وَيَدُلُّ مِنْ حَيْثُ الْعَقْلُ عَلَى وُجُودِ الْمُطْلَقَاتِ فِي الْخَارِجِ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنَاتِ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مَفْهُومَ الْإِنْسَانِ بِالضَّرُورَةِ فِي الْخَارِجِ فَهُوَ فِي الْخَارِجِ إمَّا وَحْدَهُ فَقَدْ وُجِدَ مُطْلَقُ الْإِنْسَانِ فِي الْخَارِجِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْخَارِجِ مَعَ قَيْدٍ وَمَتَى وُجِدَ مَعَ قَيْدٍ فَقَدْ وُجِدَ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مَعَ غَيْرِهِ مَوْجُودٌ بِالضَّرُورَةِ فَمُطْلَقُ الْإِنْسَانِ فِي الْخَارِجِ بِالضَّرُورَةِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ الْأَجْنَاسِ الَّتِي نَجْزِمُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهَا وَمَنْ قَالَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا خَلَقَ الْأَجْنَاسَ مِنْ الْجَمَادِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ فَقَدْ خَالَفَ الضَّرُورَةَ وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ زَيْدٌ إنْسَانٌ فِي الْخَارِجِ بِالضَّرُورَةِ وَنَجِدُ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
أَعْتَقَ الرَّقَبَةَ الْمُعَيَّنَةَ فَحَصَلَ بِهَا مُقْتَضَى التَّكْلِيفِ بِالْمُطْلَقَةِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ.
قَالَ (وَيَدُلُّ مِنْ حَيْثُ الْعَقْلُ عَلَى وُجُودِ الْمُطْلَقَاتِ فِي الْخَارِجِ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنَاتِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مَفْهُومَ الْإِنْسَانِ بِالضَّرُورَةِ فِي الْخَارِجِ) قُلْتُ قَوْلُهُ هَذَا جَارٍ عَلَى فَاسِدِ اعْتِقَادِهِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ يَرُدُّهُ وَهُوَ أَنَّ الْكُلِّيَّاتِ هِيَ الْمُطْلَقَاتُ وَقَدْ وَقَعَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ مِرَارًا وَقَوْلُهُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مَفْهُومَ الْإِنْسَانِ بِالضَّرُورَةِ فِي الْخَارِجِ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ جُمْهُورِ مُثْبِتِي الْكُلِّيِّ وَصَحِيحٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ فَإِنَّ جُمْهُورَ الْقَائِلِينَ بِالْكُلِّيِّ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ وَقَدْ نَوَّعَ بَعْضُهُمْ الْكُلِّيَّ إلَى مَنْطِقِيٍّ وَعَقْلِيٍّ وَطَبِيعِيٍّ وَجَزَمَ بِأَنَّ الْمَنْطِقِيَّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ وَأَنَّ الطَّبِيعِيَّ لَهُ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ وَأَنَّ الْعَقْلِيَّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
قَالَ (فَهُوَ فِي الْخَارِجِ إمَّا وَحْدَهُ فَقَدْ وُجِدَ مُطْلَقُ الْإِنْسَانِ فِي الْخَارِجِ وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْخَارِجِ مَعَ قَيْدٍ وَمَتَى وُجِدَ مَعَ قَيْدٍ فَقَدْ وُجِدَ) قُلْتُ لَا كَلَامَ أَشَدَّ فَسَادًا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ فَإِنَّهُ إنْ حُمِلَ قَوْلُهُ بِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَوْجُودٌ فِي الْمُقَيَّدِ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ الْمُطْلَقَ حَقِيقَةً وَالْمُقَيَّدَ حَقِيقَةً فَذَلِكَ بَيِّنُ الْبُطْلَانِ وَالْفَسَادِ فَإِنَّهُ كَيْفَ يَجْتَمِعَانِ مَعًا فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ وَهُمَا نَقِيضَانِ وَإِنْ حُمِلَ قَوْلُهُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْمُطْلَقِ الْكُلِّيَّ فَذَلِكَ بَاطِلٌ أَيْضًا فَإِنَّهُ كَيْفَ يَجْتَمِعُ الْكُلِّيُّ بِمَا هُوَ كُلِّيٌّ وَالْجُزْئِيُّ بِمَا هُوَ جُزْئِيٌّ مَعًا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ وَهُمَا نَقِيضَانِ أَيْضًا هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ مَنْ لَمْ يُحَصِّلْ هَذِهِ الْعُلُومَ وَلَا أَشْرَفَ عَلَى هَذِهِ الْمَبَاحِثِ بِوَجْهٍ أَصْلًا.
قَالَ (لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مَعَ غَيْرِهِ مَوْجُودٌ بِالضَّرُورَةِ) قُلْتُ ذَلِكَ صَحِيحٌ لَكِنْ وُجُودُ الْمُطْلَقِ بِمَا هُوَ مُطْلَقٌ مَعَ الْمُقَيَّدِ وَوُجُودُ الْكُلِّيِّ بِمَا هُوَ كُلِّيٌّ مَعَ الْجُزْئِيِّ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ مُمْتَنِعٌ فَدَلِيلُهُ لَا يَتَنَاوَلُ مَحَلَّ النِّزَاعِ.
قَالَ (فَمُطْلَقُ الْإِنْسَانِ فِي الْخَارِجِ بِالضَّرُورَةِ) قُلْتُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ دَلِيلَهُ لَمْ يُنْتِجْ مَقْصُودَهُ.
قَالَ (وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ الْأَجْنَاسِ الَّتِي تَجْزِمُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهَا وَمَنْ قَالَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا خَلَقَ الْأَجْنَاسَ مِنْ الْجَمَادِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ فَقَدْ خَالَفَ الضَّرُورَةَ)
قُلْتُ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فَمَنْ أَنْكَرَ الْكُلِّيَّاتِ أَنْكَرَ تِلْكَ الضَّرُورَةَ وَكَذَلِكَ مَنْ أَثْبَتَهَا فِي الْخَارِجِ أَيْضًا قَالَ (وَكَذَلِكَ يَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ إنَّ زَيْدًا إنْسَانٌ فِي الْخَارِجِ بِالضَّرُورَةِ وَنَجِدُ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: ٢٧] الْمُؤْمِنُونَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَرَّحَ بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ ذَكَرَ الْإِحْسَانَ فِيهِ.
وَرَابِعُهَا: أَنَّ سُؤَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَبُولَ فِي الْأُضْحِيَّةِ لَمَّا ذَبَحَهَا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ» مَعَ أَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأُضْحِيَّةِ كَانَ عَلَى وَفْقِ الشَّرِيعَةِ قَطْعًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَبُولَ وَرَاءَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَالْإِجْزَاءِ وَأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ وَإِنْ حَصَلَ شَرْطُهُ الَّذِي هُوَ التَّقْوَى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ سَيِّدُ الْمُتَّقِينَ وَإِلَّا لَمَا سَأَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّ سُؤَالَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ لَا يَجُوزُ.
وَخَامِسُهَا: أَنَّ صُلَحَاءَ الْأُمَّةِ وَخِيَارَهَا لَمْ يَزَالُوا يَسْأَلُونَ اللَّهَ تَعَالَى الْقَبُولَ فِي الْعَمَلِ بَعْدَ فِعْلِهِ وَفِي أَثْنَائِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ طَلَبًا لِلصِّحَّةِ وَالْإِجْزَاءِ لَكَانَ إنَّمَا يَحْسُنُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى تَيْسِيرَ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ وَانْتِفَاءَ الْمَوَانِعِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْجَزْمِ بِوُقُوعِهَا فَإِنَّمَا يَحْسُنُ إذَا كَانَ الْقَبُولُ غَيْرَ الْإِجْزَاءِ وَغَيْرَ الصِّحَّةِ وَأَنَّهُ الثَّوَابُ.
وَسَادِسُهَا: أَنَّ حَمْلَ الصُّوفِيَّةِ وَقَلِيلٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مِنْ الصَّلَاةِ لَمَا يَقْبَلُ اللَّهُ نِصْفَهَا وَثُلُثَهَا وَرُبْعَهَا وَأَنَّ مِنْهَا لَمَا يُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا» عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَأَنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ إذَا غَفَلَ عَنْ صَلَاتِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا مَا عَقَلَ مِنْهَا» مَعَ حِكَايَةِ الْغَزَالِيِّ الْإِجْمَاعَ فِي إجْزَائِهَا إذَا عَلِمَ عَدَدَ رَكَعَاتِهَا وَأَرْكَانَهَا وَشَرَائِطَهَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُشْتَغِلٍ بِالْخُشُوعِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا.
وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: إنَّ الْمُرَادَ بِالثُّلُثِ وَبِالرُّبْعِ وَنَحْوِهِ الثَّوَابُ وَالْإِجْزَاءُ لَا الصِّحَّةُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ الْإِجْزَاءِ وَأَنَّ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ يُثَابُ عَلَيْهَا دُونَ بَعْضٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْفَرْقِ وَكَوْنُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَدَارِكِ وَالتَّقَارِيرِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَثُوبَاتِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالتَّقْوَى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ وَإِنْ عَارَضَهُ ظَوَاهِرُ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ وَصَلَاةٌ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِسِتِّمِائَةِ صَلَاةٍ» وقَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: ٢٦١] ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» مِنْ حَيْثُ إنَّ هَذِهِ الظَّوَاهِرَ تَقْتَضِي حُصُولَ الْمَثُوبَاتِ مُطْلَقًا فَإِنَّ أَمْثَالَ