لِأَجْلِ الشَّكِّ فَاعْتُبِرَ الشَّكُّ، فَوَقَعَتْ هَذِهِ الْفُرُوعُ مُتَنَاقِضَةً كَمَا تَرَى فِي الظَّاهِرِ، وَإِذَا حَقَقْت عَلَى الْقَوَاعِدِ لَا يَكُونُ بَيْنَهَا تَنَاقُضٌ بَلْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ مَشْكُوكٍ فِيهِ مُلْغًى فَكُلُّ سَبَبٍ شَكَكْنَا فِي طَرَيَانِهِ لَمْ نُرَتِّبْ عَلَيْهِ مُسَبَّبَهُ، وَجَعَلْنَا ذَلِكَ السَّبَبَ كَالْعَدَمِ الْمَجْزُومِ بِعَدَمِهِ فَلَا نُرَتِّبُ الْحُكْمَ، وَكُلُّ شَرْطٍ شَكَكْنَا فِي وُجُودِهِ جَعَلْنَاهُ كَالْمَجْزُومِ بِعَدَمِهِ فَلَا نُرَتِّبْ الْحُكْمَ، وَكُلُّ مَانِعٍ شَكَكْنَا فِي وُجُودِهِ جَعَلْنَاهُ مُلْغًى كَالْمَجْزُومِ بِعَدَمِهِ فَيَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ إنْ وُجِدَ سَبَبُهُ فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ الْوَفَاءُ بِهَا فِي الطِّهَارَاتِ، وَتَعَيَّنَ إلْغَاؤُهَا مِنْ وَجْهٍ وَاخْتَلَفَتْ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بِأَيِّ وَجْهٍ تُلْغَى وَإِلَّا فَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى اعْتِبَارِهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا شُكَّ فِي طَرَيَانِ الْحَدَثِ جَعَلْته كَالْمَجْزُومِ بِعَدَمِهِ.
وَالْمَجْزُومُ بِعَدَمِهِ لَا يَجِبُ مَعَهُ الْوُضُوءُ فَلَا يَجِبُ عَلَى هَذَا الشَّاكِّ الْوُضُوءُ، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ تَفْتَقِرُ إلَى سَبَبٍ مُبَرِّئٍ مَعْلُومِ الْوُجُودِ أَوْ مَظْنُونِ الْوُجُودِ، وَالشَّكُّ فِي طَرَيَان الْحَدَثِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي بَقَاءِ الطَّهَارَةِ، وَالشَّكُّ فِي بَقَاءِ الطَّهَارَةِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الصَّلَاةِ الْوَاقِعَةِ هَلْ هِيَ سَبَبٌ مُبَرِّئٌ أَمْ لَا فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصَّلَاةُ كَالْمَجْزُومِ بِعَدَمِهَا، وَالْمَجْزُومُ بِعَدَمِ الصَّلَاةِ فِي حَقِّهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فَيَجِبُ عَلَى هَذَا الشَّاكِّ أَنْ يُصَلِّيَ بِطَهَارَةٍ مَظْنُونَةٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَرْفًا بِحَرْفٍ، وَكِلَاهُمَا يَقُولُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ مُلْغًى لَكِنْ أَلْغَاهُ مَالِكٌ فِي السَّبَبِ الْمُبَرِّئِ وَإِلْغَاءُ الشَّافِعِيِّ فِي الْحَدَثِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَرْجَحُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَقْصِدٌ وَالطَّهَارَاتِ وَسَائِلٌ، وَطَرْحُ الشَّكِّ تَحْقِيقًا لِلْمَقْصِدِ أَوْلَى مِنْ طَرْحِهِ لِتَحْقِيقِ الْوَسَائِلِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّهَارَاتِ يُشَكُّ فِيهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا إذَا شُكَّ فِيهِ، وَأَمَّا إذَا شُكَّ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَ الْحَدَثِ فَالْمَشْكُوكُ فِيهِ مُلْغًى عَلَى الْقَاعِدَةِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الطَّهَارَةُ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ شَرْطُهَا الْعِصْمَةُ، وَنَحْنُ نَشُكُّ فِي بَقَائِهَا فَيَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ مُلْغًى عَلَى هَذِهِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
أَنْوَاعِ الْفُرُوعِ فَأَحَدُهَا نَوْعُ الْعِبَادَاتِ لِمَا مَرَّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ مِنْ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْجَاهِلَ فِيهَا كَالْعَامِدِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ بَهْرَامَ
وَذَاكَ كَثِيرٌ فِي الْوُضُوءِ وَمِثْلُهُ ... بِفَرْضِ صَلَاةٍ ثُمَّ حَجٍّ تَحَصَّلَا
مَا نَصُّهُ أَطْلَقَ فِي التَّوْضِيحِ الثَّلَاثَ فَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالْفَرْضِ، وَالْمَشْهُورُ إطْلَاقُ الْعِبَادَةِ فَتَشْمَلُ الصَّوْمَ وَالْعُمْرَةَ.
وَقَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَوَاطِئُ:
رَهِينُ اعْتِكَافٍ بِالشَّرِيعَةِ جَاهِلَا
مَنْ وَطِئَ فِي اعْتِكَافِهِ جَهْلًا فَسَدَ اعْتِكَافُهُ، وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ جَهِلَ الْحُرْمَةَ أَوْ جَهِلَ أَنَّهُ مُفْسِدٌ، ثُمَّ قَالَ إنَّ الِاعْتِكَافَ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْجَاهِلَ فِيهَا كَالْعَامِدِ، وَلَا مَفْهُومَ لِلْوَطْءِ بَلْ كُلُّ مَا يَفْسُدُ بِهِ الِاعْتِكَافُ كَذَلِكَ كَالْخُرُوجِ جَهْلًا وَالْفِطْرِ جَهْلًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ
وَكُلُّ زَكَاةٍ مِنْ دَفْعِهَا لِكَافِرٍ ... وَغَيْرِ فَقِيرٍ ضَامِنٍ تِلْكَ مُسْجَلَا.
مَنْ دَفَعَ الزَّكَاةَ لِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ جَهْلًا لَمْ يُعْذَرْ وَلَا مَفْهُومَ لِلْكَافِرِ وَغَيْرِ الْفَقِيرِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرُوحِهِ وَهَذَا فِي اجْتِهَادٍ بِهَا أَمَّا بِدَفْعِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فَتُجْزِئُ، وَيَأْتِي هُنَا مَا سَبَقَ فِي الِاعْتِكَافِ، وَهَذَا أَسْهَلُ لِشَائِبَةِ الْمُعَامَلَةِ اهـ.
وَثَانِيهَا نَوْعُ الْعُقُودِ قَالَ الْأَمِيرُ عِنْدَ قَوْلِهِ
وَيُفْسَخُ بَيْعٌ فَاسِدٌ مُطْلَقًا وَلَا ... يُسَامَحُ فِيهِ مَنْ عَنْ الْحَقِّ عَوَّلَا
الْبَيْعُ الْفَاسِدُ يُفْسَخُ، وَلَا يُعْذَرُ فِيهِ بِالْجَهْلِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ فِي الْبَيْعِ كَمَا يَظْهَرُ، بَلْ كَذَلِكَ غَيْرُهُ كَالنِّكَاحِ مَثَلًا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ بِمُوَافَقَةِ الشَّرْعِ فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ لَا فِي ظَنِّ الْعَاقِدِ فَقَطْ كَمَا يُفِيدُهُ الْعَلَّامَةُ الْقَاسِمِيُّ عَلِيٌّ الْمَحَلِّيُّ وَغَيْرُهُ. اهـ.
ثَالِثُهَا نَوْعٌ مُسْقِطٌ لِلشُّفْعَةِ قَالَ الْأَمِيرُ: عِنْدَ قَوْلِهِ
وَمَنْ قَامَ بَعْدَ الْعَامِ يَشْفَعُ حَاضِرًا ... مَعَ الْعِلْمِ بِالْمُبْتَاعِ وَالْبَيْعِ أَوَّلَا
. مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِشَرِيكٍ عَلِمَ الْبَيْعَ وَسَكَتَ سَنَةً لَا أَقَلَّ، وَلَوْ كَتَبَ شَهَادَتَهُ وَمَا لِابْنِ رُشْدٍ مِنْ أَنَّ الْكِتَابَةَ تُسْقِطُ الشُّفْعَةَ بِشَهْرَيْنِ ضَعِيفٌ، وَإِنْ جَنَحَ لَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ بَلْ فِي الْخَرَشِيِّ وعبق عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَهْرَيْنِ زِيَادَةً عَلَى السَّنَةِ، وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَلَا يُعْذَرُ بِدَعْوَاهُ الْجَهْلَ لَا بِأَنَّ ذَلِكَ مُسْقِطٌ لِلشُّفْعَةِ وَلَا بِأَنَّ الشُّفْعَةَ وَاجِبَةٌ وَفِي عبق وَالْخَرَشِيِّ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ وَالْحَطَّابَ عَنْ ابْنِ كَوْثَرٍ وَالتَّتَّائِيِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ عَنْ ابْنِ عَتَّابٍ ذَكَرُوا أَنَّ شِرَاءَ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ مِنْ الْمُشْتَرِي يُسْقِطُ الشُّفْعَةَ، وَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً بَلْ مُقْتَضَى أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا يُعْذَرُ فِيهَا بِالْجَهْلِ جَرَيَانُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْمُسْقِطَاتِ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ وَالْمُقَاسَمَةِ وَبَيْعِ حِصَّةِ نَفْسِهِ، ثُمَّ فَائِدَةُ سُقُوطِ الشُّفْعَةِ بِالشِّرَاءِ يُظْهِرُهَا اخْتِلَافُ الثَّمَنَيْنِ اهـ.
وَرَابِعُهَا نَوْعُ الْعَيْبِ الْمَانِعِ مِنْ إجْزَاءِ عِتْقِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَاتِ قَالَ الْأَمِيرُ عِنْدَ قَوْلِهِ
وَمَنْ يُعْتِقُ الشَّخْصَ الْكَفُورَ لِجَهْلِهِ ... فَلَا يَجْزِي فِي كَفَّارَةٍ وَتَبَتُّلَا
فِي التَّوْضِيحِ قَالَ أَصْبَغُ فِيمَنْ اشْتَرَى نَصْرَانِيَّةً فَأَعْتَقَهَا فِي الْكَفَّارَةِ أَنَّهَا لَا تَجْزِيهِ، وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ. اهـ
وَظَاهِرُهُ جَهِلَ الْحُكْمَ أَوْ أَنَّهَا كَافِرَةٌ ثُمَّ لَا مَفْهُومَ لِلْكُفْرِ بَلْ كَذَلِكَ لِلْعُيُوبِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْإِجْزَاءِ وَلَا يُعْذَرُ فِيهَا بِجَهْلٍ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْخَرَشِيِّ فِي الظِّهَارِ إذَا اطَّلَعَ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى عَيْبٍ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ اسْتَعَانَ بِأَرْشِهِ فِي رَقَبَةٍ أُخْرَى، وَقَوْلُهُ وَتَبَتُّلَا أَيْ ثُمَّ عَتَقَهُ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ اهـ. وَخَامِسُهَا نَوْعُ بَيْعِ الْخِيَارِ قَالَ الْأَمِيرُ عِنْدَ قَوْلِهِ