الْقِيَاسُ وَوَجَبَ التَّوَقُّفُ.
وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ جَمِيعِ ذَلِكَ وَأَنَّ الْفَرْعَ مُسَاوٍ لِلصُّورَةِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِلْحَاقُ حِينَئِذٍ وَكَذَلِكَ مُقَلِّدُهُ وَحِينَئِذٍ بِهَذَا التَّقْرِيرِ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ لَا يَشْتَغِلُ بِأُصُولِ الْفِقْهِ أَنْ لَا يُخَرِّجَ فَرْعًا أَوْ نَازِلَةً عَلَى أُصُولِ مَذْهَبِهِ وَمَنْقُولَاتِهِ وَإِنْ كَثُرَتْ مَنْقُولَاتُهُ جِدًّا فَلَا تُفِيدُ كَثْرَةُ الْمَنْقُولَاتِ مَعَ الْجَهْلِ بِمَا تَقَدَّمَ كَمَا أَنَّ إمَامَهُ لَوْ كَثُرَتْ مَحْفُوظَاتُهُ لِنُصُوصِ الشَّرِيعَةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْضِيَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأُصُولِ الْفِقْهِ حَرُمَ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ وَالتَّخْرِيجُ عَلَى الْمَنْصُوصَاتِ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ بَلْ حَرُمَ عَلَيْهِ الِاسْتِنْبَاطُ مِنْ نُصُوصِ الشَّارِعِ لِأَنَّ الِاسْتِنْبَاطَ فَرْعُ مَعْرِفَةِ أُصُولِ الْفِقْهِ فَهَذَا الْبَابُ الْمُجْتَهِدُونَ وَالْمُقَلِّدُونَ فِيهِ سَوَاءٌ فِي امْتِنَاعِ التَّخْرِيجِ بَلْ يُفْتِي كُلُّ مُقَلِّدٍ وَصَلَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي هِيَ ضَبْطُ مُطْلَقَاتِ إمَامِهِ بِالتَّقْيِيدِ وَضَبْطُ عُمُومَاتِ مَذْهَبِهِ بِمَنْقُولَاتِ مَذْهَبِهِ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ تَخْرِيجٍ إذَا فَاتَهُ شَرْطُ التَّخْرِيجِ كَمَا أَنَّ إمَامَهُ لَوْ فَاتَهُ شَرْطُ أُصُولِ الْفِقْهِ وَحِفْظِ النُّصُوصِ وَاسْتَوْعَبَهَا يَصِيرُ مُحَدِّثًا نَاقِلًا فَقَطْ لَا إمَامًا مُجْتَهِدًا كَذَلِكَ هَذَا الْمُقَلِّدُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَالنَّاسُ مُهْمِلُونَ لَهُ إهْمَالًا شَدِيدًا وَيَقْتَحِمُونَ عَلَى الْفُتْيَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّخْرِيجِ عَلَى قَوَاعِدِ الْأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِ شُرُوطِ التَّخْرِيجِ وَالْإِحَاطَةِ بِهَا فَصَارَ يُفْتِي مَنْ لَمْ يُحِطْ بِالتَّقْيِيدَاتِ وَلَا بِالتَّخْصِيصَاتِ مِنْ مَنْقُولَاتِ إمَامِهِ وَذَلِكَ لَعِبٌ فِي دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَفُسُوقٌ مِمَّنْ يَتَعَمَّدُهُ أَوَ مَا عَلِمُوا أَنَّ الْمُفْتِيَ مُخْبِرٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ مَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَخْبَرَ عَنْهُ مَعَ ضَبْطِ ذَلِكَ الْخَبَرِ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ الْكَاذِبِ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى امْرُؤٌ فِي نَفْسِهِ وَلَا يَقْدُمُ عَلَى قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ بِغَيْرِ شَرْطِهِ.
(تَنْبِيهٌ) :
كُلُّ شَيْءٍ أَفْتَى فِيهِ الْمُجْتَهِدُ فَخَرَجَتْ فُتْيَاهُ فِيهِ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ أَوْ الْقَوَاعِدِ أَوْ النَّصِّ أَوْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ لَا يَجُوزُ لِمُقَلِّدِهِ أَنْ يَنْقُلَهُ لِلنَّاسِ وَلَا يُفْتِي بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَنَقَضْنَاهُ وَمَا لَا نُقِرُّهُ شَرْعًا بَعْدَ تَقَرُّرِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْلَى أَنْ لَا نُقِرَّهُ شَرْعًا إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ وَهَذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ فَلَا نُقِرُّهُ شَرْعًا وَالْفُتْيَا بِغَيْرِ شَرْعٍ حَرَامٌ فَالْفُتْيَا بِهَذَا الْحُكْمِ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ الْمُجْتَهِدُ غَيْرَ عَاصٍ بِهِ بَلْ مُثَابًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَذَلَ جَهْدَهُ عَلَى حَسَبِ مَا أُمِرَ بِهِ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ» فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْعَصْرِ تَفَقُّدُ مَذَاهِبِهِمْ فَكُلُّ مَا وَجَدُوهُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْفُتْيَا بِهِ وَلَا يَعْرَى مَذْهَبٌ مِنْ الْمَذَاهِبِ عَنْهُ لَكِنَّهُ قَدْ يَقِلُّ وَقَدْ يَكْثُرُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْلَمَ هَذَا فِي مَذْهَبِهِ إلَّا مَنْ عَرَفَ الْقَوَاعِدَ وَالْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَالنَّصَّ الصَّرِيحَ وَعَدَمَ الْمُعَارِضِ لِذَلِكَ وَذَلِكَ يَعْتَمِدُ تَحْصِيلَ أُصُولِ الْفِقْهِ وَالتَّبَحُّرَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِمَنْزِلَةِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ بِمَعْنَى وُقُوعِهِمَا مَعًا جُزْءُ كَلَامٍ يَجُوزُ أَنْ تَعْمَلَ أُولَاهُمَا فِي الثَّانِيَةِ كَالْمُضَافِ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ الْعَكْسُ إذْ لَمْ تُعْهَدْ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ بَعْضُ أَجْزَائِهَا مُقَدَّمٌ مِنْ وَجْهٍ مُؤَخَّرٌ مِنْ آخَرَ فَكَذَلِكَ مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهَا فِي الْمَعْنَى فَمِنْ ثَمَّ لَمْ تَعْمَلْ صِلَةٌ فِي مَوْصُولٍ وَلَا تَابِعٌ فِي مَتْبُوعٍ وَلَا مُضَافٌ إلَيْهِ فِي مُضَافٍ.
وَأَمَّا كَلِمَةُ الشَّرْطِ وَالشَّرْطِ فَلَيْسَتَا كَكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ إذْ لَا يَقَعَانِ مَوْقِعَ الْمُفْرَدِ كَالْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَالْمُبْتَدَأِ فَيَجُوزُ عَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ نَحْوُ مَتَى تَذْهَبْ أَذْهَبْ وَ {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: ١١٠] نَعَمْ إنْ لَمْ يَعْمَلْ الشَّرْطُ فِي كَلِمَتِهِ نَحْوُ مَنْ قَامَ قُمْت جَازَ وُقُوعُهَا مَوْقِعَ الْمُبْتَدَأِ عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ بَعْضِهِمْ اهـ.
قَالَ الشَّيْخُ الْأَبْيَارِيُّ فِي الْقَصْرِ الْمَبْنِيِّ أَيْ فَإِنَّ مَنْ هُنَا غَيْرُ ظَرْفٍ فَهِيَ تَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ وَهُوَ لَا يَعْمَلُ فِيهَا لَكِنَّ هَذَا الْمَذْهَبَ ضَعِيفٌ اهـ إذْ لَا مَعْنَى لِجَعْلِ كَلِمَةِ إذَا مَعَ الشَّرْطِ إذَا جَزَمَتْ كَكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَعْلُهَا مَعَهُ إذَا لَمْ تَجْزِمْ لَيْسَتْ كَكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ قَدْ جَعَلُوهُمَا كَسَائِرِ كَلِمَاتِ الشَّرْطِ مَعَ شُرُوطِهَا مُطْلَقًا قَيْدًا لِجُمْلَةِ الْجَزَاءِ.
وَأَمَّا عَدَمُ تَسْلِيمِ إطْلَاقِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا لِابْنِ الشَّاطِّ فَلَا يَحْتَاجُونَ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ التَّكَلُّفَاتِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ بَلْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى الْجَزْمِ بِعَدَمِ تَسْلِيمِ إطْلَاقِهَا وَجَعَلَ إذَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: ٢٤] ظَرْفًا لِلنِّسْيَانِ.
وَلَمْ يُصَرِّحْ بِظَرْفِ الذِّكْرِ يَنْدَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ مَا أَوْرَدَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى جَعْلِ إذَا ظَرْفًا لَا ذُكِرْ الَّذِي هُوَ الْجَوَابُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُضَافًا إلَيْهِ لَا لَنَسِيت الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ وَإِنْ جَازَ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهِ لِكَوْنِهِ مُضَافًا إلَيْهِ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ لَا يَعْمَلُ فِي الْمُضَافِ مِنْ أَنَّ الذِّكْرَ ضِدُّ النِّسْيَانِ وَقَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى وُقُوعِهِمَا فِي إذَا وَالضِّدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فَكَيْفَ أَمَرَ بِالذِّكْرِ فِي زَمَنِ النِّسْيَانِ وَلَمْ نَحْتَجْ لِلْجَوَابِ عَنْهُ الْمَبْنِيِّ عَلَى صِحَّتِهِ بِأَنَّ الظَّرْفَ قَدْ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ فَيَفْضُلُ مِنْ زَمَانِ إذَا زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ نِسْيَانٌ يَقَعُ فِيهِ الذِّكْرُ فَلَا يَجْتَمِعُ الضِّدَّانِ عَلَى أَنْ لَا يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا مَعْنَى كَوْنِ الظَّرْفِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ كَمَا مَرَّ أَنَّهُ يُطْلَقُ لَفْظُ الْيَوْمِ مَثَلًا فِي فِعْلٍ يَقَعُ فِي بَعْضِهِ لَا فِي جَمِيعِهِ وَذَلِكَ الْإِطْلَاقُ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ لِلْإِطْرَادِ وَلَيْسَ ذَلِكَ حَقِيقَةً مَعْنَوِيَّةً بِمَعْنَى أَنَّ ظَرْفَ الْفِعْلِ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنْهُ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ وَلَمْ يَزَلْ الْإِشْكَالُ يَقَعُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ بَيْنَ الْحَقَائِقِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَالْحَقَائِقِ اللَّفْظِيَّةِ فَيَظُنُّهَا شَيْئًا وَاحِدًا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ قَالَ وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: ٣٩] وَلَنْ يَنْفَعَكُمْ الْيَوْمَ اشْتِرَاكُكُمْ