للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَبَبَيْهَا الَّذِي هُوَ الْخَلَلُ الْوَاقِعُ فِي الصَّوْمِ وَالْحُكْمُ إذَا تَوَسَّطَ بَيْنَ سَبَبَيْهِ أَوْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ بِخِلَافِ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِمَا وَفِي الْإِخْرَاجِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا فَلَا جَرَمَ لَمْ يُجْزِئْ وَهَاهُنَا تَوَسَّطَ وَهُوَ سَبَبُ الْإِجْزَاءِ فَظَهَرَ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَآلِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ أَبْعَدُ فِي الْإِجْزَاءِ عَنْ الْوَاجِبِ مِنْ إجْزَاءِ الثَّانِي عَنْ الْوَاجِبِ.

(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُحَقَّقًا يَقْتَضِي الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِكِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُقَدَّرًا لَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِكِ)

وَذَلِكَ أَنَّ الْمِلْكَ الْمُحَقَّقَ هُوَ أَنْ يُحَقَّقَ تَنَافِيهِ بِإِجْلَالِ الْآبَاءِ وَاحْتِرَامِ الْأَبْنَاءِ فَيُعْتَقُ الْأَبْنَاءُ وَالْآبَاءُ بِهِ وَغَيْرُهُمْ فِيهِ الْخِلَافُ فَمَنْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ فَقِبَلَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكًا مُحَقَّقًا فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا إنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَنْ كَفَّارَةٍ عَلَيَّ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِك فَأَعْتَقَ عَنْهُ أَبَا الطَّالِبِ لِلْعِتْقِ الَّذِي عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْعِتْقَ يَصِحُّ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ الْعِتْقِ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ فَلِأَجْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَثُبُوتِ الْوَلَاءِ يَتَعَيَّنُ تَقْدِيرُ الْمِلْكِ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ قَبْلَ صُدُورِ الْعِتْقِ فِي الزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى يَكُونَ الْعِتْقُ فِي مِلْكٍ لَهُ فَتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَيَصِيرَ الْوَلَاءُ لَهُ بِمُقْتَضَى الْعِتْقِ فِي مِلْكِهِ فَهَذَا مِلْكٌ مُقَدَّرٌ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ لِضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ لَا إنَّهُ مِلْكٌ مُحَقَّقٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْمِلْكِ الْمُقَدَّرِ هُوَ أَنَّ بِالْمَمْلُوكِ مِنْ جِهَةِ مَنْ قُدِّرَ الْمِلْكُ لَهُ فَإِنَّ الْوَاقِعَ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَإِنَّمَا الشَّرْعُ أَعْطَى هَذَا الْمِلْكَ الْمَعْدُومَ حُكْمَ الْمَوْجُودِ وَالْوَاقِعُ الْمُحَقَّقُ عَدَمُ الْمِلْكِ فَلَا جَرَمَ لَا يَلْزَمُ بِهَذَا الْمِلْكِ الْمُقَدَّرِ عِتْقٌ بَلْ يَقَعُ عِتْقُ وَالِدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَتُجْزِئُ عَنْهُ، وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ لَمْ يُجْزِئْ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ عِتْقَهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ الْعَتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يُجْزِئُ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ.

(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَقْدِيرِ ارْتِفَاعِهَا) هَاتَانِ الْقَاعِدَتَانِ تَلْتَبِسَانِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْفُضَلَاءِ مَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى قَاعِدَةُ امْتِنَاعٍ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُحَقَّقًا يَقْتَضِي الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِكِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُقَدَّرًا لَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِكِ إلَى آخِرِهِ)

قُلْت: هَذَا الْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى لُزُومِ تَقْدِيرِ الْمِلْكِ فِيمَا مَثَّلَ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَقْدِيرَ الْمِلْكِ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِاللَّازِمِ فَلَا مَانِعَ مِنْ إجْزَاءِ الْعِتْقِ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مِلْكِهِ لِمَنْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ.

قَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَقْدِيرِ ارْتِفَاعِهَا إلَى آخِرِهِ) قُلْت: جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فَلَوْ صَلَّى الْإِنْسَانُ أَلْفَ رَكْعَةٍ مَا أَجْزَأَتْ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ دَفَعَ أَلْفَ دِينَارٍ صَدَقَةً مَا أَجْزَأَتْ عَنْ دِينَارِ الزَّكَاةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَمِنْ هُنَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا صَلَّى الصَّبِيُّ بَعْدَ الزَّوَالِ ثُمَّ بَلَغَ فِي الْقَامَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ مَرَّةً أُخْرَى؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ وُجِدَ فِي حَقِّهِ وَهُوَ مَا قَارَنَهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ فِي زَمَنِ بُلُوغِهِ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهُوَ مَا أَوْقَعَهُ أَوَّلًا لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ الَّذِي تَوَجَّهَ عَلَيْهِ ثَانِيًا وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ ظَرْفٌ لِلْوُجُوبِ وَسَبَبٌ لِلْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ فَالْجُزْءُ الْأَوَّلُ الَّذِي قَارَنَهُ شَرْطُ النَّدْبِ الَّذِي هُوَ الصِّبَا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ سَبَبُ الْفِعْلِ نَدْبًا لَا وُجُوبًا وَالْجُزْءُ الَّذِي قَارَنَهُ بَعْدَ شَرْطِ الْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الْبُلُوغُ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ مَثَلًا إنَّمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَبَبًا لِوُجُوبِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ فَعَلَهَا فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ صَلَاةً أُخْرَى لَكَانَ الزَّوَالُ سَبَبًا لِوُجُوبِ صَلَاتَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ لَا يُرَدُّ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الزَّوَالَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِصَلَاتَيْنِ فِي كُلِّ صُورَةٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُصَادَرَةً عَلَى صُورَةِ النِّزَاعِ وَإِمَّا أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ فِيمَا عَدَا صُورَةَ النِّزَاعِ فَلَا يُمْكِنُهُ إلْحَاقُ صُورَةِ النِّزَاعِ بِصُورَةِ الْإِجْمَاعِ إلَّا بِالْقِيَاسِ.

فَإِذَا قَاسَ فَرَّقْنَا بِأَنَّ صُورَةَ النِّزَاعِ وُجِدَ فِيهَا حَالَتَانِ تَقْتَضِيَانِ النَّدْبَ وَالْوُجُوبَ وَهُمَا الصِّبَا وَالْبُلُوغُ وَلَيْسَ فِي صُورَةِ الْإِجْمَاعِ إلَّا حَالَةٌ وَاحِدَةٌ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ هِيَ الْبُلُوغُ فَاتَّحَدَتْ الصَّلَاةُ فِي صُورَةِ الْإِجْمَاعِ لِاتِّحَادِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْبُلُوغُ وَتَعَدَّدَتْ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ لِتَعَدُّدِ الشَّرْطِ وَاخْتِلَافِهِ فَلِذَا جَازَ فِيهَا اخْتِلَافُ الْمَشْرُوطِ الَّذِي هُوَ الصَّلَاتَانِ بِاخْتِلَافِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الصِّبَا الشَّرْطُ فِي تَوَجُّهِ النَّدْبِ وَالْبُلُوغِ الشَّرْطُ فِي تَوَجُّهِ الْوُجُوبِ وَأَمَّا الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا خُصُوصَ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ قِبَلِ الْآمِرِ لَمْ يَكُنْ إجْزَاءُ الْجُمُعَةِ عَنْ الظُّهْرِ مَثَلًا لِنَحْوِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ إذَا حَضَرُوهَا مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِمْ بِعَيْنِهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ بَلْ هُوَ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ إتْيَانِ الْمَأْمُورِ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ لَا بِغَيْرِهِ إذْ الْوُجُوبُ هُنَا مُتَعَلِّقٌ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ إمَّا الظُّهْرُ وَإِمَّا الْجُمُعَةُ فَإِذَا أَحْرَمَ كُلٌّ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ بِالْجُمُعَةِ فَقَدْ أَحْرَمَ بِإِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ وَعُيِّنَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ الَّذِي عَلَّقَ الْآمِرُ بِهِ الْوُجُوبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>