وَهَذَا الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ هُوَ مُتَعَلِّقُ خَمْسَةِ أَحْكَامٍ: الْحُكْمُ الْأَوَّلُ: الْوُجُوبُ فَلَا وُجُوبَ إلَّا فِيهِ وَالْخُصُوصَاتُ الَّتِي هِيَ الْعِتْقُ وَالْكِسْوَةُ وَالْإِطْعَامُ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَالْمُشْتَرَكُ هُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَلَا تَخْيِيرَ فِيهِ فَلَمْ يُخَيِّرْ اللَّهُ الْمُكَلَّفَ بَيْنَ فِعْلِ أَحَدِهَا وَبَيْنَ تَرْكِ هَذَا الْمَفْهُومِ، فَإِنَّ تَرْكَ هَذَا الْمَفْهُومِ إنَّمَا هُوَ بِتَرْكِ جَمِيعِهَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ بَلْ مَفْهُومُ أَحَدِهَا الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا مُتَعَيِّنٌ لِلْفِعْلِ مُتَحَتِّمُ الْإِيقَاعِ فَالْمُشْتَرَكُ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَلَا تَخْيِيرَ فِيهِ وَالْخُصُوصَاتُ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ وَلَا وُجُوبَ فِيهَا فَالْوَاجِبُ وَاجِبٌ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَالْمُخَيَّرُ فِيهِ مُخَيَّرٌ فِيهِ مِنْ غَيْرِ إيجَابِ الْحُكْمِ الثَّانِي الْمُتَعَلِّقِ بِهَذَا الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الثَّوَابُ عَلَى تَقْدِيرِ الْفِعْلِ فَإِذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ أَوْ بَعْضَهُ لَا يُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ إلَّا عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَمَا وَقَعَ مَعَهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ النَّدْبِ أَوْ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ مَا يَخْتَارُهُ إنْ اخْتَارَ أَفْضَلَهَا حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ النَّدْبِ عَلَى ذَلِكَ الْخُصُوصِ.
وَإِنْ اخْتَارَ أَدْنَاهَا إنْ كَانَ بَيْنَهَا تَفَاوُتٌ أَوْ إحْدَاهَا وَلَيْسَ بَيْنَهَا تَفَاوُتٌ فَلَا ثَوَابَ فِي الْخُصُوصِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
لَا بِالْكُلِّيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ كُلِّيٌّ.
قَالَ (وَهَذَا الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ هُوَ مُتَعَلِّقُ خَمْسَةِ أَحْكَامٍ إلَى قَوْلِهِ فَالْوَاجِبُ وَاجِبٌ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَالْمُخَيَّرُ فِيهِ مُخَيَّرٌ فِيهِ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ) قُلْتُ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ قَوْلِهِ بَلْ مَفْهُومُ أَحَدِهَا الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ عِنْدَهُ هُوَ الْكُلِّيُّ وَاحِدُ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ هُوَ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي هُوَ الْكُلِّيُّ لِتِلْكَ الْأَشْيَاءِ بَلْ أَحَدُ الْأَشْيَاءِ وَاحِدٌ مِنْهَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْ الْآحَادِ الصَّادِقِ عَلَيْهَا ذَلِكَ الْمُشْتَرَكُ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا فِي مَوَاضِعَ غَيْرِ هَذَا.
قَالَ (الْحُكْمُ الثَّانِي الْمُتَعَلِّقُ بِهَذَا الْمُشْتَرَكِ الثَّوَابُ عَلَى تَقْدِيرِ الْفِعْلِ فَإِذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ أَوْ بَعْضَهُ لَا يُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ إلَّا عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَمَا وَقَعَ مَعَهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ النَّدْبِ أَوْ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُثَابُ إلَّا عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الثَّوَابَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي وَقَعَ مِنْ الْمُكَلَّفِ وَهَذَا لَمْ يُوقِعْ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إيقَاعُهُ وَإِنَّمَا أَوْقَعَ مَا كُلِّفَ أَنْ يُوقِعَهُ وَيَصِحُّ مِنْهُ إيقَاعُهُ وَهُوَ فَرْدٌ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُشْتَرَكِ وَتَعَلُّقُ التَّكْلِيفِ بِهِ عَلَى الْإِبْهَامِ وَلَكِنْ الْوُجُودُ عَيَّنَهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْوُجُودُ إلَّا فِي الْمُعَيَّنِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مَا أَوْقَعَهُ مَعَ ذَلِكَ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ النَّدْبِ أَوْ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ فَإِنَّهُ دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يُثَابُ عَلَى الزَّائِدِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ اسْتِظْهَارًا وَتَأْكِيدًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ فَإِنْ اتَّفَقَ أَنْ يَفْعَلَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْقَصْدِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُثَابَ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ لِذَلِكَ لَمْ يَفْعَلْهُ لِوَجْهٍ مَشْرُوعٍ وَمَا لَمْ يُفْعَلْ لِوَجْهٍ مَشْرُوعٍ فَلَا دَلِيلَ عَلَى ثُبُوتِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ.
قَالَ (وَبِحَسَبِ مَا يَخْتَارُهُ إنْ اخْتَارَ أَفْضَلَهَا حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ النَّدْبِ عَلَى ذَلِكَ الْخُصُوصِ وَإِنْ اخْتَارَ أَدْنَاهَا إنْ كَانَ بَيْنَهَا تَفَاوُتٌ أَوْ إحْدَاهَا وَلَيْسَ بَيْنَهَا تَفَاوُتٌ فَلَا ثَوَابَ فِي الْخُصُوصِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ إنَّمَا يُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ لَا ثَوَابَ النَّدْبِ بَعْدَ اخْتِيَارِ أَفْضَلِهَا أَوْ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مُسْتَحَقَّةٌ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» يَقْتَضِي حَصْرَ الْأَعْمَالِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي النِّيَّاتِ وَالتَّقْدِيرُ الْأَعْمَالُ مُعْتَبَرَةٌ بِالنِّيَّاتِ فَكَمَا أَنَّ الْعَمَلَ لَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَذَلِكَ طَلَبُ الشُّفْعَةِ لَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ اهـ.
فَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ هُوَ دَعْوَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَمِثْلُهُ فِي كَوْنِهِ دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ قَوْلُهُ إنَّ الْحَجَّ قَوْله تَعَالَى {أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] بِتَقْدِيرِ زَمَانِ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ يَقْتَضِي حَصْرَ وَقْتِ الْحَجِّ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ وَهِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَفِي كَوْنِهِ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ فَلَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ قَبْلَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْفَضِيلَةِ فَيَصِحُّ الْإِحْرَامُ قَبْلَهُ إذَا وَقَعَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ قَوْلَانِ.
وَكَذَا قَوْلُهُ: إنَّ مِثْلَ قَوْلِنَا السَّفَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُفْهَمُ مِنْهُ الْحَصْرُ لِلسَّفَرِ فِي هَذَا الظَّرْفِ وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ، وَمِثْلُهُ أَيْضًا فِي كَوْنِهِ دَعْوَى قَوْلُ الْغَزَالِيِّ إذَا قُلْت: صَدِيقِي زَيْدٌ أَوْ زَيْدٌ صَدِيقِي اقْتَضَى الْأَوَّلُ حَصْرَ أَصْدِقَائِك فِي زَيْدٍ فَلَا تُصَادِقْ أَنْتَ غَيْرَهُ وَهُوَ يَجُوزُ أَنْ يُصَادِقَ غَيْرَك وَالثَّانِي حَصْرُ زَيْدٍ فِي صَدَاقَتِك فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَادِقَ غَيْرَك وَأَنْتَ يَجُوزُ أَنْ تُصَادِقَ غَيْرَهُ عَلَى عَكْسِ الْأَوَّلِ وَمِثْلُهُ فِي كَوْنِهِ دَعْوَى أَيْضًا قَوْلُ الْفَخْرِ الرَّازِيّ فِي كِتَابِهِ الْإِعْجَازُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ قَدْ تَرِدُ لِحَصْرِ الثَّانِي فِي الْأَوَّلِ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ الْحَصْرِ مِنْ كَوْنِ الْأَوَّلِ أَبَدًا مُنْحَصِرًا فِي الثَّانِي كَقَوْلِك زَيْدٌ الْقَائِمُ تُرِيدُ لَا قَائِمَ إلَّا زَيْدٌ بِحَصْرِ وَصْفِ الْقِيَامِ فِي زَيْدٍ، وَقَوْلُك أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ الْخَلِيفَةُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُرِيدُ أَنَّ الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُنْحَصِرَةٌ فِي أَبِي بَكْرٍ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ زَيْدٌ النَّاقِلُ لِهَذَا الْخَبَرِ وَالْمُتَسَبِّبُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ اهـ كَلَامُ ابْنِ الشَّاطِّ.
قُلْتُ: وَلَا يَخْفَاك أَنَّ فِي اخْتِيَارِهِ حَصْرَ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ وَأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ الْفَخْرِ بِعَكْسِهِ فِي نَحْوِ زَيْدٌ الْقَائِمُ أَوْ النَّاقِلُ لِهَذَا الْخَبَرِ أَوْ الْمُتَسَبِّبُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ دَعْوَى لَا حُجَّةَ لَهَا وَإِنَّ الْمُسْنَدَ النَّكِرَةَ لَا يَقْتَضِي لُغَةً الْحَصْرَ أَلْبَتَّةَ وَلَوْ عُرِّفَ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ بِاللَّامِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي عَقْلًا حَصْرَ الْمُبْتَدَأِ فِيهِ دُونَ نَقِيضِهِ مُخَالَفَةً لِمَا قَالَهُ عُلَمَاءُ الْمَعَانِي فِي مَبْحَثِ الْقَصْرِ مِمَّا حَاصِلُهُ كَمَا فِي الدُّسُوقِيِّ عَلَى مُخْتَصَرِ السَّعْدِ وَابْنِ يَعْقُوبَ عَلَى التَّلْخِيصِ أَنَّ التَّعْرِيفَ فَاللَّامُ الْجِنْسِ إنْ كَانَ الْمُسْنَدَ إلَيْهِ فَهُوَ الْمَقْصُورُ عَلَى الْمُسْنَدِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْنَدُ مَعْرِفَةً نَحْوُ الْأَمِيرُ زَيْدٌ أَوْ نَكِرَةً نَحْوُ