فِي سَبْعِ مَسَائِلَ:
الْأُولَى: إذَا تَوَضَّأَ مُجَدِّدًا ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا هَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا قَوْلَانِ وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ.
الثَّانِيَةُ: إذَا اغْتَسَلَ لِجُمُعَتِهِ نَاسِيًا لِجَنَابَتِهِ الْمَذْهَبُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَقِيلَ تُجْزِئُ.
الثَّالِثَةُ: إذَا نَسِيَ لُمْعَةً مِنْ الْغَسْلَةِ الْأُولَى فِي وُضُوئِهِ وَكَانَ غَسْلُهَا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ هَلْ تُجْزِئُهُ إذَا غَسَلَ الثَّانِيَةَ بِنِيَّةِ السُّنَّةِ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ كَالتَّجْدِيدِ.
الرَّابِعَةُ: إذَا سَلَّمَ مِنْ اثْنَيْنِ سَاهِيًا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ هَلْ تُجْزِئَاهُ عَنْ رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ.
الْخَامِسَةُ: إذَا ظَنَّ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ فَرْضِهِ فَصَلَّى بَقِيَّةَ فَرْضِهِ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ هَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ
السَّادِسَةُ: إذَا سَهَا عَنْ سَجْدَةٍ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَامَ إلَى خَامِسَةٍ سَاهِيًا هَلْ تُجْزِئُهُ عَنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي نَسِيَ مِنْهَا السَّجْدَةَ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ.
السَّابِعَةُ: إذَا نَسِيَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَقَدْ طَافَ طَوَافَ الْوَدَاعِ وَرَاحَ إلَى بَلَدِهِ أَجْزَأَهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ.
فَهَذَا هُوَ الَّذِي رَأَيْته وَقَعَ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا قَاعِدَةُ تَعَيُّنِ الْوَاجِبِ فَلَيْسَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَتَحْرِيرُهُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يُعْتَقَدُ أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالْعَبْدَ وَالْمُسَافِرَ وَنَحْوَهُمْ لَمَّا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ فَإِذَا حَضَرُوهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُمْ مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فَهَذَا الَّذِي رَأَيْته وَقَعَ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي الْمَذْهَبِ) قُلْت إجْزَاءُ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ خِلَافُ الْأَصْلِ كَمَا. قَالَ وَذَكَرَ مَا وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ ذَلِكَ وَفِيهِ قَوْلَانِ مَسْأَلَةُ الْمُجَدِّدِ وَالْمُغْتَسِلِ لِلْجُمُعَةِ نَاسِيًا لِلْجَنَابَةِ وَنَاسِي اللُّمْعَةِ مِنْ الْغَسْلَةِ الْأُولَى وَهَذِهِ الثَّلَاثُ مَسَائِلَ مِنْ الطَّهَارَةِ، وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ لَا يَكُونَ الْقَائِلُ بِالْإِجْزَاءِ فِي هَذِهِ بَنَى قَوْلَهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ بَلْ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوقِعِينَ لِهَذِهِ الطِّهَارَاتِ إنَّمَا أَرَادَ بِهَا إحْرَازَ كَمَالِهَا، وَالْكَمَالُ فِي رَأْيِهِ يَتَضَمَّنُ الْإِجْزَاءَ بِخِلَافِ رَأْيِ غَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْكَمَالَ لَا يَتَضَمَّنُ الْإِجْزَاءَ فَيَكُونُ الْخِلَافُ فِي الْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَلَا تَكُونُ ثَلَاثُ مَسَائِلَ مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ الْقَائِلُ أَيْضًا بِالْإِجْزَاءِ بَنَى قَوْلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ بَلْ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَعْيِينُ نِيَّةِ الْفَرْضِ وَلَا نِيَّةِ النَّفْلِ فَلَا يَكُونُ عَلَى هَذَا مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُسَلِّمِ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَالظَّانُّ أَنَّهُ سَلَّمَ فَمِنْ ذَلِكَ أَعْنِي مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَأَمَّا السَّادِسَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ السَّاهِي عَنْ سَجْدَةٍ مِنْ الْأُولَى الْقَائِمِ إلَى خَامِسَةٍ فَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ إنَّمَا قَامَ فِي الْخَامِسَةِ لِأَدَاءِ بَقِيَّةِ فَرْضِهِ فِيمَا يَعْتَقِدُ، وَأَمَّا السَّابِعَةُ وَهِيَ نَاسِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَمِنْ تِلْكَ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا قَوْلَيْنِ وَهِيَ مَحَلٌّ لِاحْتِمَالِ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (وَأَمَّا قَاعِدَةُ تَعَيُّنِ الْوَاجِبِ) فَلَيْسَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ إلَى قَوْلِهِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَالْغَنَاءِ أَيْ النَّفْعِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْجِهَادُ حَيْثُ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْقِيَامُ بِهِ عَلَى مَنْ فِيهِ نَجْدَةٌ وَشَجَاعَةٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْخُطَطِ الشَّرْعِيَّةِ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُطْلَبَ بِهَا مَنْ لَا يُبْدِي فِيهَا وَلَا يُعِيدُ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُكَلَّفِ وَمِنْ بَابِ الْعَبَثِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَصْلَحَةِ الْمُجْتَلَبَةِ أَوْ الْمَفْسَدَةِ الْمُسْتَدْفَعَةِ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ شَرْعًا وَالثَّالِثُ مَا وَقَعَ مِنْ فَتَاوَى الْعُلَمَاءِ وَمَا وَقَعَ أَيْضًا فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، فَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ «عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قَالَ لِأَبِي ذَرٍّ يَا أَبَا ذَرٍّ إنِّي أَرَاك ضَعِيفًا وَإِنِّي أُحِبُّ لَك مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ» وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ نَهَاهُ عَنْهُمَا فَلَوْ فُرِضَ إهْمَالُ النَّاسِ لَهُمَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ بِدُخُولِ أَبِي ذَرٍّ فِي حَرَجِ الْإِهْمَالِ وَلَا مَنْ كَانَ مِثْلَهُ وَفِي الْحَدِيثِ «لَا تَسْأَلُ الْإِمَارَةَ» .
وَهَذَا النَّهْيُ يَقْتَضِي أَنَّهَا غَيْرُ عَامَّةِ الْوُجُوبِ وَنَهَى أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بَعْضَ النَّاسِ عَنْ الْإِمَارَةِ فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ فَجَاءَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ: نَهَيْتنِي عَنْ الْإِمَارَةِ ثُمَّ وُلِّيت، فَقَالَ لَهُ: وَأَنَا الْآنَ أَنْهَاك عَنْهَا وَاعْتَذَرَ لَهُ عَنْ وِلَايَتِهِ هُوَ بِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا، وَرُوِيَ أَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي أَنْ يَقُصَّ فَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْقَصَصِ الَّذِي طَلَبَهُ تَمِيمٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ مَطْلُوبَاتِ الْكِفَايَةِ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعَلَى هَذَا الْمَهِيعِ جَرَى الْعُلَمَاءُ فِي تَقْرِيرِ كَثِيرٍ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَقَدْ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ أَفَرْضٌ هُوَ فَقَالَ أَمَّا عَلَى كُلِّ النَّاسِ فَلَا يَعْنِي بِهِ الزَّائِدُ عَلَى الْفَرْضِ الْعَيْنِيِّ.
وَقَالَ أَيْضًا: أَمَّا مَنْ كَانَ فِيهِ مَوْضِعٌ لِلْإِمَامَةِ فَالِاجْتِهَادُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَالْأَخْذُ فِي الْعِنَايَةِ بِالْعِلْمِ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ فِيهِ فَأَنْتَ تَرَاهُ قَسَّمَ فَجَعَلَ مَنْ فِيهِ قَبُولِيَّةً لِلْإِمَامَةِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا جَعَلَهُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى كُلِّ النَّاسِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ مِنْ كَانَ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ وَتَقْلِيدِ الْعُلُومِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١٠٤] وَمَنْ لَا يَعْرِفُ الْمَعْرُوفَ كَيْفَ يَأْمُرُ بِهِ أَوْ لَا يَعْرِفُ الْمُنْكَرَ كَيْفَ يَنْهَى عَنْهُ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَمْرُ فِي هَذَا الْمَعْنَى