للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْفَرْقُ الثَّانِيَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَدَاخُلِ الْجَوَابِرِ فِي الْحَجِّ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتَدَاخَلُ الْجَوَابِرُ فِيهِ فِي الْحَجِّ)

تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْجَوَابِرِ وَالزَّوَاجِرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَالْمَقْصُودُ هَهُنَا بَيَانُ قَاعِدَةِ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ خَاصَّةً، أَمَّا الصَّيْدُ فَيَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ عَلَى قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى الْإِثْمِ بَلْ يُضْمَنُ الصَّيْدُ عَمْدًا وَخَطَأً فَأَشْبَهَ إتْلَافَ أَمْوَالِ النَّاسِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَعَدُّدِ الضَّمَانِ فِيمَا يَتَعَدَّدُ الْإِتْلَافُ فِيهِ وَأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ هَهُنَا وَيَتَّحِدُ الْجَزَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالتَّأْوِيلِ وَعَذَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالتَّأْوِيلِ وَالنِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ فَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ شَيْئًا كَالْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا، وَأَلْحَقَ الْجَاهِلَ بِالنَّاسِي.

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَهْلِ الَّذِي هُوَ عُذْرٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَالْجَهْلِ الَّذِي لَيْسَ عُذْرًا فِي الشَّرِيعَةِ وَبَيْنَ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ وَالْعِلْمِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَمُقْتَضَى تِلْكَ الْقَوَاعِدِ أَنْ يَضْمَنَ الْجَاهِلُ هَهُنَا فَإِنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ، وَأَنَّ تَارِكَ التَّعَلُّمِ عَاصٍ إلَّا مَا يَشُقُّ مِنْ ذَلِكَ فَيُعْذَرُ فِيهِ بِالْجَهْلِ كَمَنْ أَكَلَ طَعَامًا نَجِسًا لَا يَعْلَمُ، أَوْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً يَظُنُّهَا امْرَأَتَهُ، أَوْ شَرِبَ خَمْرًا يَظُنُّهُ جُلَّابًا وَنَحْوَهُ فَإِنَّ الِاحْتِرَازَ مِنْ الْجَهْلِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ يَشُقُّ عَلَى الْمُكَلَّفِ، فَعَذَرَهُ الشَّرْعُ بِهَذَا الْجَهْلِ دُونَ مَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذَا فَالْحَقُّ حِينَئِذٍ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْجَاهِلِ وَغَيْرِهِ وَلِذَلِكَ أَجْرَى مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجَاهِلَ فِي الصَّلَاةِ مَجْرَى الْعَامِدِ لَا مَجْرَى النَّاسِي لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِصْيَانِ هَذَا بِعَمْدِهِ وَهَذَا بِتَرْكِ تَعَلُّمِهِ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ فَأَصَابَ صَيْدًا، أَوْ حَلَقَ، أَوْ تَطَيَّبَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ إنْ أَصَابَهُ وَاتَّحَدَ هَذَا الْوَطْءُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

تَسْقُطُ حُرْمَتُهُ بِالْفَسَادِ، أَوْ جَاهِلًا بِوُجُوبِ إتْمَامِهِ اهـ بِتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ.

وَفِي الْأَصْلِ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ فَأَصَابَ صَيْدًا، أَوْ حَلَقَ، أَوْ تَطَيَّبَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ إنْ أَصَابَهُ وَاتَّحَدَ الْهَدْيُ وَلَوْ تَعَدَّدَ الْوَطْءُ لِأَنَّهُ لِلْإِفْسَادِ، وَإِفْسَادُ الْفَاسِدِ مُحَالٌ فَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا بِسُقُوطِ جَزَائِهِ، أَوْ جَاهِلًا بِمُوجِبِ إتْمَامِهِ اتَّحَدَتْ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْجُرْأَةُ عَلَى مُحَرَّمٍ فَعُذْرُهُ بِالْجَهْلِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي عَدَمَ عُذْرِهِ بِهِ لِأَنَّهُ جَهْلٌ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالتَّعَلُّمِ كَمَا قَالَ فِي الصَّلَاةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَاحَظَ هَهُنَا مَعْنًى مَفْقُودًا فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ كَثْرَةُ مَشَاقِّ الْحَجِّ فَنَاسَبَ التَّخْفِيفُ، غَيْرَ أَنَّ هَهُنَا إشْكَالًا وَهُوَ أَنَّ النِّسْيَانَ فِي الْحَجِّ لَا يَمْنَعُ الْفِدْيَةَ وَهُوَ مُسْقِطٌ لِلْإِثْمِ إجْمَاعًا وَأَسْقَطَ مَالِكٌ - أَيْ الْجَابِرَ - بِالْجَهْلِ وَالتَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ الَّذِي يَثْبُتُ الْإِثْمُ مَعَهُمَا وَالْإِثْمُ أَنْسَبُ لِلُزُومِ الْجَابِرِ مِنْ عَدَمِ الْإِثْمِ قَالَهُ الْأَصْلُ وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ بِهِمَا الْجَابِرُ رَأْسًا بَلْ إنَّمَا أُسْقِطَ تَعَدُّدُهُ بِتَعَدُّدِ مُوجِبِهِ نَظَرًا لِكَثْرَةِ مَشَاقِّ الْحَجِّ فَتَأَمَّلْ بِدِقَّةٍ وَعِنْدَ الْأَحْنَافِ قَالَ فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ نَقْلًا عَنْ اللُّبَابِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا نَوَى رَفْضَ الْإِحْرَامِ فَجَعَلَ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُهُ الْحَلَالُ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْحَلْقِ وَالْجِمَاعِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ كَمَا كَانَ مُحْرِمًا وَيَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِ مَا ارْتَكَبَ وَلَوْ كُلَّ الْمَحْظُورَاتِ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَاتِ إذَا لَمْ يَنْوِ الرَّفْضَ ثُمَّ نِيَّةُ الرَّفْضِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ بِهَذَا الْقَصْدِ لِجَهْلِهِ مَسْأَلَةَ عَدَمِ الْخُرُوجِ، وَأَمَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِهَذَا الْقَصْدِ فَإِنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ مِنْهُ اهـ.

قُلْت: وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ هَذَا تَدَاخُلٌ لِجَمِيعِ الْمَحْظُورَاتِ لَا لِخُصُوصِ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ وَهُوَ فُسْحَةٌ فِي الدِّينِ فَاحْفَظْهُ.

٢ -

(الْمَوْضِعُ الثَّانِي) عِنْدَنَا أَنْ يَتَعَدَّدَ مُوجَبُهَا بِفَوْرٍ وَاحِدٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَلْبَسَ وَيَتَطَيَّبَ وَيَحْلِقَ وَيُقَلِّمَ، سَوَاءٌ كَانَ السَّبَبُ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا بِأَنْ يَلْبَسَ لِعُذْرٍ وَيَفْعَلَ الْبَاقِيَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْرُجَ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ مَا بَعْدَهُ، وَإِلَّا تَعَدَّدَتْ، وَفِي كَوْنِ الْمُرَادِ بِالْفَوْرِ حَقِيقَتَهُ - أَيْ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بِأَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْأَفْعَالُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَأَقَرَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ -، أَوْ مَجَازَهُ، وَأَنَّ الْيَوْمَ فَوْرٌ وَالتَّرَاخِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لَا أَقَلُّ - وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ التَّتَّائِيُّ - خِلَافٌ اعْتَمَدَ عبق الْأَوَّلَ وَسَلَّمَ الْبُنَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعِنْدَ الْأَحْنَافِ أَنْ يَتَعَدَّدَ مُوجَبُهَا بِفَوْرٍ وَاحِدٍ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ:

الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا مِنْ أَجْنَاسٍ، وَإِلَّا تَعَدَّدَتْ كَمَا عَلِمْت، الثَّانِي: أَنْ لَا يُكَفِّرَ لِلْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَكَفَّارَتَانِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ، الثَّالِثُ أَنْ يَتَّحِدَ السَّبَبُ فِي تَعَدُّدِ ذَلِكَ الْمُوجَبِ قَالَ فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ مَعَ بَعْضٍ مِنْ شَرْحِ الْقَارِيّ وَهَذَا إذَا اتَّحَدَ سَبَبُ اللُّبْسِ فَإِنْ تَعَدَّدَ السَّبَبُ كَمَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ ثَوْبٍ فَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ فَإِنْ لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ، نَحْوُ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى قَمِيصٍ فَلَبِسَ قَمِيصَيْنِ، أَوْ قَمِيصًا وَجَبَتْ، أَوْ يَحْتَاجَ إلَى قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَهَا مَعَ الْعِمَامَةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ مَحَلَّ الْجِنَايَةِ مُتَّحِدٌ فَلَا نَظَرَ إلَى الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّدِ يَتَخَيَّرُ فِيهَا لِوُقُوعِ أَصْلِ الْجِنَايَةِ لِضَرُورَةِ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ، وَكَذَا إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعَيْنِ لِضَرُورَةٍ بِهِمَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ لَبِسَ عِمَامَةً وَخُفًّا بِعُذْرٍ فِيهِمَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَتَخَيَّرُ فِيهَا لِأَنَّ اللُّبْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>