للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِلْزَامِ إيجَابِ الْمَجْمُوعِ لِوُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ لَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فِي الْقَضَاءِ جُزْءَ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ، وَالْجُزْءُ الْآخَرُ خُصُوصُ الْوَقْتِ)

هَاتَانِ الْقَاعِدَتَانِ مُلْتَبِسَتَانِ جِدًّا بِسَبَبِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ أَمْرٌ بِالْعِبَادَةِ، وَبِكَوْنِهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ أَمْرٌ بِمَجْمُوعِ الْفِعْلِ وَتَخْصِيصِهِ بِالزَّمَانِ فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُ الْجُزْأَيْنِ، وَهُوَ تَخْصِيصُهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزَّمَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى الْفِعْلُ وَاجِبًا بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ إيجَابَ الْمُرَكَّبِ يَقْتَضِي إيجَابَ مُفْرَدَاتِهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ: (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِلْزَامِ إيجَابِ الْمَجْمُوعِ لِوُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ لَا يُوجَبُ الْقَضَاءَ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فِي الْقَضَاءِ جُزْءَ الْوَاجِبِ الْأَوَّلِ، وَالْجُزْءُ الْآخَرُ خُصُوصُ الْوَقْتِ. هَاتَانِ الْقَاعِدَتَانِ مُلْتَبِسَتَانِ جِدًّا بِسَبَبِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ أَمْرٌ بِالْعِبَادَةِ، وَبِكَوْنِهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ أَمْرٌ بِمَجْمُوعِ الْفِعْلِ وَتَخْصِيصِهِ بِالزَّمَانِ فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُ الْجُزْأَيْنِ وَهُوَ تَخْصِيصُهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزَّمَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى الْفِعْلُ وَاجِبًا بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ إيجَابَ الْمُرَكَّبِ يَقْتَضِي إيجَابَ مُفْرَدَاتِهِ) قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ اسْتِلْزَامِ إيجَابِ الْمَجْمُوعِ لِوُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّ إيجَابَ الْمَجْمُوعِ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ مَجْمُوعًا مَعَ غَيْرِهِ مِنْهَا فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ إيجَابَ الْمَجْمُوعِ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ كُلِّ جُزْءٍ مُطْلَقًا مَجْمُوعًا مَعَ غَيْرِهِ وَغَيْرَ مَجْمُوعٍ فَذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَغَيْرُ صَحِيحٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ أَمْرٌ بِالْعِبَادَةِ وَبِكَوْنِهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَأَنَّهُ إذَا ذَهَبَ أَحَدُ الْجُزْأَيْنِ وَهُوَ تَخْصِيصُهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزَّمَانِ يَبْقَى الْفِعْلُ وَاجِبًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْفِعْلَ الْمُعَيَّنَ زَمَانُهُ لَا يَصِحُّ انْفِكَاكُهُ عَنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَمَتَى قُدِّرَ انْفِكَاكُهُ عَنْهُ فَلَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الْفِعْلُ، وَلَيْسَ الزَّمَانُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفِعْلِ الْمُوقَعِ فِيهِ كَالرَّكْعَةِ الْأُولَى مَعَ الثَّانِيَةِ فِي تَصَوُّرِ انْفِكَاكِ إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْأُخْرَى عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مَثَلًا مَعَ أَنَّهُ إذَا فُعِلَتْ رَكْعَةٌ مُنْفَرِدَةٌ لَا تَكُونُ جُزْءًا مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا تَكُونُ جُزْءًا مِنْهَا إذَا فُعِلَتْ مَعَ أُخْرَى بِشَرْطِ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ نِيَّةٍ وَغَيْرِهَا وَبِالْجُمْلَةِ فِي كَلَامِهِ هَذَا فِي هَذَا الْفَرْقِ ضُرُوبٌ مِنْ الْفَسَادِ لَا يَفُوهُ بِمِثْلِهَا مُحَصِّلٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

مِنْ الْمُسَامَحَةِ وَاللِّينِ رُخْصَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا حَمَلَهُ الْأُمَمُ السَّابِقَةُ مِنْ الْعَزَائِمِ الشَّاقَّةِ الْإِطْلَاقُ الرَّابِعُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ تَوْسِعَةً عَلَى الْعِبَادِ مُطْلَقًا مِمَّا هُوَ رَاجِعٌ إلَى نَيْلِ حُظُوظِهِمْ وَقَضَاءِ أَوْطَارِهِمْ فَالرُّخْصَةُ عَلَى هَذَا عِبَارَةٌ عَنْ الْإِذْنِ فِي نَيْلِ الْحَظِّ الْمَلْحُوظِ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا كَانَ تَخْفِيفًا وَتَوْسِعَةً عَلَى الْمُكَلَّفِ وَإِنَّ الْعَزِيمَةَ كَذَلِكَ لَهَا فِي الشَّرْعِ أَرْبَعُ إطْلَاقَاتٍ تُقَابِلُ إطْلَاقَاتِ الرُّخْصَةِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ.

فَإِطْلَاقُهَا الْمُقَابِلُ لِهَذَا الْإِطْلَاقِ الرَّابِعِ هُوَ مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] وقَوْله تَعَالَى {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} [طه: ١٣٢] الْآيَةَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ مِلْكٌ لِلَّهِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ فَحَقٌّ عَلَيْهِمْ التَّوَجُّهُ إلَيْهِ وَبَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي عِبَادَتِهِ لِأَنَّهُمْ عِبَادُهُ وَلَيْسَ لَهُمْ حَقٌّ لَدَيْهِ وَلَا حُجَّةَ عَلَيْهِ فَإِذَا وَهَبَ لَهُمْ حَظًّا يَنَالُونَهُ فَذَلِكَ كَالرُّخْصَةِ لَهُمْ لِأَنَّهُ تَوَجُّهٌ إلَى غَيْرِ الْمَعْبُودِ وَاعْتِنَاءٌ بِغَيْرِ مَا اقْتَضَتْهُ الْعُبُودِيَّةُ وَذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُنَبَّهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ هُوَ امْتِثَالُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ النَّوَاهِي عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ كَانَتْ الْأَوَامِرُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا وَالنَّوَاهِي كَرَاهَةً أَوْ تَحْرِيمًا وَتَرْكُ كُلِّ مَا يَشْغَلُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْأَمْرَ مِنْ الْآمِرِ مَقْصُودٌ أَنْ يُمْتَثَلَ عَلَى الْجُمْلَةِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْعَزَائِمُ ثَمَّ عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ وَالرُّخَصُ حَظُّ الْعِبَادِ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ فَتَشْتَرِكُ الْمُبَاحَاتُ مَعَ الرُّخَصِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ مِنْ حَيْثُ كَانَا مَعًا تَوْسِعَةً عَلَى الْعَبْدِ وَرَفْعُ حَرَجٍ عَنْهُ وَإِثْبَاتًا لِحَظِّهِ وَتَصِيرُ الْمُبَاحَاتُ عِنْدَ هَذَا النَّظَرِ تَتَعَارَضُ مَعَ الْمَنْدُوبَاتِ عَلَى الْأَوْقَاتِ فَيُؤْثِرُ حَظَّهُ فِي الْأُخْرَى عَلَى حَظِّهِ فِي الدُّنْيَا أَوْ يُؤْثِرُ حَقَّ رَبِّهِ عَلَى حَظِّ نَفْسِهِ فَيَكُونُ رَافِعًا لِلْمُبَاحِ مِنْ عَمَلِهِ رَأْسًا أَوْ آخِذًا لَهُ حَقًّا لِرَبِّهِ فَيَصِيرُ حَظُّهُ مُنْدَرِجًا تَابِعًا لِحَقِّ اللَّهِ وَحَقُّ اللَّهِ هُوَ الْمُقَدَّمُ هُوَ الْمَقْصُودُ فَإِنَّ الْعَبْدَ بَذَلَ الْمَجْهُودَ وَالرَّبُّ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ وَهَذَا الْوَجْهُ يَعْتَبِرُهُ الْأُولَيَاتُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَحْوَالِ وَكَذَا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ رَقَى عَنْ الْأَحْوَالِ وَعَلَيْهِ يُرَبُّونَ التَّلَامِيذَ أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ الْأَخْذُ بِعَزَائِم الْعِلْمِ وَاجْتِنَابِ الرُّخَصِ جُمْلَةً حَتَّى آلَ الْحَالُ بِهِمْ أَنْ عَدُّوا أَصْلَ الْحَاجِيَّاتِ كُلَّهَا أَوْ جُلَّهَا.

وَهُوَ مَا يَرْجِعُ إلَى حَظِّ الْعَبْدِ مِنْهَا حَسْبَمَا بَانَ لَك فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ الْأَخِيرِ مِنْ الرُّخَصِ وَإِطْلَاقُ الْعَزِيمَةِ الْمُقَابِلُ لِلْإِطْلَاقِ الثَّالِثِ هُوَ التَّكَالِيفُ الْغَلِيظَةُ وَالْأَعْمَالُ الشَّاقَّةُ الَّتِي كَانَتْ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا وَوُضِعَتْ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ رُخْصَةً فِي حَقِّهَا كَرَامَةً لِنَبِيِّهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِطْلَاقُهَا الْمُقَابِلُ لِلْإِطْلَاقِ الثَّانِي هُوَ مَا لَا يَكُونُ مِنْ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ الْمَشْرُوعَةِ ابْتِدَاءً مُسْتَثْنًى مِنْ أَصْلٍ كُلِّيٍّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ فَلَا تَشْمَلُ عَلَى هَذَا مَا اسْتَنَدَ مِنْ الْأَحْكَامِ إلَى أَصْلِ الْحَاجِيَّاتِ وَلَا مَا اسْتَنَدَ مِنْهَا إلَى أَصْلِ التَّكْمِيلَاتِ كَمَا لَا تَشْمَلُ مَا كَانَ مِنْهَا مُسْتَنِدٌ إلَى أَصْلِ الضَّرُورِيَّاتِ وَإِطْلَاقُهَا الْمُقَابِلُ لِلْإِطْلَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>