للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْخِصَالِ دُونَ الْخُصُوصِيَّاتِ وَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَ وَاجِبًا مُطْلَقًا فِي ضِمْنِ مُعَيَّنٍ إنَّمَا يَنْوِي ذَلِكَ الْمُطْلَقَ الَّذِي هُوَ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنِ فَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ مَثَلًا يَنْوِي مَفْهُومَ صَلَاةِ الظُّهْرِ الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ غَيْرِهِ فِيهِ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ وَهُوَ الَّذِي يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ نِيَّتُهُ فَهَذِهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ دُونَ الْخُصُوصَاتِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِهِ جَمِيعُ الشُّكُوكِ وَالْأَسْئِلَةُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

فَإِنْ قُلْتَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ كُلِّيٌّ وَالْكُلِّيُّ لَا يُمْكِنُ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ إنَّمَا يَقَعُ الْكُلِّيُّ فِي الذِّهْنِ دُونَ الْخَارِجِ وَجَمِيعُ مَا يَقَعُ فِي الْخَارِجِ إنَّمَا هُوَ جُزْئِيٌّ أَمَّا الْكُلِّيُّ فَلَا يُوجَدُ إلَّا فِي الذِّهْنِ وَمَا لَا يَقَعُ فِي الْخَارِجِ لَا يَجِبُ فِعْلُهُ فِي الْخَارِجِ وَإِلَّا لَزِمَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاق وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ بَطَلَ كَوْنُهُ مُتَعَلِّقَ الثَّوَابِ أَوْ الْعِقَابِ أَوْ الْبَرَاءَةِ أَوْ النِّيَّةِ قُلْتُ الْمُشْتَرَكَاتُ وَالْكُلِّيَّاتُ لَا تَقَعُ فِي الْأَعْيَانِ مُجَرَّدَةً عَنْ الْمُشَخَّصَاتِ وَالْمُعَيَّنَاتِ بَلْ ذَلِكَ إنَّمَا يُوجَدُ فِي الْأَذْهَانِ.

وَأَمَّا وُقُوعُهَا فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنَاتِ فَحَقٌّ فَمَنْ أَعْتَقَ الرَّقَبَةَ الْمُعَيَّنَةَ فَقَدْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُطْلَقَةً وَمَنْ أَخْرَجَ الشَّاةَ الْمُعَيَّنَةَ فِي الزَّكَاةِ فَقَدْ أَخْرَجَ شَاةً مُطْلَقَةً فِي ضِمْنِ تِلْكَ الْمُعَيَّنَةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْخِصَالِ دُونَ الْخُصُوصَاتِ) قُلْتُ وَمَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ أَيْضًا غَيْرُ قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْخِصَالِ فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ لَيْسَ أَحَدَ الْخِصَالِ.

قَالَ (وَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَ وَاجِبًا مُطْلَقًا فِي ضِمْنِ مُعَيَّنٍ إنَّمَا يَنْوِي ذَلِكَ الْمُطْلَقَ الَّذِي هُوَ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنِ) قُلْتُ هَذَا هُوَ سَبَبُ ارْتِبَاكِهِ وَاخْتِلَالِ أَقْوَالِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَشَبَهِهَا وَهُوَ اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ وَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ هُوَ الْحَقِيقَةُ الْكُلِّيَّةُ وَالْمُطْلَقُ هُوَ الْوَاحِدُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مِمَّا فِيهِ الْحَقِيقَةُ قَالَ (فَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ مَثَلًا يَنْوِي مَفْهُومَ صَلَاةِ الظُّهْرِ الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ غَيْرِهِ فَبِهِ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ وَهُوَ الَّذِي تَعَيَّنَ عَلَيْهِ نِيَّتُهُ إلَى آخَرِ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ ظَاهِرَ لَفْظِهِ وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ إيقَاعَ الْمُشْتَرَكِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُشْتَرَكٌ فَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْوِيَ إيقَاعَ الْمُعَيَّنِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ.

قَالَ (فَإِنْ قُلْتَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ كُلِّيٌّ وَالْكُلِّيُّ لَا يُمْكِنُ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ إلَى قَوْلِهِ وَأَمَّا وُقُوعُهَا فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنَاتِ فَحَقٌّ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا مِنْ أَنَّ وُقُوعَهُ ضِمْنَ الْمُعَيَّنَاتِ حَقٌّ وَإِنْ أَرَادَ وُقُوعَهَا كُلِّيَّاتٍ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ وُقُوعَ مَا فِيهِ قِسْطٌ مِنْ الْكُلِّيِّ أَوَمَا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْكُلِّيِّ فَذَلِكَ صَحِيحٌ.

قَالَ (فَمَنْ أَعْتَقَ الرَّقَبَةَ الْمُعَيَّنَةَ فَقَدْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُطْلَقَةً وَمَنْ أَخْرَجَ الشَّاةَ الْمُعَيَّنَةَ فِي الزَّكَاةِ فَقَدْ أَخْرَجَ شَاةً مُطْلَقَةً فَمَنْ ضَمِنَ تِلْكَ الْمُعَيَّنَةَ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَعْتَقَ الرَّقَبَةَ الْمُطْلَقَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ مُطْلَقَةً فَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ هُوَ الْإِبْهَامُ وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِلتَّعْيِينِ فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ النَّقِيضَانِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَلَا عَالِمًا بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ مَقْبُولًا إلَّا إذَا نَوَى بِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ هَذَا الْبَابِ النِّيَّةُ لَا يُقْصَدُ بِهَا التَّقَرُّبُ وَتَقَعُ وَاجِبَةً وَلَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى لِئَلَّا يَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ، وَكَذَلِكَ النَّظَرُ الْأَوَّلُ الْمُفْضِي إلَى الْعِلْمِ بِإِثْبَاتِ الصَّانِعِ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّقَرُّبُ لِمَا مَرَّ فِي الْفَرْقِ الثَّامِنَ عَشَرَ وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَا لَا تَكُونُ صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالطَّهَارَاتِ وَجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّاتُ فَلَا يَقَعُ وَاجِبًا مُجْزِئًا بِحَيْثُ لَا تَلْزَمُ فِيهِ الْإِعَادَةُ إلَّا إذَا وَقَعَ مَنْوِيًّا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ غَيْرَ أَنَّ هَا هُنَا قَاعِدَةً وَهِيَ أَنَّ الثَّوَابَ وَالْقَبُولَ غَيْرُ لَازِمٍ لِصِحَّةِ الْفِعْلِ وَإِجْزَائِهِ كَمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ أَحَدُهَا:

أَنَّ ابْنَيْ آدَمَ لَمَّا قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الْآخَرِ مَعَ أَنَّ قُرْبَانَهُ كَانَ عَلَى وَفْقِ الْأَمْرِ بِدَلِيلِ أَنَّ أَخَاهُ عَلَّلَ عَدَمَ الْقَبُولِ بِعَدَمِ التَّقْوَى كَمَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: ٢٧] إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَفْقِ الْأَمْرِ بَلْ كَانَ مُخْتَلًّا فِي نَفْسِهِ لَقَالَ لَهُ إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ الْعَمَلَ الصَّحِيحَ الصَّالِحَ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ الْقَرِيبُ لِعَدَمِ الْقَبُولِ فَدَلَّ عُدُولُهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ كَانَ صَحِيحًا مُجْزِئًا وَإِنَّمَا انْتَفَى عَنْهُ الْقَبُولُ لِأَجْلِ انْتِفَاءِ شَرْطِهِ الَّذِي هُوَ التَّقْوَى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ وَأَنَّ الْعَمَلَ الْمُجْزِئَ قَدْ لَا يُقْبَلُ وَإِنْ بَرَأَتْ الذِّمَّةُ بِهِ وَصَحَّ فِي نَفْسِهِ.

وَثَانِيهَا: أَنَّ سُؤَالَ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - الْقَبُولَ فِي فِعْلِهِمَا كَمَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا بِقَوْلِهِ {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: ١٢٧] وَهُمَا لَا يَفْعَلَانِ إلَّا فِعْلًا صَحِيحًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْفِعْلِ الصَّحِيحِ بَلْ الْمَحَلُّ قَابِلٌ لَهُ لِحُصُولِ شَرْطِهِ الَّذِي هُوَ التَّقْوَى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الشَّرْطِ حُصُولُ الْمَشْرُوطِ.

وَثَالِثُهَا: أَنَّ اشْتِرَاطَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَزَاءِ الَّذِي هُوَ الثَّوَابُ أَنْ يُحْسِنَ فِي الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ «أَمَّا مَنْ أَسْلَمَ وَأَحْسَنَ فِي إسْلَامِهِ فَإِنَّهُ يُجْزَى بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِحْسَانَ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ التَّقْوَى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ الَّتِي هِيَ الْمُبَالَغَةُ فِي اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ لَا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ الِاتِّقَاء لِلْمَكْرُوهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ حَتَّى يَصِحَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بِالْمُتَّقِينَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>