للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَالِقٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ. قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ إنَّهَا إخْبَارَاتٌ عَلَى أَصْلِهَا اللُّغَوِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ إنَّهَا إنْشَاءَاتٌ مَنْقُولَةٌ عَنْ الْخَبَرِ إلَيْهِ احْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِأُمُورٍ:

(أَحَدُهَا) أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا لَكَانَتْ كَاذِبَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَمْ يُطَلِّقْ، وَالْكَذِبُ لَا عِبْرَةَ بِهِ لَكِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ إخْبَارًا بَلْ إنْشَاءٌ لِحُصُولِ لَوَازِمِ الْإِنْشَاءِ فِيهَا مِنْ اسْتِتْبَاعَاتِهِ لِمَدْلُولَاتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَازِمِ.

(وَثَانِيهَا) أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا لَكَانَتْ إمَّا كَاذِبَةً وَلَا عِبْرَةَ بِهَا أَوْ صَادِقَةً فَتَكُونُ مُتَوَقِّفَةً عَلَى تَقَدُّمِ أَحْكَامِهَا فَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ تَتَوَقَّفَ عَلَيْهَا أَيْضًا فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ أَوْ لَا تَتَوَقَّفَ عَلَيْهَا فَيَلْزَمُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ، وَهُوَ سَاكِتٌ وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.

(وَثَالِثُهَا) أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ خَبَرًا عَنْ الْمَاضِي أَوْ الْحَاضِرِ وَحِينَئِذٍ يَتَعَذَّرُ تَعْلِيقُهَا عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الشَّرْطِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ أَوْ خَبَرٍ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ وَحِينَئِذٍ لَا يَزِيدُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ، وَهُوَ لَوْ صَرَّحَ وَقَالَ لِامْرَأَتِهِ سَتَصِيرِينَ طَالِقًا لَمْ تَطْلُقْ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَكَذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ.

(وَرَابِعُهَا) أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ أُخْرَى مَعَ أَنَّ إخْبَارَهُ صَادِقٌ بِاعْتِبَارِ الطَّلْقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى طَلْقَةٍ أُخْرَى لَكِنْ لَمَّا لَزِمَهُ طَلْقَةٌ أُخْرَى دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مُنْشِئَةٌ لِلطَّلَاقِ.

(وَخَامِسُهَا) قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] وَالْأَمْرُ بِالطَّلَاقِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى التَّحْرِيمِ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامُهُ النَّفْسَانِيُّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَسْبٌ وَلَا اخْتِرَاعٌ فَتَعْيِينُ صَرْفِهِ لِأَمْرٍ آخَرَ يَقْتَضِيهِ وَيَسْتَلْزِمُهُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

طَالِقٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ إنَّهَا إخْبَارَاتٌ عَلَى أَصْلِهَا اللُّغَوِيِّ.

وَقَالَ غَيْرُهُمْ إنَّهَا إنْشَاءَاتٌ مَنْقُولَةٌ عَنْ الْخَبَرِ إلَيْهِ احْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِأُمُورٍ أَحَدُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا لَكَانَتْ كَاذِبَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَمْ يُطَلِّقْ. وَالْكَذِبُ لَا عِبْرَةَ بِهِ لَكِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ إخْبَارًا بَلْ إنْشَاءٌ لِحُصُولِ لَوَازِمِ الْإِنْشَاءِ فِيهَا مِنْ اسْتِتْبَاعِهَا لِمَدْلُولَاتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَازِمِ وَثَانِيهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا لَكَانَتْ إمَّا كَاذِبَةً وَلَا عِبْرَةَ بِهَا أَوْ صَادِقَةً فَتَكُونُ مُتَوَقِّفَةً عَلَى تَقَدُّمِ أَحْكَامِهَا، وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ تَتَوَقَّفَ عَلَيْهَا أَيْضًا فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ أَوْ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا فَيَلْزَمُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ. وَهُوَ سَاكِتٌ وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَثَالِثُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ خَبَرًا عَنْ الْمَاضِي أَوْ الْحَاضِرِ، وَحِينَئِذٍ يَتَعَذَّرُ تَعْلِيقُهَا عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الشَّرْطِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ أَوْ خَبَرٍ عَنْ مُسْتَقْبَلٍ، وَحِينَئِذٍ لَا يَزِيدُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ وَهُوَ لَوْ صَرَّحَ وَقَالَ لِامْرَأَتِهِ سَتَصِيرِينَ طَالِقًا لَمْ تَطْلُقْ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَكَذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ وَرَابِعُهَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ أُخْرَى مَعَ أَنَّ إخْبَارَهُ صَادِقٌ بِاعْتِبَارِ الطَّلْقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى طَلْقَةٍ أُخْرَى لَكِنْ لَمَّا لَزِمَهُ طَلْقَةٌ أُخْرَى دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مُنْشِئَةٌ لِلطَّلَاقِ، وَخَامِسُهَا قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] وَالْأَمْرُ بِالطَّلَاقِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى التَّحْرِيمِ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامُهُ النَّفْسَانِيُّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَسْبٌ وَلَا اخْتِرَاعٌ فَتَعَيَّنَ صَرْفُهُ لِأَمْرٍ آخَرَ يَقْتَضِيهِ وَيَسْتَلْزِمُهُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَلِأَنَّ جَوَازَ الْإِضْمَارِ فِي الْكَلَامِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَالنَّقْلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ أَوْلَى وَمَتَى كَانَ الْمَدْلُولُ مُقَدَّرًا قَبْلَ الْخَبَرِ كَانَ الْخَبَرُ صَادِقًا فَلَا يَلْزَمُ الْكَذِبُ وَلَا النَّقْلُ لِلْإِنْشَاءِ، وَبَقِيَتْ إخْبَارَاتٌ عَلَى مَوْضُوعَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ وَعَمِلْنَا بِالْأَصْلِ فِي عَدَمِ النَّقْلِ، وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمُوهُ وَفِيهِ نَظَرٌ بِوَجْهَيْنِ

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ بِنَاءَهُ عَلَى إلْجَاءِ ضَرُورَةِ صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا إلَى تَقْدِيرِ تَقَدُّمِ مَدْلُولَاتِهَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ صِدْقَ الْمُتَكَلِّمِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ خَبَرٌ وَهُوَ مَحِلُّ النِّزَاعِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْإِضْمَارِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ضَرُورَةً أَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ مَا لَمْ يَقَعْ، ثُمَّ إضْمَارِهِ أَوْ إلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ دُونَ إضْمَارِهِ، وَتَقْدِيرُ وُقُوعِ مَا لَمْ يَقَعْ لَيْسَ هُوَ الْإِضْمَارُ

وَثَانِيهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا لَكَانَتْ إمَّا كَاذِبَةً وَلَا عِبْرَةَ بِهَا أَوْ صَادِقَةً فَتَكُونُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى تَقَدُّمِ أَحْكَامِهَا فَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ تَتَوَقَّفَ عَلَيْهَا أَيْضًا فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ أَوْ لَا تَتَوَقَّفَ عَلَيْهَا فَيَلْزَمُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ، وَهُوَ سَاكِتٌ وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.

وَأَجَابَ الْأَحْنَافُ بِأَنَّ الدَّوْرَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ النُّطْقَ بِاللَّفْظِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ وَبَعْدَهُ يُقَدَّرُ تَقَدُّمُ الْمَدْلُولِ وَبَعْدَ تَقْدِيرِ الْمَدْلُولِ يَحْصُلُ الصِّدْقُ وَيَلْزَمُ الْحُكْمُ فَالصِّدْقُ مُتَوَقِّفٌ مُطْلَقًا عَلَى التَّقْدِيرِ وَالْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ التَّقْدِيرُ مُطْلَقًا اللَّفْظُ، فَالثَّلَاثَةُ أُمُورٌ مُتَرَتِّبَةٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ تَرَتُّبَ الِابْنِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا هُوَ قَبْلَ الْآخَرِ وَبَعْدَهُ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بَعْدَ تَقْدِيرِ الْمَدْلُولِ إلَّا تَقْدِيرُ الصِّدْقِ إذْ كَيْفَ تَحْصُلُ حَقِيقَةُ الصِّدْقِ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ مَا لَمْ يَقَعْ.

وَثَالِثُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ خَبَرًا عَنْ الْمَاضِي أَوْ الْحَاضِرِ فَيَتَعَذَّرُ تَعْلِيقُهَا عَنْ الشَّرْطِ حِينَئِذٍ إذْ مِنْ شَرْطِ الشَّرْطِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِمُسْتَقْبَلٍ أَوْ تَكُونُ خَبَرًا عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهَا عَلَى الشَّرْطِ لَكِنْ لَا يَزِيدُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ حِينَئِذٍ، وَهُوَ لَوْ صَرَّحَ وَقَالَ لِامْرَأَتِهِ سَتَصِيرِينَ طَالِقًا لَمْ تَطْلُقُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَكَذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ.

وَأَجَابَ الْأَحْنَافُ بِالْتِزَامِ أَنَّهَا إخْبَارَاتٌ عَنْ الْمَاضِي وَمُنِعَ تَعَذُّرُ التَّعْلِيقِ عَنْ الْمَاضِي مُطْلَقًا بَلْ عَلَى خُصُوصِ الْمَاضِي الْمُحَقَّقِ لَا الْمُقَدَّرِ كَمَا هُنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى التَّعْلِيقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>