للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِوَقْتِ الْإِيقَاعِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ أَوَّلُهُ أَوْ وَسَطُهُ أَوْ آخِرُهُ فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ الْإِشْكَالَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ شَأْنَ الْوُجُوبِ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْفِعْلِ وَيَكُونَ الْفِعْلُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْوُجُوبِ وَتَابِعًا، أَمَّا كَوْنُ الْوُجُوبِ تَابِعًا لِلْفِعْلِ فَغَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرِيعَةِ وَعِنْدَهُ الْوُجُوبُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَتَحَتُّمُ الْإِيقَاعِ فِيهِ تَابِعٌ لِلْفِعْلِ فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ فَهَذَا هُوَ مُسْتَنَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَمَا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَاتِ لِلْقَوَاعِدِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ فِي التَّوْسِعَةِ وَالْقَوْلُ فِيهِمَا أَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْخَارِجِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ الْكَائِنَةِ بَيْنَ طَرَفَيْ الْقَامَةِ كَالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَالَ صَلِّ إمَّا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ فَالْوَاجِبُ الصَّلَاةُ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ وَهُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا كَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمُوَسَّعِ هُوَ أَحَدُ الْخِصَالِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ مُرَتَّبًا عَلَى الزَّوَالِ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ لِبَقَاءِ الْمُشْتَرَكِ وَيَبْرَأُ بِالْفِعْلِ أَوَّلَ الْوَقْتِ لِوُجُودِ الْمُشْتَرَكِ فِيهِ وَأَيُّ وَقْتٍ فَعَلَ فِيهِ صَادَفَ الْمُشْتَرَكَ فَلَا يَلْزَمُ تَأْخِيرُ الْمُسَبَّبِ عَنْ سَبَبِهِ وَلَا أَنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ أَوَّلِ الْوَقْتِ قَضَاءٌ وَأَوَّلُهُ نَفْلٌ يَنُوبُ مَنَابَ الْفَرْضِ وَلَا يَلْزَمُ مُخَالَفَةُ قَاعِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ الَّتِي لَزِمَتْ الْأَقْوَالَ الْأُوَلَ بَلْ تَجْتَمِعُ أَسْبَابُ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ كُلِّهَا.

وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ غَيْرَ أَنَّ أَرْبَابَ هَذَا الْمَذْهَبِ اخْتَلَفُوا إذَا قُصِدَ التَّأْخِيرُ لِوَسَطِ الْوَقْتِ أَوْ آخِرِهِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِ بَدَلٍ هُوَ الْعَزْمُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ مَا دَلَّ إلَّا عَلَى الصَّلَاةِ، أَمَّا هَذَا الْعَزْمُ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ فَوَجَبَ نَفْيُهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ فِي بَقِيَّةِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْلِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ يُعَدُّ مُعْرِضًا عَنْ أَمْرِ سَيِّدِهِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الْأَمْرِ حَرَامٌ وَمَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْحَرَامُ وَاجِبٌ فَالْعَزْمُ وَاجِبٌ وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ طَرِيقَةً وُسْطَى وَهِيَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْغَافِلِ عَنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَزْمُ وَبَيْنَ مَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ فَهَذَا إنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْلِ عَزَمَ عَلَى التَّرْكِ بِالضَّرُورَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَزْمُ عَلَى الْفِعْلِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ حَسَنَةٌ.

(فَرْعٌ) مُرَتَّبٌ إذَا قُلْنَا بِالتَّوْسِعَةِ فَهَلْ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ فَقَدْ أَخَّرَ مُخْتَارًا يَأْثَمُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ أَوْ لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَذِنَ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ فَهُوَ فَعَلَ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ وَفِعْلُ الْمَأْذُونِ فِيهِ لَا إثْمَ فِيهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ فَهَذَا هُوَ قَاعِدَةُ الْوَاجِبِ فِيهِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ كُلِّيٌّ لَا جُزْئِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ.

الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ الْوَاجِبُ بِهِ وَهُوَ سَبَبٌ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

الْمُؤَخِّرِ الَّذِي يَمُوتُ قَبْلَ الْفِعْلِ صَحِيحٌ.

قَالَ (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ الْوَاجِبُ بِهِ وَهُوَ سَبَبٌ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ زَوَالَ الشَّمْسِ سَبَبًا لِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَجَعَلَ مُطْلَقَ الْإِتْلَافِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَمُطْلَقَ النِّصَابِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فَمُسَلَّمٌ إذْ لَا نِزَاعَ فِي عَدَمِ الثَّوَابِ حِينَئِذٍ لَكِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ وَثَالِثًا فِي قَوْلِهِ إنَّ النِّيَّةَ وَالنَّظَرَ الْأَوَّلَ وَلَا يَنْوِي بِهِمَا التَّقَرُّبَ حَيْثُ قَالَ: هَذَا صَحِيحٌ فِي النَّظَرِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ وَغَيْرُ صَحِيحٍ فِي النِّيَّةِ فَإِنَّ نِيَّةَ الظُّهْرِ مَثَلًا يُمْكِنُ فِيهِ التَّقَرُّبُ بِهَا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهَا شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالشَّرْطُ كَالرُّكْنِ فَكَمَا يَنْوِي الرُّكْنَ يَنْوِي الشَّرْطَ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ لَا فِي النِّيَّةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا، وَلَا يَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ إلَّا لَوْ شُرِعَ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ بِالنِّيَّةِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا شَرْطًا فَافْهَمْ.

وَرَابِعًا: فِي قَوْلِهِ إنَّ النِّيَّةَ وَالنَّظَرَ لَا ثَوَابَ فِيهِمَا حَيْثُ قَالَ: يَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ الثَّوَابِ فِيهِمَا قَاعِدَةُ سَعَةِ بَابِ الثَّوَابِ؛ إذْ لَا يُعَارِضُهَا حَدِيثُ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَمَا فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ مُقَيَّدٌ بِإِمْكَانِ النِّيَّاتِ فَبَقِيَ مَحَلُّ امْتِنَاعِهَا غَيْرَ مُتَنَاوِلٍ لَهُ دَلِيلُ اشْتِرَاطِهَا فَافْهَمْ اهـ.

قُلْتُ: وَقَاعِدَةُ إنَّ الْأَعْمَالَ لَا تَكُونُ مُعْتَبَرَةً حَتَّى تُقْرَنَ بِهَا الْمَقَاصِدُ مُسْتَمِرَّةٌ فِي بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ خَاصَّةً لَا فِي بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ، قَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي مُوَافَقَاتِهِ: وَإِذَا عَرَّيْت الْأَفْعَالَ وَالتُّرُوكَ عَنْ الْمَقَاصِدِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ، وَالدَّلِيلُ عَنْ ذَلِكَ أُمُورٌ:

أَحَدُهَا: مَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَهُوَ أَصْلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ وَالْأَدِلَّةُ عَلَيْهِ لَا تَقْصُرُ عَنْ مَبْلَغِ الْقَطْعِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْأَعْمَالِ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَحْسُوسَةٌ فَقَطْ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ شَرْعًا عَلَى حَالٍ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ خَاصَّةً أَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَالْقَاعِدَةُ مُسْتَمِرَّةٌ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَبَرَةً حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهَا الْمَقَاصِدُ كَانَ مُجَرَّدُهَا فِي الشَّرْعِ بِمَثَابَةِ حَرَكَاتِ الْعَجْمَاوَاتِ وَالْجَمَادَاتِ وَالْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا عَقْلًا وَلَا سَمْعًا فَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِثْلَهَا.

وَالثَّانِي: مَا ثَبَتَ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْأَفْعَالِ الصَّادِرَةِ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَأَنَّهَا لَا حُكْمَ لَهَا فِي الشَّرْعِ فَلَا يُقَالُ فِيهَا جَائِزٌ أَوْ مَمْنُوعٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا لَا اعْتِبَارَ بِهَا مِنْ الْبَهَائِمِ وَفِي الْقُرْآنِ {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: ٥] وَقَالَ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦] قَالَ: قَدْ فَعَلْت، وَفِي مَعْنَاهُ رُوِيَ الْحَدِيثُ أَيْضًا «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ فَذَكَرَ الصَّبِيَّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ حَتَّى يُفِيقَ» فَجَمِيعُ هَؤُلَاءِ لَا قَصْدَ لَهُمْ وَهِيَ الْعِلَّةُ فِي رَفْعِ أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ عَنْهُمْ.

وَالثَّالِثُ: الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي الشَّرِيعَةِ وَتَكْلِيفُ مَنْ لَا قَصْدَ لَهُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ وَالْمُبَاحُ وَإِنْ كَانَ لَا تَكْلِيفَ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>