للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ بَحْرٍ وَمَا الْجِهَادُ وَجَمِيعُ الْأَعْمَالِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا كَنُقْطَةٍ مِنْ بَحْرٍ» وَفِي حَدِيثٍ «لَوْ وُزِنَ مِدَادُ الْعُلَمَاءِ بِدَمِ الشُّهَدَاءِ لَرَجَحَ بِسَبَبِ طَاعَةِ الْعُلَمَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى» بِضَبْطِ شَرَائِعِهِ وَتَعْظِيمِ شَعَائِرِهِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْجِهَادُ وَهِدَايَةُ الْخَلْقِ إلَى الْحَقِّ وَتَوْصِيلُ مَعَالِمِ الْأَدْيَانِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ وَلَوْلَا سَعْيُهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَانْقَطَعَ أَمْرُ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَنْ يَقُولُ: اللَّهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ.

(الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ) التَّفْضِيلُ بِكَثْرَةِ الثَّوَابِ الْوَاقِعِ فِي الْعَمَلِ الْمُفَضَّلِ وَلَهُ مُثُلٌ:

(أَحَدُهَا) الْإِيمَانُ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ بِكَثْرَةِ ثَوَابِهِ فَإِنَّ ثَوَابَهُ الْخُلُودُ فِي الْجِنَانِ وَالْخُلُوصُ مِنْ النِّيرَانِ وَغَضَبِ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ.

(وَثَانِيهَا) صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً.

(وَثَالِثُهَا) الصَّلَاةُ فِي أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا بِأَلْفِ مَرَّةٍ مِنْ الْمَثُوبَاتِ.

(وَرَابِعُهَا) صَلَاةُ الْقَصْرِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْإِتْمَامِ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ عَمَلًا

(الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الْمَوْصُوفِ وَلَهُ مُثُلٌ:

(الْأَوَّلُ) الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ الْقَدِيمُ أَشْرَفُ مِنْ سَائِرِ الْكَلَامِ لِوُجُوهٍ مِنْهَا شَرَفُ مَوْصُوفِهِ عَلَى كُلِّ مَوْصُوفٍ.

(وَثَانِيهَا) إرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتُهُ وَجَمِيعُ الصِّفَاتِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَفْضَلُ لِوُجُوهٍ مِنْهُ شَرَفُ الْمَوْصُوفِ.

(وَثَالِثُهَا) صِفَاتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَشَجَاعَتِهِ وَكَرَمِهِ وَجَمِيعِ مَا هُوَ صِفَةٌ لِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ لَهُ الشَّرَفُ عَلَى جَمِيعِ صِفَاتِنَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ: (الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الْمَوْصُوفِ وَلَهُ مُثُلٌ: الْأَوَّلُ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ الْقَدِيمُ أَشْرَفُ مِنْ سَائِرِ الْكَلَامِ إلَى آخِرِ الْقَاعِدَةِ)

قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ شَرَفِ الصِّفَةِ بِشَرَفِ مَوْصُوفِهَا صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ شَرَفَ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ وُجُوهٍ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ إلَّا شَرَفَ الْمَوْصُوفِ، وَمِنْهَا - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - قِدَمُهَا وَبَقَاؤُهَا وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا صِفَاتُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِمُصَاحَبَتِهَا النُّبُوَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَزِيَادَةٍ.

(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) تَفْضِيلُ الْمَعْلُومِ عَلَى غَيْرِهِ بِذَاتِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا مِثَالٌ وَاحِدٌ وَهُوَ ذَاتُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَصِفَاتُهُ الْمَعَانِي السَّبْعَةُ وَهِيَ الْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالْحَيَاةُ وَالْكَلَامُ النَّفْسَانِيُّ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ، إذْ لَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ فِي صِفَاتِ الْمَعَانِي: إنَّهَا غَيْرُ الذَّاتِ كَمَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا عَيْنُ الذَّاتِ لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا هِيَ هُوَ لَأَدَّى إلَى اتِّحَادِ الصِّفَاتِ وَالْمَوْصُوفِ وَهُوَ لَا يُعْقَلُ وَلَوْ قُلْنَا: غَيْرُهُ لَكَانَتْ إمَّا مُحْدَثَةً فَيَكُونُ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِمَّا قَدِيمَةً فَيَلْزَمُ تَعَدُّدُ الْقُدَمَاءِ الْمُتَغَايِرَةِ وَهُوَ مُحَالٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْغَيْرِ هُنَا مَا قَابَلَ الْعَيْنَ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْمُنْفَكُّ فَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُنْفَكَّةً وَلَا عَيْنًا بَلْ شَيْءٌ مُلَازِمٌ بِخِلَافِ الْوُجُودِ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ عَيْنُ الذَّاتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ وَجْهٌ وَاعْتِبَارٌ، وَإِنَّهُ غَيْرُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَالٌّ وَهُوَ مَا لَهُ ثُبُوتٌ فِي نَفْسِهِ.

وَفِي مَحَلِّهِ نَعَمْ قَالَ السُّكْتَانِيُّ قَوْلُنَا: اللَّهُ مَوْجُودٌ حُكْمٌ مَعْنَوِيٌّ يُعْتَقَدُ وَيُبَرْهَنُ عَلَيْهِ لَا مُجَرَّدُ إخْبَارٍ لَفْظِيٍّ فَالْحَقُّ أَنَّ الصِّفَةَ يَكْفِي فِيهَا مُغَايَرَةُ الْمَفْهُومِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ زَائِدَةً فِي الْخَارِجِ كَيْفَ وَقَدْ عَدُّوا السُّلُوبَ يَعْنِي الْقِدَمَ وَالْبَقَاءَ وَمُخَالَفَتَهُ تَعَالَى لِلْحَوَادِثِ وَقِيَامَهُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ وَالْوَحْدَانِيَّةَ صِفَاتٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَصِفَاتُ الْبَارِي الَّتِي عَدَّهَا الْمُتَكَلِّمُونَ وَأَوْجَبُوا مَعْرِفَتَهَا تَفْصِيلًا إمَّا أَنْ تَدُلَّ عَلَى مَعْنًى زَائِدٍ عَلَى الذَّاتِ وَهِيَ الْمَعَانِي السَّبْعَةُ الْمَذْكُورَةُ وَهَذِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ عَيْنَ الذَّاتِ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ مُنْفَكَّةً عَنْهَا بَلْ مُلَازِمَةً لَهَا.

وَإِمَّا أَنْ لَا تَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ إمَّا أَنْ تَكُونَ عَدَمِيَّةً عِبَارَةً عَنْ سَلْبِهَا نَقْصًا عَنْ الذَّاتِ وَهِيَ صِفَاتُ السُّلُوبِ الْخَمْسُ الْمَذْكُورَةُ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ وَجْهًا وَاعْتِبَارًا لَا حَالًّا لِأَنَّ الْحَقَّ نَفْيُهُ وَهِيَ الصِّفَةُ النَّفْسِيَّةُ أَعْنِي الْوُجُودَ وَالصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةَ وَهِيَ الْكَوْنُ عَالِمًا وَمُرِيدًا وَقَادِرًا وَمُتَكَلِّمًا وَحَيًّا وَسَمِيعًا وَبَصِيرًا وَالِاعْتِبَارُ قَدْ اخْتَارَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ لَهُ مِنْ اسْمِهِ نَصِيبًا فَلَا ثُبُوتَ لَهُ إلَّا فِي ذِهْنِ الْمُعْتَبِرِ وَإِنَّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ فَقَطْ إنْ اُنْتُزِعَ مِنْ خَارِجٍ مَوْجُودٍ مُشَاهَدٍ كَالْكَوْنُ أَبْيَضُ كَانَ صَادِقًا لِتَأْيِيدِ الْخَارِجِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُجَرَّدَ اعْتِبَارٍ كَاعْتِبَارِ الْكَرِيمِ بَخِيلًا كَانَ كَاذِبًا لِمُعَارَضَةِ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ لَهُ لَا أَمْرَانِ بَحْتٌ لَا ثُبُوتَ لَهُ إلَّا فِي الذِّهْنِ وَمَا لَهُ ثُبُوتٌ فِي نَفْسِهِ دُونَ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ الْحَالِّ وَبَيْنَ وَجْهِهِ فَانْظُرْهُ فَالْوُجُودُ وَالْمَعْنَوِيَّةُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ زَائِدَةً فِي الْخَارِجِ عَلَى الذَّاتِ كَصِفَاتِ السُّلُوبِ لِأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا صِفَاتٌ يُحْكَمُ بِهَا عَلَى الذَّاتِ حُكْمًا مَعْنَوِيًّا يُعْتَقَدُ وَيُبَرْهَنُ عَلَيْهِ كَصِفَاتِ السُّلُوبِ يَكْفِي فِي كَوْنِهَا غَيْرَ الذَّاتِ مُغَايَرَةُ مَفْهُومِهَا لِمَفْهُومِ الذَّاتِ بِالْأَوْلَى مِنْ صِفَاتِ السُّلُوبِ فَافْهَمْ.

(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) التَّفْضِيلُ بِالصِّفَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالْمُفَضَّلِ وَلَهُ مُثُلٌ:

أَحَدُهَا تَفْضِيلُ الْعَالِمِ بِعِلْمٍ نَافِعٍ عَلَى الْجَاهِلِ بِهِ أَمَّا الَّذِي لَا يَنْفَعُ فَقَدْ اسْتَعَاذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ فَيَكُونُ الْجَاهِلُ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ الْعَالِمِ بِهِ.

وَثَانِيهَا تَفْضِيلُ الْقَادِرِ بِالْقُدْرَةِ الْقَدِيمَةِ الْوُجُودِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِهِ تَعَالَى عَلَى الْعَاجِزِ الَّذِي قُدْرَتُهُ حَادِثَةٌ.

وَثَالِثُهَا قِيلَ تَفْضِيلُ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ بِسَبَبِ الْإِرَادَةِ وَالِاخْتِيَارِ الْقَائِمِ بِهِ عَلَى الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ عَلَى الْقَوْلِ بِتَصْحِيحِ الْإِيجَابِ الذَّاتِيِّ لَكِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ اهـ.

وَفِي حَاشِيَةِ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ مُرِيدٌ قَادِرٌ، ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>