للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَالُ فِي الزَّكَاةِ لَوْ اشْتَرَاهُ مِمَّنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ جَازَ أَنْ يُخْرِجَهُ فِي الزَّكَاةِ مَرَّةً أُخْرَى وَكَذَلِكَ السَّيْفُ فِي الْجِهَادِ يُجَاهِدُ بِهِ مِرَارًا وَالْفَرَسُ وَغَيْرُهُ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ فِي الشَّرِيعَةِ تُؤَدَّى بِهِ الْعِبَادَاتُ مِرَارًا كَثِيرَةً نُعَارِضُكُمْ بِهِ فِي هَذَا الْقِيَاسِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الذُّنُوبَ لَيْسَتْ أَجْرَامًا تُوجِبُ تَنْجِيسَ الْمَاءِ وَالنَّجَاسَةُ فِي الشَّرْعِ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَجْرَامِ عِنْدَ اتِّصَافِهَا بِأَعْرَاضٍ أُخَرَ وَهَذِهِ لَيْسَتْ أَجْرَامًا فَلَا تَكُونُ تُوجِبُ التَّنْجِيسَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ مُلَابَسَةَ الذُّنُوبِ حَرَامٌ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَإِنَّمَا الذُّنُوبُ الَّتِي تَحْرُمُ مُلَابَسَتُهَا فِي الشَّرِيعَةِ هِيَ أَفْعَالٌ خَاصَّةٌ لِلْمُكَلَّفِ اخْتِيَارِيَّةٌ مُكْتَسَبَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ.

وَأَمَّا هَذِهِ الذُّنُوبُ فَمَعْنَاهَا اسْتِحْقَاقُ الْمُؤَاخَذَةِ وَذَلِكَ حُكْمٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِعْلٌ لِلْمُكَلَّفِ وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيَخْتَصُّ بِهِ لَا اخْتِيَارَ لِلْمُكَلَّفِ فِيهِ وَلَا كَسْبَ وَحِينَئِذٍ لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا إيهَامٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ السَّلَفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يُبَاشِرُونَ الْأَسْفَارَ مَعَ قِلَّةِ الْمَاءِ فِيهَا وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ جَمَعَ مَاءَ طَهَارَتِهِ لِيَسْتَعْمِلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ لَا يُتَطَهَّرُ بِهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْغَالِبَ فِي ذَلِكَ الْمَاءِ التَّغَيُّرُ لَا سِيَّمَا فِي زَمَنِ الصَّيْفِ وَشُعْثِ السَّفَرِ فَلَا يَنْفَصِلُ إلَّا مُتَغَيِّرًا بِالْأَعْرَاقِ وَغَيْرِهَا وَالْمُتَغَيِّرُ لَا يَصْلُحُ لِلتَّطْهِيرِ إنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَمَّا هَذَا فَمَانِعٌ آخَرُ غَيْرُ كَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَالْمَاءِ الْمُطْلَقِ.

(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّجَاسَاتِ فِي الْبَاطِنِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّجَاسَاتِ تُرَدُّ عَلَى بَاطِنِ الْحَيَوَانِ) اعْلَمْ أَنَّ بَاطِنَ الْحَيَوَانِ مُشْتَمِلٌ عَلَى رُطُوبَاتٍ كَالدَّمِ وَالْمَذْيِ وَالْمَنِيِّ وَالْبَوْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الرُّطُوبَاتِ وَكَذَلِكَ أَثَفَالُ الْغِذَاءِ وَالْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ الدَّمُ وَالصَّفْرَاءُ وَالسَّوْدَاءُ وَالْبَلْغَمُ وَجَمِيعُ ذَلِكَ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِنَجَاسَةٍ فَمَنْ حَمَلَ حَيَوَانًا فِي صَلَاتِهِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَإِذَا انْفَصَلَتْ هَذِهِ الرُّطُوبَاتُ وَالْأَثْفَالُ مِنْ بَاطِنِ الْحَيَوَانِ فَحِينَئِذٍ يُقْبَلُ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهَا بِالنَّجَاسَةِ فَالدَّمُ لَمْ أَرَ أَحَدًا قَضَى عَلَيْهِ بِالطَّهَارَةِ.

وَأَمَّا الْبَوْلُ وَالْعُذْرَةُ فَهُمَا نَجَسَانِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَمِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَأَمَّا مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَهُمَا مِنْهُ عِنْدَ مَالِكٍ طَاهِرَانِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ نَجَسَانِ وَمِنْ الْحَيَوَانِ الْمَكْرُوهِ الْأَكْلِ قِيلَ مَكْرُوهَانِ كَاللَّحْمِ وَقِيلَ نَجَسَانِ تَغْلِيبًا لِلِاسْتِقْذَارِ وَأَمَّا الدَّمُ وَالسَّوْدَاءُ فَهُمَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ نَجَسَانِ وَالْبَلْغَمُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّجَاسَاتِ فِي الْبَاطِنِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّجَاسَاتِ تُرَدُّ عَلَى بَاطِنِ الْحَيَوَانِ إلَى قَوْلِهِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مَعَ زِيَادَةٍ وَتَوْضِيحِ الْمَقَامِ عَلَى مَا يُرَامُ أَنَّ الْإِفْتَاءَ كَانَ فِي الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي شَهِدَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» مِنْ خَوَاصِّ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ ضَرُورَةَ أَنَّ الِاجْتِهَادَ اسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ الْوُسْعَ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ وَالْفَقِيهُ هُوَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ وَتَحَقُّقُ مَاهِيَةِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ لَا يُوجَدُ إلَّا بِشُرُوطٍ مِنْهَا مَا هِيَ صِفَةٌ فِيهِ وَهِيَ مَا ذَكَرَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِقَوْلِهِ مَعَ تَوْضِيحٍ مِنْ شَرْحِ الْمَحَلِّيّ وَغَيْرِهِ (هُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ) أَيْ ذُو الْمَلَكَةِ الَّتِي يُدْرِكُ بِهَا الْمَعْلُومَ أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ (فَقِيهُ النَّفْسِ) أَيْ شَدِيدُ الْفَهْمِ بِالطَّبْعِ لِمَقَاصِدِ الْكَلَامِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْقِيَاسَ (الْعَارِفُ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ) أَيْ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالتَّكْلِيفِ بِهِ فِي الْحُجِّيَّةِ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّا مُكَلَّفُونَ بِالتَّمَسُّكِ بِاسْتِصْحَابِ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ إلَى أَنْ يُصْرَفُ عَنْهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ (ذُو الدَّرَجَةِ الْوُسْطَى) أَوْ الْكَامِلَةِ لُغَةً وَعَرَبِيَّةً مِنْ نَحْوٍ وَتَصْرِيفٍ وَأُصُولًا بِأَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَبَلَاغَةٍ مِنْ مَعَانٍ وَبَيَانٍ وَمَا تَتَعَلَّقُ الْأَحْكَامُ بِهِ بِدَلَالَتِهِ عَلَيْهَا مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ الْمُتُونَ لِيَتَأَتَّى لَهُ الِاسْتِنْبَاطُ الْمَقْصُودُ بِالِاجْتِهَادِ أَمَّا عِلْمُهُ بِآيَاتِ الْأَحْكَامِ وَأَحَادِيثِهَا أَيْ مَوَاقِعِهَا.

وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهَا فَلِأَنَّهَا الْمُسْتَنْبَطُ مِنْهُ وَأَمَّا عِلْمُهُ بِأُصُولِ الْفِقْهِ فَلِأَنَّهُ يَعْرِفُ بِهِ كَيْفِيَّةَ الِاسْتِنْبَاطِ وَغَيْرَهَا لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَأَمَّا عِلْمُهُ بِالْبَاقِي فَلِأَنَّهُ لَا يَفْهَمُ الْمُرَادَ مِنْ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ إلَّا بِهِ لِأَنَّهُ عَرَبِيٌّ بَلِيغٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الِاجْتِهَادِ لَا صِفَةٌ فِي الْمُجْتَهِدِ وَهِيَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ عَنْ وَالِدِهِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ مِنْ كَوْنِهِ خَبِيرًا بِمَوَاقِع الْإِجْمَاعِ كَيْ لَا يَخْرِقَهُ وَبِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لِيُقَدِّمَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي وَبِأَسْبَابِ النُّزُولِ لِتُرْشِدَهُ إلَى فَهْمِ الْمُرَادِ وَبِشَرْطِ الْمُتَوَاتِرِ وَالْآحَادِ الْمُحَقِّقِ لَهُمَا لِيُقَدِّمَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي وَبِالصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ مِنْ الْحَدِيثِ أَيْ مَاصَدَقَاتِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْحَسَنَةِ وَالضَّعِيفَةِ لَا مَفَاهِيمُهَا فَإِنَّ ذَلِكَ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ لِيُقَدِّمَ مَاصَدَق الصَّحِيحَةِ وَالْحَسَنَةِ عَلَى مَاصَدَق الضَّعِيفَةِ وَبِحَالِ الرُّوَاةِ فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ لِيُقَدِّمَ الْمَقْبُولَ عَلَى الْمَرْدُودِ وَيُشْتَرَطُ لِاعْتِمَادِ قَوْلِهِ لَا لِاجْتِهَادِهِ الْعَدَالَةُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَوْنِ الْبَحْثِ عَنْ الْمُعَارِضِ كَالْمُخَصَّصِ وَالْمُقَيَّدِ وَالنَّاسِخِ.

وَعَنْ اللَّفْظِ هَلْ مَعَهُ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ لِيَسْلَمَ مَا يَسْتَنْبِطُهُ عَنْ تَطَرُّقِ الْخَدْشِ إلَيْهِ لَوْ لَمْ يَبْحَثْ وَاجِبًا أَوْ أَوْلَى فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ وَهَذِهِ الشُّرُوطُ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى تَسْلِيمِ تَحَقُّقِهَا فِي عُلَمَاءِ تِلْكَ الْقُرُونِ وَلَمْ يُعَارِضُوا مَنْ ادَّعَى الِاجْتِهَادَ الْمُطْلَقَ مِنْهُمْ.

وَأَمَّا عُلَمَاءُ الْقَرْنِ الرَّابِعِ وَعُلَمَاءُ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْقُرُونِ إلَى هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>