للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفِيلِ بَلْ فِي جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ مَعَ أَنَّك جَعَلْته بِجُمْلَتِهِ ظَرْفًا فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الظَّرْفُ أَوْسَعَ مِنْ مَظْرُوفِهِ الَّذِي هُوَ الْوِلَادَةُ وَكَذَلِكَ جُعِلَتْ جُمْلَةُ سَنَةَ سِتِّينَ ظَرْفًا لِلْمَوْتِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ بَلْ فِي جُزْءٍ مِنْهَا فَيَكُونُ هَذَا الظَّرْفُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: ٢٤] .

أَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِيهِ سُؤَالًا فَقَالَ الشَّرْطُ وَجَوَابُهُ إذَا جُعِلَ الشَّرْطُ ظَرْفًا لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَا مَعًا وَاقِعَيْنِ فِيهِ نَحْوُ إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ فَالْمَجِيءُ وَالْإِكْرَامُ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِإِذَا وَكَذَلِكَ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: ١] إلَى قَوْلِهِ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [النصر: ٣] الْآيَةُ كِلَاهُمَا وَاقِعٌ فِي إذَا الْمَجِيءُ وَالتَّسْبِيحُ وَلِذَلِكَ جَوَّزُوا أَنْ يَعْمَلَ فِي إذَا كِلَا الْفِعْلَيْنِ وَاخْتَارُوا فِعْلَ الْجَوَابِ لِلْعَمَلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُضَافًا إلَيْهِ بِخِلَافِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ مُضَافٌ إلَى مَخْفُوضٍ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ لَا يَعْمَلُ فِي الْمُضَافِ وَإِذَا جَوَّزُوا عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلَيْنِ فِي هَذَا الظَّرْفِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُقُوعِهِمَا فِيهِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْعَامِلِ فِي الظَّرْفِ أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا فِيهِ حَتَّى يَصِيرَ مَظْرُوفَهُ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالذِّكْرُ ضِدُّ النِّسْيَانِ وَقَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

فَيَكُونُ هَذَا الظَّرْفُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الظَّرْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُجَاءُ بِلَفْظِ الْيَوْمِ مَثَلًا فَيُقَالُ أَكَلْت يَوْمَ الْخَمِيسِ وَإِنْ كَانَ الْأَكْلُ لَمْ يَقَعْ فِي جَمِيعِهِ بَلْ فِي بَعْضِهِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ لَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ظَرْفٍ كَذَلِكَ وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ظَرْفٍ كَذَلِكَ فَالصَّحِيحُ فِي إذَا أَنَّهَا لَا تَخْلُو أَنْ تَدْخُلَ عَلَى شَرْطٍ وَمَشْرُوطٍ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ عَلَى شَرْطٍ وَمَشْرُوطٍ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى شَرْطٍ وَمَشْرُوطٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ وُقُوعُ ذَلِكَ الْمَشْرُوطِ بَعْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ مُمْكِنًا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا كَقَوْلِهِ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَإِنْ كَانَ وُقُوعُ ذَلِكَ الْمَشْرُوطِ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ كَقَوْلِهِ إذَا مِتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ قَوْلَهُ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَيْسَ مَعْنَاهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ الدُّخُولِ بِعَيْنِهِ بَلْ مَعْنَاهُ إيقَاعُهُ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَلِي زَمَنَ الدُّخُولِ لِضَرُورَةِ مُقْتَضَى الْفَاءِ فَإِنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ إذَا يُرَادُ بِهَا ظَرْفُ الدُّخُولِ لَا ظَرْفُ الطَّلَاقِ وَظَرْفُ الطَّلَاقِ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ تَعَلُّقُ إذَا بِدَخَلْت الَّذِي هُوَ فِعْلُ الشَّرْطِ وَلَا يُعْتَرَضُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ الْمُضَافُ إلَيْهِ لَا يَعْمَلُ فِي الْمُضَافِ لِأَنَّهَا قَاعِدَةٌ لَا يُسَلَّمُ فِيهَا الْإِطْلَاقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: ٢٤] إلَى آخِرِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ) قُلْتُ إنَّمَا يَلْزَمُ السُّؤَالُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ ظَرْفُ النِّسْيَانِ هُوَ بِعَيْنِهِ ظَرْفُ الذِّكْرِ أَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّ ظَرْفَ الذِّكْرِ غَيْرُ ظَرْفِ النِّسْيَانِ لَكِنَّهُ يَعْقُبُهُ فَتَكُونُ إذَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: ٢٤] ظَرْفًا لِلنِّسْيَانِ خَاصَّةً فَظَرْفُ الذِّكْرِ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ فَلَا يَلْزَمُ السُّؤَالُ وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الظَّرْفَ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ فَيَفْضُلُ مِنْ إذَا زَمَنٌ لَا نِسْيَانَ فِيهِ وَهُوَ جَوَابٌ رَافِعٌ لِلسُّؤَالِ مِنْ أَصْلِهِ لَا جَوَابٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْغَصْبُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِكَوْنِهِ فِي وُضُوءٍ أَوْ غَيْرِ وُضُوءٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الرِّبَا فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ فِي الْآيَةِ ظَاهِرُهُ التَّسَلُّطُ عَلَى الرِّبَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِكَوْنِهِ فِي الْبَيْعِ أَوْ لَا فَإِنَّ الْحَدِيثَ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» فَسَلَّطَ النَّهْيَ عَلَى الْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الزِّيَادَةِ وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: لَا تَتَوَضَّأْ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ فَبَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ فَرْقٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا خَفَاءَ فِيهِ اهـ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُبَالَغَةُ فِي اعْتِبَارِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ حَتَّى أَثْبَتَ عُقُودَ الرِّبَا وَإِفَادَتَهَا الْمِلْكَ فِي أَصْلِ الْمَالِ الرِّبَوِيِّ وَرَدِّ الزَّائِدِ، فَإِذَا بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْجَبَ الْعَقْدُ دِرْهَمًا مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ وَيُرَدُّ الدِّرْهَمُ الزَّائِدُ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الرِّبَوِيَّاتِ وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الْمُبَالَغَةُ فِي إلْغَاءِ هَذَا الْفَرْقِ حَتَّى أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا نَظَرٌ قَدْ عَلِمْته وَتَوَسَّطَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَخُلَاصَةُ مَا فَرَقَّا بِهِ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّهْيَ إذَا كَانَ فِي حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِأَنْ كَانَ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ أَيْ فِي نَفْسِ الرُّكْنِ أَوْ صِفَتِهِ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْخِنْزِيرِ وَكَالنَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْخُفِّ فِي الْإِحْرَامِ وَكَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ كَانَ مُقْتَضِيًا لِفَسَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ ضَرُورَةَ عَدَمِ حُصُولِ الْحَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِكَمَالِهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ الْمَصَالِحَ.

وَإِذَا كَانَ أَيْ النَّهْيُ لَا فِي حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ بَلْ فِي الْمُجَاوِرِ كَالنَّهْيِ عَنْ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ كَانَ مُقْتَضِيًا لِفَسَادِ الْمُجَاوِرِ لَا لِفَسَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَطَهَارَةُ غَاصِبِ الْخُفِّ إذَا مَسَحَ عَلَيْهِ مَعَ نَهْيِهِ عَنْ الْغَصْبِ فَإِنَّ طَهَارَتَهُ صَحِيحَةٌ عِنْدَنَا لِكَوْنِهِ مُحَصِّلًا لَهَا بِكَمَالِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا وَإِنَّمَا هُوَ جَانٍ عَلَى حَقِّ صَاحِبِ الْخُفِّ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْمُحْرِمِ إذَا مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ فَإِنَّهُ لَمْ يُحَصِّلْهَا بِكَمَالِهَا مَعَ نَهْيِهِ عَنْ لُبْسِ الْخُفِّ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا فِي طَهَارَتِهِ بِالْغُسْلِ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ فَلَمْ تَحْصُلْ حَقِيقَةُ الطَّهَارَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا بِكَمَالِهَا مَعَ النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْخُفِّ لِكَوْنِهِ فِي نَفْسِ الْحَقِيقَةِ لَا فِي مُجَاوِرِهَا فَبِكُلٍّ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُحْرِمِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْعِصْيَانِ بِلُبْسِ الْخُفِّ بِسَبَبِ نَهْيِهِ عَنْهُ إلَّا أَنَّ النَّهْيَ فِي الْغَاصِبِ لَمَّا تَعَلَّقَ بِالْمُجَاوِرِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ لَا بِنَفْسِ حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ اقْتَضَى فَسَادَ الْمُجَاوِرِ لَا فَسَادَ الْمَأْمُورِ بِهِ فَلَمْ تَبْقَ الذِّمَّةُ مَشْغُولَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>