الْوَاجِبَ عَلَى تَقْدِيرِ دَوَرَانِ الْحَوْلِ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّطَوُّعَ وَإِذَا قَصَدَ بِهِ الْوَاجِبَ فِي الْمَآلِ فَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَّا وَاجِبٌ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ فِي الْوَاجِبِ الْمُوسِعِ بِآخِرِ الْوَقْتِ وَفِعْلُ الْمُعَجَّلِ قَبْلَ ذَلِكَ نَفْلٌ يَسُدُّ مَسَدَّ الْفَرْضِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ فَقَالَ الْأَصْحَابُ لَهُمْ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ لَصَحَّ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيُجْزِئُ عَنْهُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَيَكُونُ نَفْلًا سَدَّ مَسَدَّ الْفَرْضِ وَأَجْزَأَ عَنْهُ بَعْدَ طَرَيَانِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَكَذَلِكَ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ لِانْحِصَارِ الْوُجُوبِ عِنْدَكُمْ فِي آخِرِ الْقَامَةِ فَمَا وَقَعَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ سَوَاءٌ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ وَاجِبٍ، فَإِذَا أَجْزَأَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْوَاجِبِ وَجَبَ أَنْ يُجْزِئَ الْآخَرُ عَنْ الْوَاجِبِ، فَإِذَا قُلْتُمْ قَدْ قَصَدَ بِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ آخِرِ الْوَقْتِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّطَوُّعَ قُلْنَا: وَكَذَلِكَ يَقْصِدُ بِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَيُجْزِئُ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.
وَهَذَا السُّؤَالُ قَوِيٌّ جِدًّا فِي بَادِئِ الرَّأْيِ غَيْرَ أَنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ الزَّوَالِ إذَا قَصَدَ بِهَا الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ آخِرِ الْقَامَةِ إنَّمَا وِزَانُهُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ وَيَنْوِي بِهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَدَوَرَانِ الْحَوْلِ وَهَذَا لَا يُجْزِئُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ إيقَاعُ الْفِعْلِ قَبْلَ سَبَبِهِ وَوِزَانُ مَسْأَلَتِنَا الْإِخْرَاجُ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَقَبْلَ الْحَوْلِ؛ فَإِنَّ النِّصَابَ سَبَبٌ وَالزَّوَالُ أَيْضًا سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ آخِرَ الْقَامَةِ كَمَا أَنَّ النِّصَابَ سَبَبُ الْوُجُوبِ بَعْدَ الْحَوْلِ فَالصَّلَاةُ قَبْلَ الزَّوَالِ إنَّمَا وِزَانُهَا الْإِخْرَاجُ قَبْلَ النِّصَابِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَنْوِي بِهَا الْوَاجِبَ فِي الْمَآلِ فِي أَنَّهُ تَقَدَّمَ عَلَى الْأَسْبَابِ مُطْلَقًا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي أَنَّهُ بَعْدَ السَّبَبِ فَلَا يَلْزَمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ مَا أَوْقَعَهُ الْمُصَلِّي نَفْلًا مُطْلَقًا لَا يَجِبُ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ بَلْ مَا يَجِبُ فِي الْمَآلِ وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ أَيْضًا بَيْنَ صَلَاتِهِ هَذِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) زَكَاةُ الْفِطْرِ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِيَوْمٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ عِنْدَنَا وَتُجْزِئُ عَنْ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ إذَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ سَبَبِهَا وَلَوْ أَخْرَجَ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ لَمْ تُجْزِئْ عَنْهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَخْرَجَهَا بِنِيَّةِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ طَرَيَان السَّبَبِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ فَلَمْ تُجْزِئْ عَنْهُ، فَإِنْ قُلْت فَهَذَا وَاجِبٌ تَقَدَّمَ عَلَى سَبَبِهِ فَإِنَّ سَبَبَ وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ غُرُوبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ رَمَضَانَ أَوْ طُلُوعُ الْفَجْرِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَالْإِخْرَاجُ قَبْلَ ذَلِكَ إخْرَاجٌ قَبْلَ السَّبَبِ وَهُوَ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ وَالْإِخْرَاجُ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ لَا يُجْزِئُ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا تُجْزِئَ الزَّكَاةُ الْمُخْرَجَةُ هُنَا. قُلْت: سُؤَالٌ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ لَهَا تَعَلُّقٌ بِصَوْمِ رَمَضَانَ فَهِيَ جَابِرَةٌ لِمَا عَسَاهُ اخْتَلَّ عَنْهُ بِالرَّفَثِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ النَّقْصِ كَمَا أَنَّ السُّجُودَ فِي السَّهْوِ جَابِرٌ لِمَا نَقَصَ مِنْ الصَّلَاةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الصَّوْمُ فَيَكُونُ إخْرَاجُهَا بَعْدَ أَحَدِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ وَلِذَا قَالَ فَافْهَمْ بِصُورَةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مُحْتَوٍ عَلَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ مِنْ الْحَجِّ وَقَعَتْ فِي الْمَذْهَبِ أَيْضًا عَلَى قَوْلَيْنِ بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ مِنْهُمَا هُنَا الْإِجْزَاءُ ذَكَرَ الْأَصْلُ مِنْهَا وَاحِدَةً.
الْأُولَى: إذَا نَسِيَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَقَدْ طَافَ طَوَافَ الْوَدَاعِ وَرَاحَ إلَى بَلَدِهِ أَجْزَأَهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ كَذَا فِي الْأَصْلِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا قَوْلَيْنِ وَهِيَ مَحَلٌّ لِاحْتِمَالِ الْخِلَافِ اهـ. قُلْت: وَقَدْ صَرَّحَ بِالْخِلَافِ فِيهَا كَغَيْرِهَا وَأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْهُمَا الْإِجْزَاءُ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ الزَّوَاوِيِّ وَيُجْزِئُ فِي الْمَشْهُورِ مَنْ طَافَ عِنْدَهُمْ طَوَافَ وَدَاعٍ ذَاهِلًا عَنْ إفَاضَةٍ الثَّانِيَةُ أَشَارَ إلَيْهَا أَبُو الْعَبَّاسِ الزَّوَاوِيُّ بِقَوْلِهِ:
وَذُو مُتْعَةٍ قَدْ سَاقَ هَدْيَ تَطَوُّعٍ ... فَيُجْزِئُ قَدْ قَالُوا لِوَاجِبِ مُتْعَةِ
يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَمِرَ إذَا سَاقَ هَدْيَ التَّطَوُّعِ فِي عُمْرَتِهِ فَلَمَّا حَلَّ مِنْهَا وَجَبَ نَحْرُهُ إلَّا إنْ أَخَّرَهُ لِيَوْمِ النَّحْرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ وَصَارَ مُتَمَتِّعًا فَإِنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ يُجْزِئُهُ عَنْ مُتْعَتِهِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ عِنْدَ سَوْقِهِ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ فِي مُتْعَتِهِ عَلَى تَأْوِيلِ سَنَدٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا أَجْزَأَ عَنْ قِرَانِهِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى تَوْضِيحِ الْمَنَاسِكِ لِلْوَالِدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
الثَّالِثَةُ: أَشَارَ لَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ الزَّوَاوِيُّ بِقَوْلِهِ:
وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إذَا رَمَى ... جِمَارَ السَّهْوِ لَا يُعِيدُ لِجَمْرَةِ
أَيْ إذَا نَسِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ثُمَّ رَمَاهَا سَاهِيًا كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ أَيْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ كَمَا فِي كَبِيرِ مَيَّارَةَ عَلَى ابْنِ عَاشِرٍ قُلْت وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ شَيْخِنَا فِي حَاشِيَتِهِ كَمَا أَجْزَأَ أَيْ هَدْيُ التَّطَوُّعِ عَنْ قِرَانِهِ زِيَادَةُ مَسْأَلَةٍ رَابِعَةٍ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَنَظَمْتهَا فِي بَيْتٍ يَلْحَقُ بِنَظْمِ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِي:
وَزِدْ قَارِنًا يُجْزِئُهُ هَدْيُ تَطَوُّعٍ ... بِوَاجِبِ هَدْيٍ لِلْقِرَانِ كَمُتْعَةِ
وَمِنْ هُنَا اُشْتُهِرَ أَنَّ تَطَوُّعَاتِ الْحَجِّ تُجْزِئُ عَنْ وَاجِبِ جِنْسِهَا فَتَكُونَ جُمْلَةُ النَّظَائِرِ اثْنَيْ عَشْرَ مَسْأَلَةً أَرْبَعَةٌ مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ شُذُوذًا عَلَى احْتِمَالٍ وَأَرْبَعَةٌ مِنْ ذَلِكَ شُذُوذًا بِدُونِ احْتِمَالٍ وَأَرْبَعَةٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَمَا عَدَا هَذِهِ النَّظَائِرَ فَهُوَ جَارٍ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ اتِّفَاقًا