الْأَعْضَاءِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ طَهُورٌ مُطْلَقٌ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا.
فَإِذَا انْفَصَلَ عَنْ الْعُضْوِ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ صَالِحٌ لِلتَّطْهِيرِ أَمْ لَا وَهَلْ هُوَ نَجَسٌ أَمْ لَا وَهَلْ يَنْجُسُ الثَّوْبُ إذَا لَاقَاهُ أَمْ لَا هَذِهِ أَقْوَالٌ لِلْحَنَفِيَّةِ وَلِغَيْرِهَا وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِخُرُوجِهِ عَنْ صَلَاحِيَّتِهِ لِلتَّطْهِيرِ هَلْ ذَلِكَ مُعَلَّلٌ بِإِزَالَةِ الْمَانِعِ أَوْ بِأَنَّهُ أُدِّيَتْ بِهِ قُرْبَةٌ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَسَائِلُ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْعِلَّةَ إزَالَةُ الْمَانِعِ لَمْ يَنْدَرِجْ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ الْغُسْلُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فِي الْوُضُوءِ إذَا نَوَى فِي الْأُولَى الْوُجُوبَ وَلَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُزِيلُ الْمَانِعَ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْمَانِعَ مِنْ الْوَطْءِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ سَبَبَ ذَلِكَ كَوْنُهُ أُدِّيَتْ بِهِ قُرْبَةٌ انْدَرَجَ فِيهِ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَفِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَلَا يَنْدَرِجُ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ تَحْصُلْ بِهِ قُرْبَةٌ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ وَلِلْقَائِلَيْنِ بِالْمَنْعِ وَخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ صَالِحًا لِلتَّطْهِيرِ مَدَارِكُ أَحْسَنُهَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨] وقَوْله تَعَالَى {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: ١١] .
مُطْلَقٌ فِي التَّطْهِيرِ لَا عَامٌّ فِيهِ بَلْ عَامٌّ فِي الْمُكَلَّفِينَ فَإِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبِيدِهِ أَخْرَجْت هَذَا الثَّوْبَ لِأُغَطِّيَكُمْ بِهِ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُغَطِّيهِمْ بِهِ مَرَّاتٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَصْلِ التَّغْطِيَةِ فِي جَمِيعِهِمْ فَإِذَا غَطَّاهُمْ بِهِ مَرَّةً حَصَلَ مُوجِبُ اللَّفْظِ وَكَذَلِكَ هُنَا إذَا تَطَهَّرْنَا بِالْمَاءِ مَرَّةً حَصَلَ مُوجِبُ اللَّفْظِ فَبَقِيَتْ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ فِيهِ غَيْرَ مَنْطُوقٍ بِهَا فَتَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ عَدَمُ الِاعْتِبَارِ فِي التَّطْهِيرِ إذْ الْأَصْلُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي التَّطْهِيرِ وَغَيْرِهِ إلَّا مَا وَرَدَتْ الشَّرِيعَةُ بِهِ وَهَذَا وَجْهٌ قَوِيٌّ حَسَنٌ وَمَدْرَكٌ جَمِيلٌ وَاحْتَجُّوا مَعَ هَذَا الْوَجْهِ بِقَوْلِهِمْ إنَّهُ مَاءٌ أُدِّيَتْ بِهِ عِبَادَةٌ فَلَا تُؤَدَّى بِهِ عِبَادَةٌ أُخْرَى كَالرَّقَبَةِ فِي الْعِتْقِ وَبِقَوْلِهِمْ إنَّهُ مَاءُ الذُّنُوبِ فَيَكُونُ نَجِسًا.
وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ مَاءُ الذُّنُوبِ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا تَوَضَّأَ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ بَيْنِ أَنَامِلِهِ وَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ أَطْرَافِ أُذُنَيْهِ» الْحَدِيثَ. فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَاءَ تَخْرُجُ مَعَهُ الذُّنُوبُ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ إذَا كَانَ مَاءَ الذُّنُوبِ يَكُونُ نَجَسًا لِأَنَّ الذُّنُوبَ مَمْنُوعٌ مِنْ مُلَابَسَتِهَا شَرْعًا وَالنَّجَاسَةُ هِيَ مَنْعٌ شَرْعِيٌّ فَإِذَا حَصَلَ الْمَنْعُ حَصَلَتْ النَّجَاسَةُ.
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّكُمْ تُجَوِّزُونَ عِتْقَ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ فِي الْكَفَّارَاتِ الْوَاجِبَاتِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا كَافِرًا ذِمِّيًّا ثُمَّ خَرَجَ إلَى أَهْلِ الْحَرْبِ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ ثُمَّ غَنِمْنَاهُ عَادَ رَقِيقًا وَجَازَ عِتْقُهُ فِي الْوَاجِبِ مَرَّةً أُخْرَى عِنْدَكُمْ فَمَا قِسْتُمْ عَلَيْهِ لَا يَتِمُّ عَلَى أُصُولِكُمْ سَلَّمْنَا صِحَّةَ الْقِيَاسِ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ عَيْنٌ أُدِّيَتْ بِهِ عِبَادَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ تُؤَدَّى بِهِ عِبَادَةٌ أُخْرَى كَالثَّوْبِ فِي سُتْرَةِ الصَّلَاةِ وَاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ.
وَكَذَلِكَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ لَكِنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ حَافِظٌ لِلْمَذْهَبِ قَائِمٌ بِتَقْرِيرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَرْتَضْ فِي التَّخْرِيجِ وَالِاسْتِنْبَاطِ كَارْتِيَاضِ أُولَئِكَ وَقَدْ كَانُوا يُفْتُونَ وَيُخَرِّجُونَ كَأُولَئِكَ اهـ وَفِي جَوَازِ إفْتَاءِ مَنْ فِي هَذِهِ الرُّتْبَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَثَالِثُهَا عِنْدَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ كَمَا حَكَاهُ شَافِعِيٌّ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ الثَّالِثَةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ هَذَا الْمِقْدَارَ وَلَكِنَّهُ حَافِظٌ لِوَاضِحَاتِ الْمَسَائِلِ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَهُ ضَعْفًا فِي تَقْرِيرِ أَدِلَّتِهَا فَعَلَى هَذَا الْإِمْسَاكُ فِيمَا يَغْمُضُ فَهْمُهُ فِيمَا لَا نَقْلَ عِنْدَهُ فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي حَكَيْنَا فِيهِ الْخِلَافَ فَإِنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى الْمَأْخَذِ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ غَيْرُ عَوَامَّ اهـ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ لَهُ الْإِفْتَاءَ فِيمَا لَا يَغْمُضُ فَهْمُهُ قَالَ مُتَأَخِّرٌ شَافِعِيٌّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا رَاجِعًا لِمَحَلِّ الضَّرُورَةِ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ اهـ.
وَثَانِي الْأَقْوَالِ فِيهِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَثَالِثُهَا الْجَوَازُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ وَعَدَمِ الْجَوَازِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ وَقِيلَ الصَّوَابُ إنْ كَانَ السَّائِلُ يُمْكِنُهُ التَّوَصُّلُ إلَى عَالِمٍ يَهْدِيهِ السَّبِيلَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ اسْتِفْتَاءُ مِثْلِ هَذَا وَلَا يَحِلُّ لِهَذَا أَنْ يُنَصِّبَ نَفْسَهُ لِلْفَتْوَى مَعَ وُجُودِ هَذَا الْعَالِمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِهِ أَوْ نَاحِيَتِهِ غَيْرُهُ فَلَا رَيْبَ أَنَّ رُجُوعَهُ إلَيْهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَقْدُمَ عَلَى الْعَمَلِ بِلَا عِلْمٍ أَوْ يَبْقَى مُرْتَبِكًا فِي حَيْرَتِهِ مُتَرَدِّدًا فِي عَمَاهُ وَجَهَالَتِهِ بَلْ هَذَا هُوَ الْمُسْتَطَاعُ مِنْ تَقْوَاهُ الْمَأْمُورُ بِهَا وَهُوَ حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(أَمَّا الْعَامِّيُّ) إذَا عَرَفَ حُكْمَ حَادِثَةٍ بِدَلِيلِهَا فَهَلْ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ وَيَسُوغَ لِغَيْرِهِ تَقْلِيدُهُ فَفِيهِ أَوْجُهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَحَدُهَا لَا مُطْلَقًا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلِاسْتِدْلَالِ وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِشُرُوطِهِ وَمَا يُعَارِضُهُ وَلَعَلَّهُ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ دَلِيلًا وَهَذَا فِي بَحْرِ الزَّرْكَشِيّ الْأَصَحُّ ثَانِيهَا نَعَمْ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ كَمَا لِلْعَالِمِ وَتَمَيُّزِ الْعَالِمِ عَنْهُ لِقُوَّةٍ يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ تَقْرِيرِ الدَّلِيلِ وَدَفْعِ الْمُعَارِضِ لَهُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ بِدَلِيلِهِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ الدَّلِيلُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً جَازَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُمَا خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ فَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْعَمَلُ بِمَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْهُمَا وَإِرْشَادُ غَيْرِهِ إلَيْهِ رَابِعُهَا إنْ كَانَ نَقْلِيًّا جَازَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ السُّبْكِيُّ (وَأَمَّا الْعَامِّيُّ) الَّذِي عَرَفَ مِنْ الْمُجْتَهِدِ حُكْمَ مَسْأَلَةٍ وَلَمْ يَدْرِ دَلِيلَهَا كَمَنْ حَفِظَ مُخْتَصَرًا مِنْ مُخْتَصَرَاتِ الْفِقْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَرُجُوعُ الْعَامِّيِّ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ سِوَاهُ أَوْلَى مِنْ الِارْتِبَاكِ فِي الْحَيْرَةِ.
وَكُلُّ هَذَا فِي مَنْ لَمْ يَنْقُلْ عَنْ غَيْرِهِ أَمَّا النَّاقِلُ فَلَا يُمْنَعُ فَإِذَا ذَكَرَ الْعَامِّيُّ أَنَّ فُلَانًا الْمُفْتِيَ أَفْتَانِي بِكَذَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نَقْلِ هَذَا الْقَدْرِ. اهـ.
لَكِنْ لَيْسَ لِلْمَذْكُورِ لَهُ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى مَا فِي الزَّرْكَشِيّ لَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَعْمَلَ بِفَتْوَى مُفْتٍ لِعَامِّيٍّ مِثْلِهِ أَفَادَ جَمِيعَ هَذَا أَمِيرُ الْحَاجِّ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ شَرْحِهِ عَلَى التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ