَارَهُ الْقَرَافِيُّ وَارْتَضَاهُ وَمَا قَالَهُ مِنْ كَوْنِ التَّخْيِيرِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْمُتَبَايِنَاتِ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ وَبَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَالْجُزْءِ وَالْكُلِّ لَا يُوجِبُهَا بَاطِلٌ.

أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ خُصُوصِيَّاتِ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ صَحَّ أَنَّهَا مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ وَأَنَّ حُكْمَ كُلِّ خَصْلَةٍ مِنْهَا حُكْمُ الْأُخْرَى لَمْ يَصِحَّ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا أُمُورًا مُتَبَايِنَةً وَلَا مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَإِلَّا لَوَجَبَ الْجَمِيعُ بَلْ إنَّمَا صَحَّ كَوْنُ مُتَعَلِّقِ التَّخْيِيرِ الْخُصُوصِيَّاتِ وَأَنَّ حُكْمَ إلَخْ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَهُوَ مَفْهُومُ أَحَدِ الْخِصَالِ كَمَا عَلِمْت وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَا قَالَهُ مِنْ وُجُوبِ الرَّكْعَتَيْنِ جَزْمًا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>