للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَوْفِيَةً بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الطَّلَبِ، وَمَا ذَلِكَ إلَّا قَوْلُ الْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا التَّحْرِيمُ وَلَا نَعْنِي بِكَوْنِهَا إنْشَاءً إلَّا ذَلِكَ.

(وَسَادِسُهَا) أَنَّ الْإِنْشَاءَ هُوَ الْمُتَبَادَرُ فِي الْعُرْفِ إلَى الْفَهْمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَنْقُولًا إلَيْهِ كَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ، وَالْجَوَابُ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا أَنْ لَوْ لَمْ يُقَدِّرْ فِيهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ تَقَدُّمَ مَدْلُولَاتِهَا قَبْلَ النُّطْقِ بِهَا بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا لَكِنْ الْإِضْمَارُ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَلِأَنَّ جَوَازَ الْإِضْمَارِ فِي الْكَلَامِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَالنَّقْلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ أَوْلَى وَمَتَى كَانَ الْمَدْلُولُ مُقَدَّرًا قَبْلَ الْخَبَرِ كَانَ الْخَبَرُ صَادِقًا، فَلَا يَلْزَمُ الْكَذِبُ وَلَا النَّقْلُ لِلْإِنْشَاءِ، وَبَقِيَتْ إخْبَارَاتٌ عَلَى مَوْضُوعَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ وَعَمِلْنَا بِالْأَصْلِ فِي عَدَمِ النَّقْلِ وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمُوهُ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الدَّوْرَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ النُّطْقَ بِاللَّفْظِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ، وَبَعْدَهُ يُقَدَّرُ تَقَدُّمُ الْمَدْلُولِ وَبَعْدَ تَقْدِيرِ الْمَدْلُولِ يَحْصُلُ الصِّدْقُ وَيَلْزَمُ الْحُكْمُ، فَالصِّدْقُ مُتَوَقِّفٌ مُطْلَقًا وَاللَّفْظُ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَالتَّقْدِيرُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى النُّطْقِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّدْقُ فَهَهُنَا ثَلَاثَةُ أُمُورٍ مُتَرَتِّبَةٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا هُوَ قَبْلَ الْآخَرِ وَبَعْدَهُ حَتَّى يَلْزَمَ الدَّوْرُ بَلْ هِيَ كَالِابْنِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّوَقُّفِ فَانْدَفَعَ الدَّوْرُ.

وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّا نَلْتَزِمُ أَنَّهَا إخْبَارَاتٌ عَنْ الْمَاضِي، وَلَا يَتَعَذَّرُ التَّعْلِيقُ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمَاضِيَ لَهُ تَفْسِيرٌ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَاضٍ تَقَدَّمَ مَدْلُولُهُ قَبْلَ النُّطْقِ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ فَهَذَا يَتَعَذَّرُ تَعْلِيقُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّعْلِيقِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

تَوْفِيَةً بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الطَّلَبِ، وَمَا ذَلِكَ إلَّا قَوْلُ الْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا التَّحْرِيمُ. وَلَا نَعْنِي بِكَوْنِهَا إنْشَاءً إلَّا ذَلِكَ، وَسَادِسُهَا أَنَّ الْإِنْشَاءَ هُوَ الْمُتَبَادِرُ فِي الْعُرْفِ إلَى الْفَهْمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَنْقُولًا إلَيْهِ كَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ.

وَالْجَوَابُ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا إنْ لَوْ لَمْ يُقَدِّرْ فِيهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ تَقَدُّمَ مَدْلُولَاتِهَا قَبْلَ النُّطْقِ بِهَا بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا لَكِنْ الْإِضْمَارُ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَلِأَنَّ جَوَازَ الْإِضْمَارِ فِي الْكَلَامِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَالنَّقْلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ أَوْلَى. وَمَتَى كَانَ الْمَدْلُولُ مُقَدَّرًا قَبْلَ الْخَبَرِ كَانَ الْخَبَرُ صَادِقًا فَلَا يَلْزَمُ الْكَذِبُ وَلَا النَّقْلُ لِلْإِنْشَاءِ وَبَقِيَتْ إخْبَارَاتٌ عَلَى مَوْضُوعَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ وَعَمِلْنَا بِالْأَصْلِ فِي عَدَمِ النَّقْلِ، وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمُوهُ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الدَّوْرَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ النُّطْقَ بِاللَّفْظِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ وَبَعْدَهُ يُقَدَّرُ تَقَدُّمُ الْمَدْلُولِ وَبَعْدَ تَقْدِيرِ الْمَدْلُولِ يَحْصُلُ الصِّدْقُ، وَيَلْزَمُ الْحُكْمُ فَالصِّدْقُ مُتَوَقِّفٌ مُطْلَقًا وَاللَّفْظُ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَالتَّقْدِيرُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى النُّطْقِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّدْقُ فَهَهُنَا ثَلَاثَةُ أُمُورٍ مُتَرَتِّبَةٌ بَعْضُهَا بَعْدَ بَعْضٍ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا هُوَ قَبْلَ الْآخَرِ وَبَعْدَهُ حَتَّى يَلْزَمَ الدَّوْرُ بَلْ هِيَ كَالِابْنِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّوَقُّفِ فَانْدَفَعَ الدَّوْرُ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّا نَلْتَزِمُ أَنَّهَا إخْبَارَاتٌ عَنْ الْمَاضِي وَلَا يَتَعَذَّرُ التَّعْلِيقُ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمَاضِيَ لَهُ تَفْسِيرٌ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَاضٍ تَقَدَّمَ مَدْلُولُهُ قَبْلَ النُّطْقِ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ فَهَذَا يَتَعَذَّرُ تَعْلِيقُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّعْلِيقِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

تَوْقِيفُ أَمْرٍ فِي دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَى دُخُولِ أَمْرٍ آخَرَ فِي الْوُجُودِ وَهُوَ الشَّرْطُ، وَمَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ وَتَحَقَّقَ لَا يُمْكِنُ تَوْقِيفُ دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا كَانَ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ غَيْرَ مُحَقَّقٍ بَلْ مُقَدَّرٌ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَوْقِيفُ دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَى غَيْرِهِ فَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ ارْتِبَاطِ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِدُخُولِ الدَّارِ فَيُقَدِّرُ صَاحِبُ الشَّرْعِ هَذَا الِارْتِبَاطَ قَبْلَ نُطْقِهِ بِهِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِهِ، وَإِذَا قُدِّرَ الِارْتِبَاطُ قَبْلَ النُّطْقِ صَارَ الْإِخْبَارُ عَنْ الِارْتِبَاطِ مَاضِيًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَاضِي هُوَ الَّذِي مُخْبَرُهُ قَبِلَ خَبَرَهُ، وَهَذَا كَذَلِكَ بِالتَّقْدِيرِ فَيَكُونُ مَاضِيًا مَعَ التَّعْلِيقِ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْمُضِيُّ وَالتَّعْلِيقُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ، وَلَمْ يُنَافِ الْمُضِيُّ التَّعْلِيقَ فَتَأَمَّلْهُ فَهُوَ دَقِيقٌ فِي بَابِ التَّقْدِيرَاتِ، وَفِيهِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَرُورَةِ صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ، وَضَرُورَةُ الصِّدْقِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى كَوْنِ كَلَامِهِ خَبَرًا، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجَوَابِ عَنْ الِاحْتِجَاجِ الْأَوَّلِ.

وَرَابِعُهَا: أَنَّ لُزُومَ طَلْقَةٍ أُخْرَى لِمَنْ قَالَ لِمُطَلَّقَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ بِلَا خِلَافٍ مَعَ أَنَّ إخْبَارَهُ صَادِقٌ بِاعْتِبَارِ الطَّلْقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مُنْشِئَةٌ لِلطَّلَاقِ.

وَأَجَابَ الْأَحْنَافُ بِأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ لِمُطَلَّقَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ إنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ الطَّلْقَةِ الْمَاضِيَةِ لَمْ تَلْزَمْهُ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ، وَإِنْ قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْ طَلْقَةٍ ثَانِيَةٍ فَهُوَ إخْبَارٌ كَاذِبٌ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ وُقُوعِ ثَانِيَةٍ فَيَحْتَاجُ لِلتَّقْدِيرِ لِضَرُورَةِ التَّصْدِيقِ فَيَلْزَمُهُ الثَّانِيَةُ بِالتَّقْدِيرِ كَالْأُولَى، فَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ التَّقْدِيرِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا إذَا كَانَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إخْبَارًا عَنْ الطَّلْقَةِ الْأُولَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَهَذَا الْجَوَابُ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى ضَرُورَةِ الصِّدْقِ وَفِيهِ مَا فِي الْجَوَابَيْنِ عَنْ الِاحْتِجَاجِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ فَلَا تَغْفُلْ.

وَخَامِسُهَا قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] أَمْرٌ بِالطَّلَاقِ، وَالْأَمْرُ بِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى التَّحْرِيمِ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامُهُ النَّفْسَانِيُّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَسْبٌ وَلَا اخْتِرَاعٌ فَتَعَيَّنَ صَرْفُهُ لِأَمْرٍ آخَرَ يَسْتَلْزِمُهُ تَوْفِيَتُهُ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الطَّلَبِ وَمَا ذَلِكَ الْأَمْرُ إلَّا قَوْلُ الْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ فَدَلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>