لَمَّا كَانَ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ فِي النَّاسِ بِسَبَبِ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُنْزِلُ إلَّا بِالدَّفْقِ وَالْإِحْسَاسِ بِاللَّذَّةِ الْكُبْرَى، وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْزِلُ تَقْطِيرًا مِنْ غَيْرِ انْدِفَاقٍ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ يَنْدَفِقُ بَعْدَ ذَلِكَ كَثِيرًا، وَلِذَلِكَ يَحْصُلُ الْوَلَدُ مَعَ الْعَزْلِ، وَالْإِنْسَانُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَا أَنْزَلَ وَهُوَ قَدْ أَنْزَلَ عَلَى سَبِيلِ السَّيَلَانِ مِنْ غَيْرِ دَفْقٍ فَيَحْصُلُ الْوَلَدُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، وَلَمَّا كَانَ الْإِنْزَالُ مُخْتَلِفًا فِي النَّاسِ أُقِيمَتْ مَظِنَّتُهُ مَقَامَهُ وَهُوَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ فَإِنْ قُلْت مُجَرَّدُ الِالْتِقَاءِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِنْزَالُ فَكَيْفَ جُعِلَ مَظِنَّةَ الْإِنْزَالِ، وَهُوَ لَا يُظَنُّ عِنْدَهُ وَمِنْ شَرْطِ الْمَظِنَّةِ أَنْ يُظَنَّ عِنْدَهَا الْوَصْفُ الْمَطْلُوبُ لِتَعْلِيقِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ.
قُلْت: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُظَنُّ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُنْزِلُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْزِلُ بِالْفِكْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْزِلُ بِالنَّظَرِ فَقَطْ فَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ فَجُعِلَ مَظِنَّةً وَمِنْ ذَلِكَ الْعَقْلُ الَّذِي هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ يَخْتَلِفُ فِي النَّاسِ بِسَبَبِ اعْتِدَالِ الْمِزَاجِ وَانْحِرَافِهِ فَرُبَّ صَبِيٍّ لِاعْتِدَالِ مِزَاجِهِ أَعْقَلُ مِنْ رَجُلٍ بَالِغٍ لِانْحِرَافِ مِزَاجِهِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ فِي الرِّجَالِ وَالصِّبْيَانِ جِدًّا فَجُعِلَ الْبُلُوغُ مَظِنَّتَهُ؛ لِأَنَّ الْبُلُوغَ مُنْضَبِطٌ وَهُوَ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ هَذَا فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ لِاخْتِلَافِ رُتَبِهِ فِي مَقَادِيرِهِ.
أَمَّا مَا يَنْضَبِطُ فِي مَقَادِيرِهِ لَكِنَّهُ خَفِيٌّ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ فَذَلِكَ كَالرِّضَا فِي انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» وَالرِّضَا أَمْرٌ خَفِيٌّ فَجُعِلَتْ الصِّيَغُ وَالْأَفْعَالُ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ قَائِمَةً مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ يُظَنُّ عِنْدَهَا وَأُلْغِيَ الرِّضَا إذَا انْفَرَدَ حَتَّى لَوْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ رَضِيَ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ صَدَرَ مِنْهُ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ لَمْ يَلْزَمْهُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَصَلَتْ مَشَقَّةُ السَّفَرِ بِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ تُرَتَّبْ عَلَيْهَا رُخَصُ الْمَشَقَّةِ مِنْ الْقَصْرِ وَالْإِفْطَارِ، فَإِذَا أَقَامَ الشَّرْعُ مَظِنَّةَ الْوَصْفِ مَقَامَهُ أَعْرَضَ عَنْ اعْتِبَارِهِ فِي نَفْسِهِ نَعَمْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَوَقَّعًا مَعَ الْمَظِنَّةِ فَلَوْ قَطَعْنَا بِعَدَمِهِ عِنْدَ الْمَظِنَّةِ فَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَظِنَّةِ حُكْمٌ كَمَا لَوْ قَطَعْنَا بِعَدَمِ الرِّضَا مَعَ الْإِكْرَاهِ عَلَى صُدُورِ الصِّيغَةِ أَوْ الْفِعْلِ غَيْرَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
لِلْأَوَّلِ وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَبِهِ الْعَمَلُ فَإِنَّ عَيَّنَ الزَّوْجُ شَيْئًا عُمِلَ بِهِ أَوْ قَالَ مَتَى شِئْت لَمْ يَسْقُطْ بِالْمَجْلِسِ أَمِيرٌ.
٢ -
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ الطَّبِيبُ بِحَسَبِ زَعْمِهِ لَا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ لَكِنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ الضَّرَرَ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَإِنْ قَصَدَ النَّفْعَ فَضَرَّ ضَمِنَ فِي مَالِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا فِي عبق.
٢ -
. الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ الْمُفْتِي لَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ فِي فَتْوَاهُ وَيَضْمَنُ مَا أَفْسَدَ بِهَا
٢ -
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مَنْ أَثْبَتَتْ أَنَّ زَوْجَهَا يَضْرِبُهَا فَتَلَوَّمَ لَهَا الْحَاكِمُ، ثُمَّ أَحْضَرَهُ لِيُطَلِّقَ عَلَيْهِ فَادَّعَى أَنَّهُ وَطِئَهَا سَقَطَ حَقُّهَا وَلَوْ ادَّعَتْ الْجَهْلَ أَيْ صَدَّقَتْ عَلَى الْوَطْءِ، وَجَهِلَتْ أَنَّهُ مُسْقِطٌ
٢ -
. الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ إذَا زَنَى الْعَبْدُ أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ قَذَفَ جَاهِلًا بِالْعِتْقِ حُدَّ كَالْحُرِّ. الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَالْفَصْلُ وَقَرِيبُ الْحَوَاشِي جَاهِلًا فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ جَهِلَ الْقَرَابَةَ أَوْ الْحُكْمَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ إنْ قَالَ لَهُ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ جَاهِلًا بِأَنَّهُ هُوَ حَيْثُ أَطْلَقَ فِي يَمِينِهِ.
٢ -
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ مَنْ تَوَجَّهَ لَهُ عَلَى أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ دَنِيَّةً حَدٌّ أَوْ يَمِينٌ فَاسْتَوْفَى مَا ذُكِرَ جَاهِلًا بِأَنَّ ذَلِكَ مُفَسِّقٌ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ، وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ أَمَّا لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ جَهِلَ الْأُبُوَّةَ فَيُعْذَرُ.
٢ -
. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ فِي التَّوْضِيحِ مَنْ يَقْطَعُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَوْ كَانَ جَاهِلًا اهـ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي بَابِ الزَّكَاةِ بِحُرْمَةِ كَسْرِ الْمَسْكُوكِ لِغَيْرِ سَبْكٍ أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مَغْشُوشًا فَيُكْسَرُ.
٢ -
. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ أَيْ بِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَرَفْعِهَا لِلْحَاكِمِ بِالْإِمْكَانِ إنْ اُسْتُدِيمَ تَحْرِيمٌ كَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَوَقْفٍ وَرَضَاعٍ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَا عُذْرَ بِجَهْلٍ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الشَّهَادَةُ بِمَا يُسْتَدَامُ تَحْرِيمُهُ تَبْطُلُ بِتَرْكِ رَفْعِهِ إلَى السُّلْطَانِ الْأَعْلَى ظَاهِرُ قَوْلِ أَشْهَبَ اهـ وَضَابِطُ حَقِّ اللَّهِ كَمَا فِي شُرُوحِ الْمُخْتَصَرِ، وَقَدْ مَرَّ كُلُّ مَا لَيْسَ لِلْمَخْلُوقِ إسْقَاطُهُ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنْ كَانَ هُنَاكَ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَتِمُّ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْمُبَادَرَةُ تَحْصِيلًا لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ فَإِنْ أَبَى غَيْرُهُ أَوْ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَفِي التَّوْضِيحِ قَيَّدَ ابْنُ شَاسٍ الْوَقْفَ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ، أَيْ وَيَأْكُلُهُ غَيْرُ الْوَاقِفِ وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ فِيهِ الْبَاجِيَّ وَابْنُ رُشْدٍ اهـ.
قَالَ الْبُنَانِيُّ وَعَلَى مَا لِابْنِ شَاسٍ اقْتَصَرَ عبق وَفَصَّلَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فِي الْوَقْتِ لِمُعَيَّنٍ قَائِلًا إنْ كَانَ الْوَاقِفُ بَذَلَهُ أَوَّلًا، وَلَكِنْ جَعَلَهُ لِمُعَيَّنٍ فَالْحَقُّ فِي هَذَا حَقُّ اللَّهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُعَيَّنَ إذَا لَمْ يَقْبَلْهُ رَجَعَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا لِلْوَاقِفِ أَوْ وَرَثَتِهِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْ غَيْرِ تَبْتِيلٍ لَهُ أَوَّلًا كَأَنْ يَجْعَلَهُ حَبْسًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ حَقٌّ آدَمِيٌّ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبَلْهُ هُنَا رُدَّ لِمَالِكِهِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ اهـ.
قَالَ الْخَطَّابُ وَفِي كَوْنِ الْعِتْقِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدِي نَظَرٌ اهـ قَالَ عبق أَمَّا عَدَمُ تَمَحُّضِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَهُ حَقٌّ فِي الْعِتْقِ بِتَخْلِيصِ رَقَبَتِهِ مِنْ الرِّقِّ وَالْمَرْأَةَ فِي تَخْلِيصِ عِصْمَتِهَا مِنْ الزَّوْجِ وَالْمَوْقُوفَ عَلَيْهِمْ فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ فِيهِ تَتَمَحَّضُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ عَنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ كَرِضَا الْعَبْدِ بِخِدْمَتِهِ كَخِدْمَةِ مَنْ يُعْتِقُ وَالْمَرْأَةِ بِبَقَائِهَا تَحْتَهُ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْوَقْفِ، أَيْ فَيَحْرُمُ وَيَجِبُ الرَّفْعُ، وَأَمَّا الرَّضَاعُ فَظَاهِرٌ تَمَحُّضُهُ لِلَّهِ قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ.
٢ -
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ
مَنْ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ وَفِيهِ رُبْعُ دِينَارٍ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ قَالَ