للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَقْدِيرُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مُطْلَقَ زَوَالِ الشَّمْسِ سَبَبَ وُجُوبِ الظُّهْرِ مَتَى وُجِدَ فِي أَيِّ يَوْمٍ كَانَ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَجَعَلَ مُطْلَقَ الْإِتْلَافِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَمُطْلَقَ مِلْكِ النِّصَابِ مُوجِبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ أَمَّا خُصُوصُ كَوْنِهَا هَذِهِ الدَّنَانِيرَ أَوْ تِلْكَ الدَّنَانِيرَ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَلَوْ قُدِّرَ نِصَابٌ مَكَانَ نِصَابٍ فِي مِلْكِ الْمُزَكِّي لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ وَكَذَلِكَ إتْلَافٌ بَدَلَ إتْلَافٍ فَالْمَنْصُوبُ سَبَبًا إنَّمَا هُوَ الْمُطْلَقُ الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النُّصُبِ وَالْخُصُوصَاتِ سَاقِطَةٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ سَبَبٍ يَقْتَضِي ثُبُوتُهُ الثُّبُوتَ فَهَذَا كُلُّهُ مُشْتَرَكٌ وَهُوَ وَاجِبٌ بِهِ أَيْ بِسَبَبِهِ.

الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ وَالْوَاجِبُ بِهِ وَهُوَ أَدَاةٌ يُفْعَلُ بِهَا فَإِنَّ الْبَاءَ كَمَا تَكُونُ سَبَبِيَّةً تَكُونُ لِلِاسْتِعَانَةِ نَحْوُ كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ وَنَجَرْتُ بِالْقُدُومِ فَالْوَاجِبُ بِهِ الَّذِي هُوَ أَدَاةٌ فِي الشَّرِيعَةِ لَهُ مِثْلٌ أَحَدُهَا الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ وَيُغْتَسَلُ فَإِنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ بَلْ هُوَ أَدَاةٌ يُعْمَلُ بِهَا الْفِعْلُ وَسَبَبُ الطَّهَارَةِ إنَّمَا هُوَ الْحَدَثُ، وَكَذَلِكَ التُّرَابُ فِي التَّيَمُّمِ أَدَاةٌ وَلَيْسَ سَبَبًا وَثَانِيهَا الثَّوْبُ لِلسُّتْرَةِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى السُّتْرَةَ بِثَوْبٍ مُعَيَّنٍ بَلْ بِمُطْلَقِ الثَّوْبِ الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ جَمِيعِ الثِّيَابِ كَمَا لَمْ يُوجِبْ الطَّهَارَةَ بِمَاءٍ مُعَيَّنٍ بَلْ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الْمِيَاهِ وَكَذَلِكَ نُجِيبُ عَنْ مَغْلَطَةٍ عَادَتُهَا تُلْقَى عَلَى الطَّلَبَةِ فَيُقَالُ الْوُضُوءُ وَاجِبٌ وَمِنْ هَذِهِ الْفَسْقِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ لَا يَجِبُ مِنْ غَيْرِهَا بِالْإِجْمَاعِ فَتَعَيَّنَتْ هِيَ وَإِلَّا لَبَطَلَ الْوُجُوبُ وَكَذَلِكَ يُقَالُ السُّتْرَةُ وَاجِبَةٌ بِهَذَا الثَّوْبِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ السُّتْرَةَ وَاجِبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهِيَ لَا تَجِبُ بِغَيْرِ هَذَا الثَّوْبِ الْمُعَيَّنِ بِالْإِجْمَاعِ لِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذَا الثَّوْبِ فَتَعَيَّنَ هَذَا الثَّوْبُ.

وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ تُورَدُ هَذِهِ الشُّبُهَاتُ وَالْجَوَابُ عَنْهَا وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ هَذِهِ الْفَسْقِيَّةِ وَغَيْرِهَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهَا وَاجِبًا بِالْإِجْمَاعِ لَا تَتَعَيَّنُ هِيَ بَلْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا لَا هِيَ وَلَا غَيْرُهَا وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ تَجِبْ السُّتْرَةُ بِغَيْرِ هَذَا الثَّوْبِ لَا يَتَعَيَّنُ هَذَا الثَّوْبُ بَلْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ بَلْ الْخُصُوصَاتُ كُلُّهَا سَاقِطَةٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ، وَثَالِثُهَا: الْجِمَارُ فِي النُّسُكِ أَدَاةٌ يُعْمَلُ بِهَا الْوَاجِبُ لَا أَنَّهَا سَبَبُ الْوُجُوبِ بَلْ سَبَبُ الْوُجُوبِ هُوَ تَعْظِيمُ الْبَيْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] وَلِتَذَكُّرِ قِصَّةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي ذَبْحِ وَلَدِهِ وَفِدَائِهِ بِالْكَبْشِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

وَقَدْ سَبَقَ لَهُ هَذَا مِرَارًا عَدِيدَةً وَقَدْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ وَأَنَّ مُرَادَهُ بِالْمُطْلَقِ ذَلِكَ أَيْضًا لَوْلَا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَقَعَ لَهُ فِيهَا ذَلِكَ الْقَوْلُ يُصَرِّحُ فِيهَا بِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ هُوَ الْكُلِّيُّ وَهَذَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ تَأْوِيلِ كَلَامِهِ بِذَلِكَ.

قَالَ (الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ الْوَاجِبُ بِهِ وَهُوَ أَدَاةٌ يَفْعَلُ بِهَا فَإِنَّ الْبَاءَ كَمَا تَكُونُ سَبَبِيَّةً تَكُونُ لِلِاسْتِعَانَةِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي الْقَاعِدَةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِيهَا صَحِيحٌ غَيْرُ مَا فِي قَوْلِهِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ عَلَى مَا سَبَقَ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

إلَّا تَعْلِيقَ التَّخْيِيرِ وَمَتَى صَحَّ تَعَلُّقُ التَّخْيِيرِ صَحَّ تَعَلُّقُ الطَّلَبِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ قَصْدَ الْمُخْبِرِ وَقَدْ فَرَضْنَاهُ غَيْرَ قَاصِدٍ هَذَا خُلْفٌ.

وَأَمَّا تَعَلُّقُ الْغَرَامَاتِ وَالزَّكَاةِ بِالْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا خِطَابِ التَّكْلِيفِ الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ، وَأَمَّا تَعَلُّقُ خِطَابِ التَّكْلِيفِ بِالسَّكْرَانِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: ٤٣] فَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدْخَلَ السُّكْرَ عَلَى نَفْسِهِ كَانَ كَالْقَاصِدِ لِرَفْعِ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ فَعُومِلَ بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ وَلَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَمَا حُجِرَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إلَّا فِي خُصُوصِ عُقُودِهِ وَبُيُوعِهِ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّ الشُّرْبَ سَبَبٌ لِمَفَاسِدَ كَثِيرَةٍ فَصَارَ اسْتِعْمَالُهُ تَسَبُّبًا فِي تِلْكَ الْمَفَاسِدِ فَيُؤَاخِذُهُ الشَّرْعُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهَا كَمَا وَقَعَتْ مُؤَاخَذَةُ أَحَدِ ابْنَيْ آدَمَ بِكُلِّ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا وَكَمَا يُؤَاخَذُ الزَّانِي بِمُقْتَضَى الْمَفْسَدَةِ فِي اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ غَيْرُ الْإِيلَاجِ الْمُحَرَّمِ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ اهـ بِتَصَرُّفٍ فَافْهَمْ.

وَحَاصِلُ مَا لِابْنِ الشَّاطِّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الشَّرْعِ وَاجِبٌ صَحِيحٌ مُجْزِئٌ إلَّا وَهُوَ مَقْبُولٌ مُثَابٌ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ سَعَةِ بَابِ الثَّوَابِ وَالْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِوَعْدِ الْمُطِيعِ بِالثَّوَابِ بِدُونِ أَدْنَى مُعَارِضٍ صَحِيحٍ سَالِمٍ مِنْ الِاحْتِمَالِ وَبِالْجُمْلَةِ فَفِي لُزُومِ الثَّوَابِ وَالْقَبُولِ لِلْعَمَلِ الصَّحِيحِ الْمُجْزِئِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي الثَّوَابِ وَالْقَبُولِ هُوَ التَّقْوَى بِمَعْنَى الْإِيمَانِ الْمُوَافِي عَلَيْهِ وَعَدَمُ لُزُومِ الثَّوَابِ وَالْقَبُولِ لِلْعَمَلِ الْمَذْكُورِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرْطَ الثَّوَابِ وَالْقَبُولِ أَمْرٌ إنْ قَصَدَ الِامْتِثَالَ وَالتَّقْوَى الْعُرْفِيَّةَ الَّتِي هِيَ الْمُبَالَغَةُ فِي اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ قَوْلَا ابْنِ الشَّاطِّ وَالشِّهَابِ، وَعَلَى الثَّانِي تَتَحَقَّقُ الْقَاعِدَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا قَاعِدَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ صَحِيحٍ مُجْزِئٍ يُثَابُ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

٢ -

(فَائِدَتَانِ) الْأُولَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُضَاعَفَةِ صَرَّحَ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الثَّوَابِ فَقَطْ وَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى الْإِجْزَاءِ عَنْ الْفَوَائِتِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَصَلَّى فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ أَوْ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَوْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى صَلَاةً لَمْ تُجْزِهِ عَنْهُمَا قَطْعًا خِلَافًا لِمَا يَغْتَرُّ بِهِ بَعْضُ الْجَهَلَةِ أَفَادَهُ شَيْخُنَا نَقْلًا عَنْ الْوَالِدِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى كِتَابِهِ تَوْضِيحِ الْمَنَاسِكِ، وَنَقَلَ الصَّاوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي رِسَالَتِهِ أَنَّ الْمُضَاعَفَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَرَمِ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَوَاتِ بَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>