للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى وُقُوعِهِمَا فِي إذَا وَالضِّدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فَكَيْفَ أَمَرَ بِالذِّكْرِ فِي زَمَنِ النِّسْيَانِ.

وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ الظَّرْفَ قَدْ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ فَيَفْضُلُ مِنْ زَمَانِ إذَا زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ نِسْيَانٌ يَقَعُ فِيهِ الذِّكْرُ فَلَا يَجْتَمِعُ الضِّدَّانِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ الْإِشْكَالُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: ٣٩] فَإِعْرَابُ الْيَوْمَ ظَرْفٌ وَإِذْ ظَرْفٌ أَيْضًا وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ الْيَوْمِ وَالْبَدَلُ هُنَا غَيْرُ الْمُبْدَلِ مِنْهُ فَيَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُوَ عَيْنُ زَمَنِ الظُّلْمِ لَكِنَّ زَمَنَ الظُّلْمِ فِي الدُّنْيَا وَالدُّنْيَا لَيْسَتْ هِيَ عَيْنَ الْآخِرَةِ وَلَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَكَيْفَ صَحَّتْ الْبَدَلِيَّةُ أَوْرَدَ ابْنُ جِنِّي هَذَا السُّؤَالَ فَقَالَ الظَّرْفُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ وَزَمَنُ الظُّلْمِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْهُ حَتَّى يَمْتَدَّ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيُطْلَقُ عَلَيْهِ وَيَقْبَلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الِامْتِدَادُ حَتَّى يُطْلَقَ عَلَى يَوْمِ الظُّلْمِ فَيَتَّحِدَانِ فَتَحْسُنُ الْبَدَلِيَّةُ.

وَهَذَا الْمَوْضِعُ فِي الِاتِّسَاعِ أَبْعَدُ مِنْ آيَةِ الذِّكْرِ وَالنِّسْيَانُ بِطُولِ الْبُعْدِ وَإِفْرَاطِهِ وَبُعْدِهِ عَنْ أَكْثَرِ الِاسْتِعْمَالَاتِ وَبِالْجُمْلَةِ قَدْ ظَهَرَ لَك بِهَذِهِ الْآيَاتِ وَهَذَا التَّقْرِيرُ أَنَّ الظَّرْفَ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَقْبَلُ السَّعَةَ أَكْثَرَ مِنْ مَظْرُوفِهِ فَيَكُونُ أَوْسَعَ مِنْهُ وَقَدْ لَا يَسَعُ أَكْثَرَ مِنْهُ نَحْوَ صُمْت رَمَضَانَ وَصُمْت يَوْمَ الْخَمِيسِ فَإِنَّ الظَّرْفَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مُسَاوٍ لِلْمَظْرُوفِ فَتَلَخَّصَ الْفَرْقُ أَيْضًا بَيْنَ إنْ وَإِذَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَثَالِثُهَا أَنَّ إنْ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا إلَّا مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا تَقُولُ إنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَأْتِ وَإِذَا تَقْبَلُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

مُتَرَتِّبٌ عَلَى صِحَّةِ السُّؤَالِ.

قَالَ (وَكَذَلِكَ وَقَعَ الْإِشْكَالُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: ٣٩] إلَى قَوْلِهِ وَبُعْدِهِ عَنْ أَكْثَرِ الِاسْتِعْمَالَاتِ) قُلْتُ إنَّمَا وَقَعَ الْإِشْكَالُ فِي الْآيَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إذْ بَدَلٌ مِنْ الْيَوْمِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ بِلَا إشْكَالٍ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ وَلَنْ يَنْفَعَكُمْ الْيَوْمَ اشْتِرَاكُكُمْ فِي الْعَذَابِ بِسَبَبِ ظُلْمِكُمْ إذْ ظَلَمْتُمْ هَذَا لَا مَانِعَ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ.

قَالَ (وَبِالْجُمْلَةِ قَدْ ظَهَرَ لَك بِهَذِهِ الْآيَاتِ وَهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الظَّرْفَ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَقْبَلُ السَّعَةَ أَكْثَرَ مِنْ مَظْرُوفِهِ فَيَكُونُ أَوْسَعَ إلَى قَوْلِهِ فَتَلَخَّصَ الْفَرْقُ أَيْضًا بَيْنَ إنْ وَإِذَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) قُلْتُ لَمْ يَظْهَرْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تِلْكَ الْآيَاتِ بِوَجْهٍ وَلَا يَصِحُّ تَقْرِيرُ مَا قَرَّرَهُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا مَعْنَى كَوْنِ الظَّرْفِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ أَنَّهُ يُطْلَقُ لَفْظُ الْيَوْمِ مَثَلًا فِي فِعْلٍ يَقَعُ فِي بَعْضِهِ لَا فِي جَمِيعِهِ وَذَلِكَ الْإِطْلَاقُ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ لِلْإِطْرَادِ وَلَيْسَ ذَلِكَ حَقِيقَةً مَعْنَوِيَّةً بِمَعْنَى أَنَّ ظَرْفَ الْفِعْلِ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنْهُ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ وَلَمْ يَزَلْ الْإِشْكَالُ يَقَعُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ بَيْنَ الْحَقَائِقِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَالْحَقَائِقِ اللَّفْظِيَّةِ فَيَظُنُّهَا شَيْئًا وَاحِدًا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.

قَالَ (وَثَالِثُهَا أَنَّ إنْ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا إلَّا مَشْكُوكٌ إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَالنَّهْيُ فِي الْمُحْرِمِ لَمَّا تَعَلَّقَ بِنَفْسِ حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا بِمُجَاوِرِهِ اقْتَضَى فَسَادَ الْمَأْمُورِ بِهِ فَبَقِيَتْ الذِّمَّةُ مَشْغُولَةً بِالْمَأْمُورِ بِهِ.

(وَصْلٌ) فِي زِيَادَةِ تَوْضِيحِ الْمَقَامِ بِمَسْأَلَتَيْنِ:

(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ وَالْوُضُوءُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ وَالْحَجُّ بِمَالٍ حَرَامٍ سَوَاءٌ فِي الصِّحَّةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّا نُلَاحِظُ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَدْ وُجِدَ فِيهَا بِكَمَالِهِ مَعَ مُتَعَلِّقِ النَّهْيِ فَحَقِيقَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْمَكَانِ الطَّاهِرِ وَالسُّتْرَةِ الْكَامِلَةِ وَصُورَةُ التَّطْهِيرِ وَالْحَجُّ قَدْ وُجِدَتْ مِنْ حَيْثُ الْمَصْلَحَةُ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِذْنُ الشَّرْعِيُّ وَإِذَا حَصَلَتْ حَقِيقَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَصْلَحَةُ كَانَ النَّهْيُ فِي مُجَاوِرٍ وَهِيَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْغَيْرِ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ مَشَى عَلَى أَصْلِهِ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ نَظَرًا لِعَدَمِ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الْمَكَانِ وَالسُّتْرَةِ وَصُورَةِ التَّطَهُّرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَيَكُونُ الْمَكَانُ وَالسُّتْرَةُ وَصُورَةُ التَّطْهِيرِ مَعْدُومَةً حِسًّا مَعَ الْعَمْدِ وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَلَا يَخْفَاك أَنَّ هَذَا النَّظَرَ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّهَارَةِ وَالسُّتْرَةِ وَالْمَكَانِ الطَّاهِرِ وَاشْتَرَطَ فِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْأَدَاةُ مُبَاحَةً وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ نَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الصَّلَاةَ مُطْلَقًا وَحَرَّمَ الْغَصْبَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ عَدَمُهُ شَرْطًا.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ فِي صَلَاتِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ مَعَ مُقَارَنَةِ الْمُحَرَّمِ فَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّظَرُ لَا يَتَأَتَّى فِي الْحَجِّ فَإِنَّ النَّفَقَةَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ رُكْنًا وَلَا صُرِفَتْ فِي رُكْنٍ بَلْ نَفَقَةُ الطَّرِيقِ لِحِفْظِ حَيَاةِ الْمُسَافِرِ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَكَانِ وَالسُّتْرَةِ وَصُورَةِ التَّطْهِيرِ فَإِنَّهُ صُرِفَ فِيمَا هُوَ شَرْطٌ فَكَانَ الشَّرْطُ مَعْدُومًا فَافْهَمْ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَنَحْوُهُ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ لَا بِنَفْسِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَكَانِ وَالسُّتْرَةِ وَصُورَةِ التَّطْهِيرِ وَالْحَجِّ إلَّا أَنَّ الْوَصْفَ هُنَا أَيْ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ لَمَّا كَانَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ رِضَا الْبَائِعِ لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بِمُقَابَلَةِ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ» وَهَذَا الْبَائِعُ لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ إلَّا بِمَا تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِهِ لَمْ تَحْصُلْ حَقِيقَةُ الْعَقْدِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِكَمَالِهِ بَلْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>