للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ مِنْ الْخَابِيَةِ.

وَكَذَلِكَ إذَا فَرَّقَ صُبْرَتَهُ صِيعَانًا فَعَقَدَ عَلَى صَاعٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ تِلْكَ الْأَمْثَالِ وَلَوْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ لَكَانَ لَهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ بِأَيِّ مِثْلٍ شَاءَ مِنْ تِلْكَ الْأَمْثَالِ فَهَذَا أَيْضًا يُوَضِّحُ لَك أَنَّ الْمُعَيَّنَاتِ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَأَنَّ مَا فِي الذِّمَمِ لَا يَكُونُ مُعَيَّنًا بَلْ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ وَالْأَجْنَاسِ الْمُشْتَرَكَةِ فَيَقْبَلُ مَا لَا يَتَعَيَّنُ مِنْهَا الْبَدَلَ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَقْبَلُ الْبَدَلَ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ وَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ فَلَا يَنْتَقِلُ الْأَدَاءُ إلَى الذِّمَّةِ إلَّا إذَا خَرَجَ وَقْتُهُ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ بِوَقْتِهِ وَالْقَضَاءُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ يَتَعَيَّنُ حَدُّهُ بِخُرُوجِهِ فَهُوَ فِي الذِّمَّةِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الِانْتِقَالِ إلَى الذِّمَّةِ تَعَذُّرَ الْمُعَيَّنِ كَالزَّكَاةِ مَثَلًا مَا دَامَتْ مُعَيَّنَةً بِوُجُودِ نِصَابِهَا لَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا تَلِفَ النِّصَابُ بِعُذْرٍ لَا يَضْمَنُ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ وَلَا يَنْتَقِلُ الْوَاجِبُ إلَى الذِّمَّةِ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ إذَا تَعَذَّرَ فِيهَا الْأَدَاءُ بِخُرُوجِ وَقْتَيْهَا لِعُذْرٍ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ عُذْرٍ تَرَتَّبَتْ فِي الذِّمَّةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

فَيَقْبَلُ مَا لَا يَتَعَلَّقُ مِنْهَا الْبَدَلَ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَقْبَلُ الْبَدَلَ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ مَا عَدَا قَوْلَهُ بَلْ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ وَالْأَجْنَاسِ الْمُشْتَرَكَةِ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ كُلِّيَّةٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ أَيْ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْهَا فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا.

قَالَ (وَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ فَلَا يَنْتَقِلُ الْأَدَاءُ إلَى الذِّمَّةِ إلَّا إذَا خَرَجَ وَقْتُهُ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ بِوَقْتِهِ وَالْقَضَاءُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ يَتَعَيَّنُ حَدُّهُ بِخُرُوجِهِ فَهُوَ فِي الذِّمَّةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فِي كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّ الْأَفْعَالَ لَا تَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْوُقُوعِ وَكُلُّ فِعْلٍ لَمْ يَقَعْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُوَقَّتَ مُعَيَّنٌ بِوَقْتِهِ لَا يُفِيدُهُ الْمَقْصُودُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا بِوَقْتِهِ أَيْ وَقْتُهُ مُعَيَّنٌ فَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ بِمَكَانِهِ وَسَائِرِ أَحْوَالِهِ.

قَالَ (وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الِانْتِقَالِ إلَى الذِّمَّةِ تَعَذُّرَ الْمُعَيَّنِ كَالزَّكَاةِ مَثَلًا مَا دَامَتْ مُعَيَّنَةً بِوُجُودِ نِصَابِهَا لَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا تَلِفَ النِّصَابُ بِعُذْرٍ لَا يَضْمَنُ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ وَلَا يَنْتَقِلُ الْوَاجِبُ إلَى الذِّمَّةِ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ إذْ تَعَذَّرَ فِيهَا الْأَدَاءُ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا لِعُذْرٍ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ عُذْرٍ تَرَتَّبَتْ فِي الذِّمَّةِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

قَالَ أَمَّا بِالْفِعْلِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يُقْصَدُ بِهِ الْإِفْهَامُ فِي مَعْهُودِ الِاسْتِعْمَالِ فَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْقَوْلِ الْمُصَرَّحِ بِهِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ» «وَسُئِلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَجَّتِهِ فَقَالَ ذَبَحْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ قَالَ لَا حَرَجَ» .

وَقَالَ «يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَالْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرَجُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْهَرَجُ فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَحَرَّفَهَا كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْقَتْلَ» وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ حِينَ أَشَارَتْ إلَى السَّمَاءِ قُلْت آيَةٌ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَيْ نَعَمْ وَحِينَ «سُئِلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ قَالَ لِلسَّائِلِ صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ قَالَ لَهُ الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» أَوْ كَمَا قَالَ وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا وَالثَّانِي مَا يَقْتَضِيهِ كَوْنُهُ أُسْوَةً يُقْتَدَى بِهِ وَمَبْعُوثًا لِذَلِكَ قَصْدًا وَأَصْلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} [الأحزاب: ٣٧] الْآيَةَ وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١] الْآيَةَ.

وَقَالَ فِي إبْرَاهِيمَ {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ} [الممتحنة: ٤] إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ وَالتَّأَسِّي إيقَاعُ الْفِعْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا «وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأُمِّ سَلَمَةَ أَلَا أَخْبَرْتِهِ أَنِّي أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ» وَقَالَ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فِي الِاقْتِدَاءِ بِأَفْعَالِهِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى وَلِذَلِكَ جَعَلَ الْأُصُولِيُّونَ أَفْعَالَهُ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ كَأَقْوَالِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَثَبَتَ لِلْمُفْتِي أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ النَّبِيِّ وَنَائِبٌ مَنَابَهُ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَفْعَالَهُ مَحَلٌّ لِلِاقْتِدَاءِ أَيْضًا فَمَا قَصَدَ بِهِ الْبَيَانَ وَالْإِعْلَامَ فَظَاهِرٌ وَمَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَارِثٌ وَقَدْ كَانَ الْمُوَرِّثَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ مُطْلَقًا فَكَذَلِكَ الْوَارِثُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ وَارِثًا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالثَّانِي أَنَّ التَّأَسِّي بِالْأَفْعَالِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ يُعَظَّمُ فِي النَّاسِ سِرٌّ مَبْثُوثٌ فِي طِبَاعِ الْبَشَرِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِانْفِكَاكِ عَنْهُ بِوَجْهٍ وَلَا بِحَالٍ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الِاعْتِيَادِ وَالتَّكْرَارِ وَإِذَا صَادَفَ مَحَبَّةً وَمَيْلًا إلَى الْمُتَأَسِّي بِهِ وَإِمْكَانِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَالْكَذِبِ عَمْدًا وَسَهْوًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ لَمَّا لَمْ تُعْتَبَرْ فِي الْأَقْوَالِ كَانَ إمْكَانُ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْكُفْرِ مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْأَفْعَالِ وَلِأَجْلِ هَذَا تُسْتَعْظَمُ شَرْعًا زَلَّةُ الْعَالِمِ فَلَا بُدَّ لِمَنْ يَنْتَصِبُ لِلْفَتْوَى بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى أَفْعَالِهِ حَتَّى تَجْرِيَ عَلَى قَانُونِ الشَّرْعِ لِيُتَّخَذَ فِيهَا أُسْوَةً.

وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَرَاجِعٌ إلَى الْفِعْلِ لِأَنَّ الْكَفَّ فِعْلٌ وَكَفُّ الْمُفْتِي عَنْ الْإِنْكَارِ إذَا رَأَى فِعْلًا مِنْ الْأَفْعَالِ كَتَصْرِيحِهِ بِجَوَازِهِ وَقَدْ أَثْبَتَ الْأُصُولِيُّونَ ذَلِكَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَذَلِكَ يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُنْتَصِبِ لِلْفَتْوَى وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدِلَّةِ فِي الْفَتْوَى الْفِعْلِيَّةِ جَازَ هُنَا بِلَا إشْكَالٍ وَمِنْ هُنَا ثَابَرَ السَّلَفُ عَلَى الْقِيَامِ بِوَظِيفَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَمْ يُبَالُوا فِي ذَلِكَ بِمَا يَنْشَأُ عَنْهُ مِنْ عَوْدِ الْمَضَرَّاتِ عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ فَمَا دُونَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>