للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْقُولٌ وَأَمَّا ثُبُوتُ الْمَنْعِ مَعَ الْإِبَاحَةِ وَاجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ فَغَيْرُ مَعْقُولٍ وَإِذَا تَعَارَضَ الْمُسْتَحِيلُ وَالْمُمْكِنُ وَجَبَ الْعُدُولُ إلَى الْقَوْلِ بِمَا هُوَ مُمْكِنٌ.

وَقَدْ رَفَعَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْحَدَثَ إلَى غَايَةٍ وَهِيَ طَرَيَان الْحَدَثِ فَجَازَ أَنْ يَرْفَعَ التَّيَمُّمُ الْحَدَثَ إلَى غَايَاتٍ وَكَذَلِكَ نَقُولُ الْأَجْنَبِيَّةُ مَمْنُوعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَالْعَقْدُ عَلَيْهَا رَافِعٌ لِهَذَا الْمَنْعِ ارْتِفَاعًا مُغَيًّا بِغَايَاتٍ أَحَدُهَا الطَّلَاقُ وَثَانِيهَا الْحَيْضُ وَثَالِثُهَا الصَّوْمُ وَرَابِعُهَا الْإِحْرَامُ وَخَامِسُهَا الظِّهَارُ فَقَدْ وَجَدْنَا الْمَنْعَ يَرْتَفِعُ ارْتِفَاعًا مُغَيًّا بِغَايَاتٍ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ مُغَيًّا بِأَحَدِ ثَلَاثِ غَايَاتٍ وَهَذَا أَمْرٌ مَعْقُولٌ وَوَاقِعٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مُسْتَحِيلٌ فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ كَوْنَ الْجُمْهُورِ عَلَى شَيْءٍ يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِصِحَّتِهِ بَلْ الْقَطْعُ إنَّمَا يَحْصُلُ فِي الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مَجْمُوعَ الْأُمَّةِ مَعْصُومٌ أَمَّا جُمْهُورُهُمْ فَلَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُمْ وَالظَّاهِرُ إذَا عَارَضَهُ الْقَطْعُ قَطَعْنَا بِبُطْلَانِ ذَلِكَ الظُّهُورِ وَهَا هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ الضِّدَّيْنِ مُسْتَحِيلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ الظُّهُورُ وَالنَّاشِئُ عَنْ قَوْلِ الْجُمْهُورِ فَظَهَرَ لَك بِهَذِهِ الْمَبَاحِثِ بُطْلَانُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْوُضُوءِ لِلْجَنَابَةِ بِاعْتِبَارِ النَّوْمِ وَقَاعِدَةِ رَفْعِ غُسْلِ الرِّجْلِ لِلْحَدَثِ بِاعْتِبَارِ لُبْسِ الْخُفِّ

(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ يُكْرَهُ عَلَى الْخِلَافِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ هُوَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ أَوْ تَغَيَّرَ بِمَا هُوَ ضَرُورِيٌّ لَهُ كَالْجَارِي عَلَى الْكِبْرِيتِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُلَازِمُ الْمَاءَ فِي مَقَرِّهِ وَكَانَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَنْ لَا يُسَمَّى مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَدْ تَقَيَّدَ بِإِضَافَةِ عَيْنٍ أُخْرَى إلَيْهِ لَكِنَّهُ اُسْتُثْنِيَ لِلضَّرُورَةِ فَجُعِلَ مُطْلَقًا تَوْسِعَةً عَلَى الْمُكَلَّفِ وَاخْتِيرَ هَذَا اللَّفْظُ لِهَذَا الْمَاءِ وَهُوَ قَوْلُنَا مُطْلَقٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ يُفْرَدُ فِيهِ إذَا عَبَّرَ عَنْهُ فَيُقَالُ مَاءٌ وَشَرِبْت مَاءً.

وَهَذَا مَاءٌ وَخَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ رَحْمَةً لِلْعَالَمَيْنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ فَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُفْرَدُ اللَّفْظُ فِيهِ بَلْ يُقَالُ مَاءُ الْوَرْدِ مَاءُ الرَّيَاحِينِ مَاءُ الْبِطِّيخِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَا يُذْكَرُ اللَّفْظُ إلَّا مُقَيَّدًا بِإِضَافَةٍ أَوْ مَعْنًى آخَرَ.

وَأَمَّا فِي هَذَا الْمَاءِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى لَفْظٍ مُفْرَدٍ مُطْلَقٍ غَيْرِ مُقَيَّدٍ وَإِنْ وَقَعَتْ الْإِضَافَةُ فِيهِ كَقَوْلِنَا مَاءُ الْبَحْرِ وَمَاءُ الْبِئْرِ وَنَحْوُهُمَا فَهِيَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا بِخِلَافِ مَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ الْقَيْدِ وَتِلْكَ الْإِضَافَةِ فَمِنْ هُنَا حَصَلَ الْفَرْقُ مِنْ جِهَةِ التَّعْيِينِ وَاللُّزُومِ وَعَدَمِهِ أَمَّا جَوَازُ الْإِطْلَاقِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَمُشْتَرَكٌ فِيهِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَهَذَا هُوَ ضَابِطُ الْمُطْلَقِ وَأَمَّا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فَهُوَ الَّذِي أُدِّيَتْ بِهِ طَهَارَةٌ وَانْفَصَلَ مِنْ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ فِي

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَهَذَا مُقَصِّرٌ فِي حَقِّ الِاجْتِهَادِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَلَا يَجُوزُ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَتَسَاهَلَ فِي طَلَبِ الرُّخَصِ وَتَأَوُّلِ السُّنَّةِ فَهَذَا مُتَجَوِّزٌ فِي دِينِهِ وَهُوَ آثِمٌ مِنْ الْأَوَّلِ اهـ.

لَكِنْ قَالَ مَنْ وَصَفَهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي تَوْشِيحِ التَّرْشِيحِ بِالْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ تَوْقِيفُ الْفُتْيَا عَلَى حُصُولِ الْمُجْتَهِدِ يُفْضِي إلَى حَرَجٍ عَظِيمٍ وَاسْتِرْسَالِ الْخَلْقِ فِي أَهْوَائِهِمْ فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الرَّاوِيَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ إذَا كَانَ عَدْلًا مُتَمَكِّنًا مِنْ فَهْمِ كَلَامِ الْإِمَامِ ثُمَّ حَكَى لِلْمُقَلَّدِ قَوْلَهُ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْعَامِّيِّ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ عِنْدَهُ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَانِنَا عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْفُتْيَا هَذَا مَعَ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِأَنَّ نِسَاءَ الصَّحَابَةِ كُنَّ يَرْجِعْنَ فِي أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَغَيْرِهِ إلَى مَا يُخْبِرُ بِهِ أَزْوَاجُهُنَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ فَعَلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ أَرْسَلَ الْمِقْدَادَ فِي قِصَّةِ الْمَذْيِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا أَظْهَرُ فَإِنَّ مُرَاجَعَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ ذَاكَ مُمْكِنَةٌ وَمُرَاجَعَةُ الْمُقَلِّدِ الْآنَ لِلْأَئِمَّةِ السَّابِقِينَ مُتَعَذِّرَةٌ وَقَدْ أَطْبَقَ النَّاسُ عَلَى تَنْفِيذِ أَحْكَامِ الْقُضَاةِ مَعَ عَدَمِ شَرَائِطِ الِاجْتِهَادِ الْيَوْمَ أَيْ لِطُولِ الْمُدَّةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زَمَنِ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ مَعَ ضَعْفِ الْعِلْمِ وَغَلَبَةِ الْجَهْلِ سِيَّمَا وَقَدْ ادَّعَى الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَكَانَ إمَامًا جَلِيلًا مُتَضَلِّعًا مِنْ الْعُلُومِ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ وَمِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ الرَّابِعِ بُلُوغَهُ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ فَلَمْ يُسَلِّمُوا لَهُ فَمَا بَالُك بِغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْبَعِيدَةِ كَمَا فِي رِسَالَةِ كَيْفِيَّةِ الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الزَّيْغِ لِشَيْخِ شُيُوخِنَا السَّيِّدِ أَحْمَدَ دَخْلَانَ وَفِي الْحَطَّابِ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ اسْتِعَاذَةَ الْفَخْرِ فِي الْمَحْصُولِ وَتَبِعَهُ السَّرَّاجُ فِي تَحْصِيلِهِ وَالتَّاجُ فِي حَاصِلِهِ فِي قَوْلِهِمْ فِي كِتَابِ الِاجْتِهَادِ مَا نَصُّهُ وَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَاحِدٌ كَانَ قَوْلُهُ حُجَّةً اهـ.

وَإِنْ بَنَى عَلَى بَقَاءِ الِاجْتِهَادِ فِي عَصْرِهِمْ وَالْفَخْرُ تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّمِائَةٍ لَكِنَّهُمْ قَالُوا فِي كِتَابِ الِاسْتِفْتَاءِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَانِنَا عَلَى تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ إذْ لَا مُجْتَهِدَ فِيهِ اهـ وَإِذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا مُجْتَهِدَ فِي الْقَرْنِ السَّابِعِ فَكَيْفَ لَا يَنْعَقِدُ بِالْأَوْلَى فِي الْقَرْنِ الرَّابِعَ عَشَرَ وَقَدْ قَالَ الْعَطَّارُ وَفِي عَصْرِنَا وَهُوَ الْقَرْنُ الثَّالِثَ عَشَرَ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ بِتَرَاكُمِ عَظَائِمِ الْخُطُوبِ نَسْأَلُ السَّلَامَةَ اهـ.

ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيُّ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ مَرَاتِبُ إحْدَاهَا أَنْ يَصِلَ إلَى رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ الْمُقَيَّدِ فَيَسْتَقِلُّ بِتَقْرِيرِ مَذْهَبِ إمَامٍ مُعَيَّنٍ وَنُصُوصِهِ أُصُولًا يَسْتَنْبِطُ مِنْهَا نَحْوُ مَا يَفْعَلُهُ بِنُصُوصِ الشَّارِعِ وَهَذِهِ صِفَةُ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَاَلَّذِي أَظُنُّهُ قِيَامَ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ فُتْيَا هَؤُلَاءِ وَأَنْتَ تَرَى عُلَمَاءَ الْمَذْهَبِ مِمَّنْ وَصَلَ إلَى هَذِهِ الرُّتْبَةِ هَلْ مَنَعَهُمْ أَحَدٌ الْفَتْوَى أَوْ مَنَعُوا هُمْ أَنْفُسَهُمْ عَنْهَا؛ الثَّانِيَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>