إنَّمَا تَنْشَأُ عَنْ رُتَبِ الْعِلَلِ وَتَفَاصِيلِ أَحْوَالِ الْأَقْيِسَةِ فَإِذَا كَانَ إمَامُهُ أَفْتَى فِي فَرْعٍ بُنِيَ عَلَى عِلَّةٍ اُعْتُبِرَ فَرْعُهَا فِي نَوْعِ الْحُكْمِ لَا يَجُوزُ لَهُ هُوَ أَنْ يُخَرِّجَ عَلَى أَصْلِ إمَامِهِ فَرْعًا مِثْلَ ذَلِكَ الْفَرْعِ لَكِنَّ عِلَّتَهُ مِنْ قَبِيلِ مَا شَهِدَ جِنْسُهُ لِجِنْسِ الْحُكْمِ فَإِنَّ النَّوْعَ عَلَى النَّوْعِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجِنْسِ فِي النَّوْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الْأَقْوَى اعْتِبَارُ الْأَضْعَفِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ إمَامُهُ قَدْ اعْتَبَرَ مَصْلَحَةً سَالِمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ لِقَاعِدَةٍ أُخْرَى فَوَقَعَ لَهُ هُوَ فَرْعٌ فِيهِ عَيْنُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ لَكِنَّهَا مُعَارَضَةٌ بِقَاعِدَةٍ أُخْرَى أَوْ بِقَوَاعِدَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّخْرِيجُ حِينَئِذٍ لِقِيَامِ الْفَارِقِ أَوْ تَكُونُ مَصْلَحَةُ إمَامِهِ الَّتِي اعْتَمَدَ عَلَيْهَا مِنْ بَابِ الضَّرُورِيَّاتِ فَيُفْتِي هُوَ بِمِثْلِهَا وَلَكِنَّهَا مِنْ بَابِ الْحَاجَاتِ أَوْ التَّتِمَّاتِ وَهَاتَانِ ضَعِيفَتَانِ مَرْجُوحَتَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُولَى وَلَعَلَّ إمَامَهُ رَاعَى خُصُوصَ تِلْكَ الْقَوِيَّةِ وَالْخُصُوصُ فَائِتٌ هُنَا وَمَتَى حَصَلَ التَّرَدُّدُ فِي ذَلِكَ وَالشَّكُّ.
وَجَبَ التَّوَقُّفُ كَمَا أَنَّ إمَامَهُ لَوْ وَجَدَ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَدْ نَصَّ عَلَى حُكْمٍ وَمَصْلَحَةٍ مِنْ بَابِ الضَّرُورِيَّاتِ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَقِيسَ عَلَيْهِ مَا هُوَ مِنْ بَابِ الْحَاجَاتِ أَوْ التَّتِمَّاتِ لِأَجْلِ قِيَامِ الْفَارِقِ فَكَذَلِكَ هَذَا الْمُقَلِّدُ لَهُ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَيْهِ فِي التَّخْرِيجِ كَنِسْبَةِ إمَامِهِ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ وَالضَّابِطُ لَهُ وَلِإِمَامِهِ فِي الْقِيَاسِ وَالتَّخْرِيجِ أَنَّهُمَا مَتَى جَوَّزَا فَارِقًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا حَرُمَ الْقِيَاسُ وَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ إلَّا بَعْدَ الْفَحْصِ الْمُنْتَهِي إلَى غَايَةٍ أَنَّهُ لَا فَارِقَ هُنَاكَ وَلَا مُعَارِضَ وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ الْقِيَاسِ وَهَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْمُقَلِّدِينَ لِلْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ فَمَهْمَا جَوَّزَ الْمُقَلِّدُ فِي مَعْنًى ظَفِرَ بِهِ فِي فَحْصِهِ وَاجْتِهَادِهِ أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ قَصَدَهُ أَوْ يُرَاعِيهِ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّخْرِيجُ فَلَا يَجُوزُ التَّخْرِيجُ حِينَئِذٍ إلَّا لِمَنْ هُوَ عَالِمٌ بِتَفَاصِيلِ أَحْوَالِ الْأَقْيِسَةِ وَالْعِلَلِ وَرُتَبِ الْمَصَالِحِ وَشُرُوطِ الْقَوَاعِدِ وَمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا وَمَا لَا يَصْلُحُ وَهَذَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ أُصُولَ الْفِقْهِ مَعْرِفَةً حَسَنَةً فَإِذَا كَانَ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَحَصَلَ لَهُ هَذَا الْمَقَامُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ مَقَامٌ آخَرُ وَهُوَ النَّظَرُ وَبَذْلُ الْجَهْدِ فِي تَصَفُّحِ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ وَتِلْكَ الْمَصَالِحِ وَأَنْوَاعِ الْأَقْيِسَةِ وَتَفَاصِيلِهَا فَإِذَا بَذَلَ جَهْدَهُ فِيمَا يَعْرِفُهُ وَوَجَدَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَبِرَهُ إمَامُهُ فَارِقًا أَوْ مَانِعًا أَوْ شَرْطًا وَهُوَ لَيْسَ فِي الْحَادِثَةِ الَّتِي يَرُومُ تَخْرِيجَهَا حَرُمَ عَلَيْهِ التَّخْرِيجُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا بَعْدَ بَذْلِ الْجَهْدِ وَتَمَامِ الْمَعْرِفَةِ جَازَ لَهُ التَّخْرِيجُ حِينَئِذٍ.
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي إمَامِهِ مَعَ صَاحِبِ الشَّرْعِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي بَعْضُهَا مَا تَقَدَّمَ اشْتِرَاطُهُ فِي حَقِّ الْمُقَلِّدِ الْمُخْرَجِ ثُمَّ بَعْدَ اتِّصَافِهِ بِصِفَاتِ الِاجْتِهَادِ يَنْتَقِلُ إلَى مَقَامِ بَذْلِ الْجَهْدِ فِيمَا عَلِمَهُ مِنْ الْقَوَاعِدِ وَتَفَاصِيلِ الْمَدَارِكِ فَإِذَا بَذَلَ جَهْدَهُ وَوَجَدَ حِينَئِذٍ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فَارِقًا أَوْ مَانِعًا أَوْ شَرْطًا قَائِمًا فِي الْفَرْعِ الَّذِي يَرُومُ قِيَاسَهُ عَلَى كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ حَرُمَ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى شَرْطٍ وَمَشْرُوطٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وُقُوعُ ذَلِكَ الْمَشْرُوطِ بَعْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ مُمْكِنًا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمْكِنٍ كَقَوْلِهِ إذَا مِتَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ إذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ الْمَوْتِ بِعَيْنِهِ حَتَّى يُقَالَ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ ظَرْفَ الْمَوْتِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ فَيَدْخُلُ فِيهِ زَمَنٌ مِنْ أَزْمِنَةِ الْحَيَاةِ يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ فَيَلْزَمُهُ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مَبْنِيٍّ عَلَى مُلَاحَظَةِ هَذَا الْوَجْهِ بَلْ مَعْنَاهُ إيقَاعُ الطَّلَاقِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَلِي زَمَنَ الْمَوْتِ لِمَا سَيَتَّضِحُ وَلَا طَلَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا كَقَوْلِهِ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ إذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ الدُّخُولِ بِعَيْنِهِ بَلْ مَعْنَاهُ إيقَاعُهُ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَلِي زَمَنَ الدُّخُولِ لِضَرُورَةِ مُقْتَضَى الْفَاءِ الَّتِي لِلتَّعْقِيبِ وَإِنْ لَزِمَ عَنْ ذَلِكَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إذَا ظَرْفٌ لِلدُّخُولِ لَا ظَرْفٌ لِلطَّلَاقِ بَلْ ظَرْفُ الطَّلَاقِ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ وَالثَّانِي تَعَلُّقُهَا بِدَخَلْت الَّذِي هُوَ فِعْلُ الشَّرْطِ لَا بِطَالِقٍ وَإِنْ كَانَ هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ النَّحْوِيِّينَ الْمُضَافُ إلَيْهِ لَا يَعْمَلُ فِي الْمُضَافِ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ هَذَا قَاعِدَةٌ لَا يُسَلَّمُ فِيهَا الْإِطْلَاقُ اهـ كَلَامُ ابْنِ الشَّاطِّ بِتَصَرُّفٍ وَتَوْضِيحٍ.
(قُلْتُ) وَيُقَرُّ بِهِ قَوْلُ النَّحْوِيِّينَ الْعَامِلُ فِي أَسْمَاءِ الشُّرُوطِ فِعْلُ الشَّرْطِ لَا الْجَوَابُ لِأَنَّ رُتْبَةَ الْجَوَابِ مَعَ مُتَعَلِّقَاتِهِ التَّأْخِيرُ عَنْ الشَّرْطِ فَلَا يَعْمَلُ فِي مُتَقَدِّمٍ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَقْتَرِنُ بِالْفَاءِ وَإِذَا الْفُجَائِيَّةِ وَمَا بَعْدَهُمَا لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهُمَا وَهَاتَانِ الْعِلَّتَانِ مُتَحَقِّقَتَانِ أَيْضًا فِي إذَا وَالْعِلَّةُ تَدُورُ مَعَ الْمَعْلُولِ فَلِذَا اُضْطُرُّوا فِي إذَا وَنَحْوِهَا عَلَى تَسْلِيمِ إطْلَاقِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى تَكَلُّفَاتٍ مِنْهَا أَنَّ عَامِلَهَا مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْجَوَابُ لَا الْجَوَابُ لِمَا عَلِمْت وَمِنْهَا أَنَّ عَامِلَهَا هُوَ الْجَوَابُ وَتَقْيِيدُ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ أَعْنِي قَاعِدَةَ مَا رُتْبَتُهُ لَا يَعْمَلُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ وَقَاعِدَةُ مَا بَعْدَ الْفَاءِ وَإِذَا الْفُجَائِيَّةِ إلَخْ بِغَيْرِ الظُّرُوفِ لِتَوَسُّعِهِمْ فِي الظُّرُوفِ وَإِنْ لَمْ تَسْتَحِقَّ التَّصْدِيرَ فَمَا ظَنُّك بِمَا يَسْتَحِقُّهُ وَمِنْهَا قَوْلُ الْعَلَّامَةِ الْخُضَرِيِّ عَلَى ابْنِ عَقِيلٍ عَلَى الْأَلْفِيَّةِ وَمَنْ جَعَلَ شَرْطَهَا هُوَ الْعَامِلُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ قَالَ إنَّهَا غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَيْهِ مِثْلُهَا كَمَا يَقُولُ الْجَمِيعُ فِيهَا إذَا جَزَمَتْ كَمَا فِي الْمُغْنِي وَحِينَئِذٍ فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ (إذْ وَحَيْثُ) أَنَّهَا يَحْصُلُ الرَّبْطُ فِيهَا بَيْنَ جُمْلَتَيْ الْجَوَابِ وَالشَّرْطِ بِكَوْنِهَا شَرْطًا كَمَا فِي أَيْنَ وَمَتَى وَأَمَّا إذْ وَحَيْثُ فَلَوْلَا الْإِضَافَةُ مَا حَصَلَ بِهِمَا رَبْطٌ وَعِنْدَ تَجَرُّدِهَا عَنْ الشَّرْطِ تَكُونُ مُضَافَةً لِلْجُمْلَةِ بَعْدَهَا بِلَا خِلَافٍ فِيمَا يَظْهَرُ لِيَحْصُلَ بِهَا الرَّبْطُ فَتَدَبَّرْ اهـ.
وَمِنْهَا قَوْلُ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ عَلَى الْمُغْنِي كُلُّ كَلِمَتَيْنِ فَأَكْثَرَ كَانَتَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute