عَلَيْهِ الْآفَةُ الْمَانِعَةُ لَهُ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ صَلَّى عُرْيَانًا مِنْ غَيْرِ إثْمٍ وَيَسْقُطُ التَّكْلِيفُ بِالْكُلِّيَّةِ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ التَّصَرُّفَ بِالتَّخْيِيرِ مَعَ الْعُذْرِ فِي الْأَخِيرِ يَقُومُ مَقَامَ الْعُذْرِ فِي الْجَمِيعِ فَكَذَلِكَ آخِرُ الْوَقْتِ وَرَابِعُهَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ مِنْ الْمَاءِ لِطَهَارَتِهِ مِرَارًا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ تِلْكَ الْمَقَادِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الثِّيَابِ وَالرِّقَابِ فَلَهُ هِبَةُ مَا عَدَا كِفَايَتَهُ فَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِالْهِبَةِ بِمُقْتَضَى التَّخْيِيرِ ثُمَّ تَلِفَ الْمَاءُ الْآخَرُ الَّذِي اسْتَبَقَاهُ سَقَطَ التَّكْلِيفُ بِالْوُضُوءِ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ غَيِّ إثْمٍ وَقَامَ التَّصَرُّفُ بِالتَّخْيِيرِ مَعَ الْآفَةِ فِي الْأَخِيرِ مَقَامَ حُصُولِ الْعُذْرِ فِي الْجَمِيعِ فِي عَدَمِ الْإِثْمِ وَسُقُوطِ التَّكْلِيفِ كَذَلِكَ هَا هُنَا يَقُومُ التَّصَرُّفُ فِي الْأَوْقَاتِ الْأَوَّلِ بِالتَّخْيِيرِ مَعَ حُصُولِ الْعُذْرِ فِي الْأَخِيرِ مَقَامَ حُصُولِ الْعُذْرِ فِي جَمِيعِهَا. وَخَامِسُهَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ صَاعَانِ مِنْ الطَّعَامِ لِزَكَاةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مُطْلَقُ الصَّاعِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا عَدَا الصَّاعَ الْوَاحِدَ فَإِذَا بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَتَرَكَ صَاعًا وَاحِدًا فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِهِ حَتَّى تَلِفَ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ مِنْ قِبَلِهِ فَإِنَّهُ تَسْقُطُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ إذَا قُلْنَا بِأَنَّهَا تَجِبُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ رَمَضَانَ إلَى غُرُوبِهَا مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَأَشْبَهَ مَنْ جَاءَهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ طَعَامٌ أَلْبَتَّةَ وَبِالْجُمْلَةِ فَإِذَا اسْتَقْرَيْت الشَّرِيعَةَ تَجِدْ فِيهَا صُوَرًا كَثِيرَةً الْخِطَابُ فِيهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَيَقُومُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ تِلْكَ الْأَفْرَادِ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْبَعْضِ بِالْإِتْلَافِ بِمُقْتَضَى التَّخْيِيرِ فِي الْجَمِيعِ مَقَامَ التَّلَفِ فِي الْجَمِيعِ فَكَذَلِكَ صُورَةُ النِّزَاعِ فَعُلِمَ بِهَذِهِ النَّظَائِرِ أَنَّ الْفَرْقَ فِي الشَّرْعِ وَاقِعٌ بَيْنَ وُجُودِ السَّبَبِ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ مَعَ التَّخْيِيرِ وَبَيْنَ وُجُودِهِ مَعَ عَدَمِ التَّخْيِيرِ فَلَا يُعْتَقَدُ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ مَتَى وُجِدَ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ بَلْ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَفْرَادِهِ كَمَا قُلْنَاهُ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَغَيْرِهِ وَظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قِيَامِ الْمُعَارِضِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ السَّبَبِ وَبَيْنَ قِيَامِهِ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ إذَا كَانَ التَّخْيِيرُ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَرْقَ فَهُوَ دَقِيقٌ وَهُوَ عُمْدَةُ الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ.
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بَعْدَ اسْتِقْرَارِ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَتْ آيَاتُ الصَّوْمِ نَزَلَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً إلَّا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ ثَانٍ عَنْ اسْتِقْرَارِ حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَى الْجُمْلَةِ وَكَذَلِكَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اضْطُرَّ} [البقرة: ١٧٣] الْآيَةَ وَمُخْرِجٌ لِبَاقِي أَنْوَاعِ الْعَزِيمَةِ مِمَّا شُرِعَ ابْتِدَاءً لَا اسْتِثْنَاءً مِنْ أَصْلٍ إلَخْ وَقَيْدُ مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ فِيهِ مَدْخَلٌ لِبَاقِي أَنْوَاعِ الرُّخَصِ وَمُوَضِّحٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا شُرِعَ مِنْ الرُّخَصِ وَمَا شُرِعَ مِنْ الْحَاجِيَّاتِ الْكُلِّيَّةِ بِأَنَّ الرُّخَصَ جُزْئِيَّةٌ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَوْضِعِ الْحَاجَةِ فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا انْقَطَعَ سَفَرُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ مِنْ إتْمَامِ الصَّلَاةِ وَإِلْزَامِ الصَّوْمِ وَالْمَرِيضُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يُصَلِّ قَاعِدًا وَإِذَا قَدَرَ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ لَمْ يَتَيَمَّمْ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الرُّخَصِ بِخِلَافِ الْقَرْضِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْحَاجِيَّاتِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي تُشْبِهُ الرُّخْصَةَ فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ أَيْضًا وَإِنْ زَالَ الْعُذْرُ كَمَا عَلِمْت.
الْإِطْلَاقُ الثَّانِي عَلَى مَا اسْتَثْنَى مِنْ أَصْلٍ كُلِّيٍّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مُطْلَقًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِعُذْرٍ شَاقٍّ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا اسْتَنَدَ إلَى أَصْلِ الْحَاجِيَّاتِ مِنْ الْقَرْضِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَرَدِّ الصَّاعِ مِنْ الطَّعَامِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ وَبَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِخَرْصِهَا ثَمَرًا وَضَرْبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك وَأَرْخَصَ فِي السَّلَمِ» فَيَجْرِي عَلَيْهَا فِي التَّسْمِيَةِ كَمَا جَرَى عَلَيْهَا حُكْمُهَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَصْلٍ مَشْرُوعٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا مَا اسْتَنَدَ إلَى أَصْلِ التَّكْمِيلَاتِ مِنْ صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ جُلُوسًا اتِّبَاعًا لِلْإِمَامِ الْمَعْذُورِ وَصَلَاةُ الْخَوْفِ الْمَشْرُوعَةِ بِالْإِمَامِ كَذَلِكَ أَيْضًا وَنَحْوُ ذَلِكَ فَيُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ لَفْظُ الرُّخْصَةِ وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهَا فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ كَمَا أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ لَفْظُ الرُّخْصَةِ عَلَى مَا اُسْتُمِدَّ مِنْ الرُّخَصِ مِنْ أَصْلِ الضَّرُورِيَّاتِ كَالْمُصَلِّي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ فَإِنَّ الرُّخْصَةَ فِي حَقِّهِ ضَرُورِيَّةٌ وَإِنَّمَا تَكُونُ حَاجِيَّةً إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ تَلْحَقُهُ فِيهِ أَوْ بِسَبَبِهِ، الْإِطْلَاقُ الثَّالِثُ عَلَى مَا وُضِعَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ التَّكَالِيفِ الْغَلِيظَةِ وَالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: ٢٨٦] وقَوْله تَعَالَى {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: ١٥٧] فَإِنَّ الرُّخْصَةَ فِي اللُّغَةِ رَاجِعَةٌ إلَى مَعْنَى اللِّينِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَنَعَ شَيْئًا تَرَخَّصَ فِيهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْآخَرَ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» كَمَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الرُّخَصَ الَّتِي هِيَ مَحْبُوبَةٌ مَا ثَبَتَ الطَّلَبُ فِيهِ أَوْ مَا أَدَّى تَرْكُهُ إلَى الْمَشَقَّةِ الْفَادِحَةِ الَّتِي قَالَ فِي مِثْلِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» فَيُوَافِقُ قَوْله تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] وقَوْله تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: ٢٨] بَعْدَ مَا قَالَ فِي الْأُولَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ١٨٤] .
وَفِي الثَّانِيَةِ {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ} [النساء: ٢٥] لَكِنْ فَلْيُتَفَطَّنْ فَكَانَ مَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ السَّمْحَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute