للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَضْمِينَ الْأُجَرَاءِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْسَانِ وَلَمْ يَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَلْ طَرَدَ قَاعِدَةَ الْأَمَانَةِ فِي الْإِجَارَةِ، وَالْأَجِيرَ عَلَى حَمْلِ الطَّعَامِ الَّذِي تَتُوقُ النَّفْسُ إلَى تَنَاوُلِهِ كَالْفَوَاكِهِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْأَطْعِمَةِ الْمَطْبُوخَةِ فَإِنَّ الْأَجِيرَ يَضْمَنُ سَدًّا لِذَرِيعَةِ التَّنَاوُلِ مِنْهَا وَطَرَدَ الشَّافِعِيُّ الْقَاعِدَةَ أَيْضًا هَهُنَا فَلَمْ يَضْمَنْ أَيْضًا وَكَأَيْدِي الْأَوْصِيَاءِ عَلَى أَمْوَالِ الْيَتَامَى، وَالْحُكَّامِ عَلَى ذَلِكَ وَأَمْوَالِ الْغَائِبِينَ وَالْمَجَانِينِ فَجَمِيعُ ذَلِكَ لَا ضَمَانَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَيْدِيَ فِيهِ مُؤْتَمَنَةٌ فَهَذِهِ الْأَسْبَابُ الثَّلَاثَةُ هِيَ أَسْبَابُ الضَّمَانِ فَهِيَ قَاعِدَةُ مَا يُضْمَنُ وَمَا عَدَاهَا فَهُوَ قَاعِدَةُ مَا لَا يُضْمَنُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّظَائِرِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْهَا سَبَبَانِ كَالْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسَبُّبِ مِنْ جِهَتَيْنِ غُلِّبَتْ الْمُبَاشَرَةُ عَلَى التَّسَبُّبِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا لِإِنْسَانٍ لِيَقَعَ فِيهِ فَجَاءَهُ آخَرُ فَأَلْقَاهُ فِيهِ فَهَذَا مُبَاشِرٌ وَالْأَوَّلُ مُتَسَبِّبٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشَرَةِ عَلَى التَّسَبُّبِ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الشَّرِيعَةِ تَقْدِيمُ الرَّاجِحِ عِنْدَ التَّعَارُضِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمُبَاشَرَةُ مَغْمُورَةً كَقَتْلِ الْمُكْرَهِ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا وَلَا تُغَلَّبُ الْمُبَاشَرَةُ لِقُوَّةِ التَّسَبُّبِ وَكَتَقْدِيمِ السُّمِّ لِإِنْسَانٍ فِي طَعَامِهِ فَيَأْكُلُهُ جَاهِلًا بِهِ فَإِنَّهُ مُبَاشِرٌ لِقَتْلِ نَفْسِهِ.

وَوَاضِعُ السُّمِّ مُتَسَبِّبٌ، وَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ وَحْدَهُ وَكَشُهُودِ الزُّورِ، أَوْ الْجَهَلَةِ يَشْهَدُونَ بِمَا يُوجِبُ ضَيَاعَ الْمَالِ عَلَى إنْسَانٍ، ثُمَّ يَعْتَرِضُونَ بِالْكَذِبِ، أَوْ الْجَهَالَةِ فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ وَلَا يَضْمَنُ الْحَاكِمُ شَيْئًا مَعَ أَنَّهُ الْمُبَاشِرُ، وَالشَّاهِدَ مُتَسَبِّبٌ، غَيْرَ أَنَّ

الْمَصْلَحَةَ الْعَامَّةَ

قَدْ اقْتَضَتْ عَدَمَ تَضْمِينِ الْحُكَّامِ مَا اخْطَئُوا فِيهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَوْ تَطَرَّقَ إلَيْهِمْ مَعَ كَثْرَةِ الْحُكُومَاتِ وَتَرَدُّدِ الْخُصُومَاتِ لَزَهِدَ الْأَخْيَارُ فِي الْوِلَايَاتِ وَاشْتَدَّ امْتِنَاعُهُمْ فَيَفْسُدُ حَالُ النَّاسِ بِعَدَمِ الْحُكَّامِ فَكَانَ الشَّاهِدُ بِالضَّمَانِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ لِلْحَاكِمِ فِي الْإِلْزَامِ وَالتَّنْفِيذِ وَكَمَا قِيلَ الْحَاكِمُ أَسِيرُ الشَّاهِدِ وَيَقَعُ فِي هَذَا الْبَابِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَلَكِنَّ الْأَصْلَ هُوَ مَا قَدَّمْته فِي أَسْبَابِ الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

هَذَا بِعَمْدِهِ وَهَذَا بِتَرْكِ تَعَلُّمِهِ.

(الْكَفَّارَةُ الثَّانِيَةُ) الْفِدْيَةُ وَهِيَ دَمُ تَخْيِيرٍ بَيْنَ مُقَدَّرٍ شَرْعًا فِي قَوْله تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦] يَجِبُ بِفِعْلِ الْمُتَلَبِّسِ بِالْإِحْرَامِ مَا فِيهِ تَرَفُّهٌ، أَوْ إزَالَةُ أَذًى مِنْ الْمَمْنُوعَاتِ كَأَنْ يَلْبَسَ مَخِيطًا مَعْمُولًا عَلَى قَدْرِ الْبَدَنِ، أَوْ بَعْضِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ، أَوْ يَسْتَعْمِلَ طِيبًا مُؤَنَّثًا، أَوْ يَدْهُنَ شَعْرَ رَأْسِهِ، أَوْ لِحْيَتَهُ، أَوْ سَائِرَ جَسَدِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّهْنِ طِيبٌ مَا لَمْ يَدْهُنْ بَاطِنَ كَفِّهِ وَقَدَمَيْهِ لِشُقُوقٍ وَنَحْوِهَا بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا فِدْيَةَ، أَوْ يُزِيلَ وَسَخًا عَنْ ظَاهِرِ بَدَنِهِ، أَوْ يُزِيلَ ظُفُرًا وَاحِدًا لِإِمَاطَةِ أَذًى عَنْهُ، أَوْ ظُفُرَيْنِ فَأَكْثَرَ لِلتَّرَفُّهِ لَا ظُفُرًا وَاحِدًا لِكَسْرٍ بِقَدْرِهِ، أَوْ يُزِيلَ شَعْرًا كَثِيرًا زَائِدًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ مُطْلَقًا أَوْ شَعْرَةً وَاحِدَةً لِإِمَاطَةِ أَذًى عَنْهُ أَوْ يَقْتُلَ قَمْلًا كَثِيرًا زَائِدًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَلَا يُوجِبُهَا اللُّبْسُ إلَّا إذَا انْتَفَعَ بِهِ مِنْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، أَوْ دَامَ عَلَيْهِ كَالْيَوْمِ كَمَا فِي ابْنِ شَاسٍ فَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ كَالْيَوْمِ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ مِنْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ فِي الْجُمْلَةِ وَيُوجِبُهَا مَا عَدَا اللُّبْسَ بِلَا تَفْصِيلٍ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا مُنْتَفَعًا بِهِ كَمَا فِي عبق وَقَاعِدَةُ الْفِدْيَةِ أَنَّ النِّسْيَانَ وَالْعُذْرَ فِي ارْتِكَابِ مُوجِبِهَا لَا يُسْقِطُهَا، وَإِنَّمَا يُسْقِطُ الْإِثْمَ كَمَا فِي الْأَصْلِ وَالْمُخْتَصَرِ وَضَابِطُ قَاعِدَةِ مَا تَتَّحِدُ فِيهِ وَمَا تَتَعَدَّدُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَتَى اُرْتُكِبَتْ مُوجِبَاتُهَا لِمُسْتَنَدٍ مُحَقَّقٍ أَوْ اتَّحَدَتْ النِّيَّةُ، أَوْ الزَّمَانُ بِأَنْ يَكُونَ الْكُلُّ عَلَى الْفَوْرِ، أَوْ السَّبَبُ بِأَنْ يُقَدِّمَ مَا نَفْعُهُ أَعَمُّ عَلَى مَا نَفْعُهُ أَخَصُّ عِنْدَنَا، أَوْ يَتَّحِدَ الْمَرَضُ، أَوْ غَيْرُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اتَّحَدَتْ الْفِدْيَةُ وَيُزَادُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ قَالَ فِي الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ الْمُسَمَّى بِلُبَابِ الْمَنَاسِكِ.

وَمَا ذُكِرَ مِنْ اتِّحَادِ الْجَزَاءِ فِي تَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا اتَّحَدَ جِنْسُ الْجِنَايَةِ فَاللُّبْسُ جِنْسٌ وَالطِّيبُ جِنْسٌ وَالْحَلْقُ جِنْسٌ وَقَلْمُ الْأَظْفَارِ جِنْسٌ اهـ أَيْ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ وَمَتَى اُرْتُكِبَتْ مُوجِبَاتُهَا جَهْلًا مَحْضًا، أَوْ تَعَدَّدَتْ النِّيَّةُ أَوْ الزَّمَانُ، أَوْ السَّبَبُ بِأَنْ يُقَدِّمَ مَا نَفْعُهُ أَخَصُّ عَلَى مَا نَفْعُهُ أَعَمُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنْ يَلْبَسَ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِعُذْرٍ وَالْآخَرُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَوْ لِعُذْرٍ آخَرَ سَوَاءٌ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِمْرَارِ أَوْ الِانْفِصَالِ بَيْنَهُمَا بِالْخُلْعِ وَالِاسْتِرْجَاعِ كَمَا فِي شَرْحِ الْقَارِيّ عَلَى الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ، أَوْ كَفَّرَ لِلْمُوجِبِ الْأَوَّلِ قَبْلَ فِعْلِ الثَّانِي كَأَنْ لَبِسَ، ثُمَّ كَفَّرَ وَدَامَ عَلَى لُبْسِهِ، أَوْ نَزَعَ، ثُمَّ كَفَّرَ، ثُمَّ لَبِسَ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ وَيُزَادُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ قَالَ فِي الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَمْ يَتَّحِدْ الْجَزَاءُ بَلْ يَتَعَدَّدُ لِكُلِّ جِنْسٍ مُوجَبُهُ - بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ الَّذِي أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ - بِحَسَبِ اخْتِلَافِ مُوجِبِهِ فَمَوَاضِعُ اتِّحَادِهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَرْبَعَةٌ وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَمْسَةٌ:

الْمَوْضِعُ الْأَوَّلُ ظَنُّ إبَاحَةِ أَسْبَابِهَا لِمُسْتَنَدٍ وَصُورَةٍ عِنْدَنَا قَالَ الْحَطَّابُ: ثَلَاثَةٌ؛ الْأُولَى قَالَ سَنَدٌ مَنْ يَطُوفُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فِي عُمْرَتِهِ، ثُمَّ يَسْعَى وَيُحِلُّ أَيْ فَيَنْعَقِدُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ إحْرَامِهِ فَيَفْعَلُ سَائِرَ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ

الثَّانِيَةُ مَنْ يَرْفُضُ إحْرَامَهُ فَيَعْتَقِدُ اسْتِبَاحَةَ مَوَانِعِهِ.

الثَّالِثَةُ مَنْ أَفْسَدَ إحْرَامَهُ بِالْوَطْءِ، ثُمَّ فَعَلَ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ مُتَأَوِّلًا بِأَنَّ الْإِحْرَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>