للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ وُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا شَرَفُ الْمَوْصُوفِ

(الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الصُّدُورِ كَشَرَفِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ لِكَوْنِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُتَوَلِّيَ لِرَصْفِهِ وَنِظَامِهِ فِي نَفْسِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبِهَذَا نُجِيبُ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ إنَّ اللَّهَ خَالِقٌ لِجَمِيعِ أَلْفَاظِ الْخَلَائِقِ وَالْمَرِيدُ لِتَرْتِيبِ وَصْفِهَا، فَمَنْ قَالَ زَيْدٌ قَائِمٌ فِي الدَّارِ فَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِأَصْوَاتِهِ هَذِهِ وَالْمَرِيدُ لِتَرْتِيبِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ، وَتَقْدِيمِ " قَائِمٌ " عَلَى الْمَجْرُورِ وَكَوْنِ الْمَجْرُورِ بِفِي دُونَ غَيْرِهَا مِنْ حُرُوفِ الْجَرِّ، وَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُتَوَلِّيَ لِرَصْفِ جَمِيعِ كَلَامِ النَّاسِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ، وَهُوَ الْمُتَوَلِّيَ لِرَصْفِ الْقُرْآنِ فِي نَفْسِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِإِرَادَتِهِ وَهَذِهِ الْحُرُوفُ وَالْأَلْفَاظُ عِنْدَكُمْ مَخْلُوقَةٌ مِثْلُ أَلْفَاظِ الْخَالِقِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ فَلِمَ لَا تَقُولُونَ لِلْجَمِيعِ كَلَامُ اللَّهِ، وَمَا الْمَزِيَّةُ لِلَفْظِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِهِ.؟ ،

فَنَقُولُ: اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُتَوَلِّي لِرَصْفِ الْقُرْآنِ فِي نَفْسِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى وَفْقِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ إرَادَةِ جِبْرِيلَ وَالْمُتَوَلِّي لِرَصْفِ كَلَامِ الْخَلَائِقِ فِي أَنْفُسِهِمْ عَلَى إرَادَتِهِمْ تَبَعًا لِإِرَادَتِهِ تَعَالَى فَتَفَرُّدُهُ فِي هَذَا الْوَصْفِ بِالْإِرَادَةِ هُوَ الْفَرْقُ وَامْتَازَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ بِوُجُوهٍ أُخَرَ مِنْ الْإِعْجَازِ وَغَيْرِهِ عَلَى جَمِيعِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ الَّتِي هِيَ كَلَامُ اللَّهِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ

(الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الصُّدُورِ كَشَرَفِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ لِكَوْنِ الرَّبِّ تَعَالَى هُوَ الْمُتَوَلِّيَ لِرَصْفِهِ وَنِظَامِهِ فِي نَفْسِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى آخِرِ الْقَاعِدَةِ) .

قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمَزِيَّةَ لِلَفْظِ الْقُرْآنِ انْفِرَادُ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِوَضْعِهِ دُونَ إرَادَةِ جِبْرِيلَ دَعْوَى لَا أَرَاهَا تَقُومُ عَلَيْهَا حُجَّةٌ وَلَعَلَّ جِبْرِيلَ أَرَادَ ذَلِكَ فَلَيْسَ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ بِصَحِيحٍ، بَلْ الْمَزِيَّةُ الَّتِي امْتَازَ بِهَا لَفْظُ الْقُرْآنِ عَلَى كَلَامِ النَّاسِ كَوْنُهُ دَالًّا عَلَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَارَةً عَنْهُ، وَامْتِيَازُهُ عَنْ لَفْظِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الرُّسُلِ بِالْإِعْجَازِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْصَافِ الَّتِي امْتَازَ بِهَا كَمَا قَالَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّامِنَةِ وَالتَّاسِعَةِ كُلُّهُ صَحِيحٌ.

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ بِذَاتِهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَعَدُّدُ الْقُدَمَاءِ.

وَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ بِصِفَاتٍ وُجُودِيَّةٍ زَائِدَةٍ عَلَى الذَّاتِ قَائِمَةٍ بِهَا يَصِحُّ أَنْ تُرَى وَفَسَّقُوا مَنْ نَفَاهَا قَالُوا وَلُزُومُ تَعَدُّدِ الْقُدَمَاءِ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَتْ مُنْفَكَّةً وَأَلْزَمُوا أَنْ تَكُونَ الذَّاتُ غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ لِأَنَّهَا الصِّفَاتُ وَأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْقُدْرَةُ إلَخْ لِأَنَّ الْكُلَّ الذَّاتُ الْوَاحِدَةُ وَحَيْثُ جَازَ عَالِمٌ بِلَا عِلْمٍ لَزِمَ عِلْمٌ بِلَا عَالِمٍ إذْ لَا فَرْقَ فِي التَّلَازُمِ عَلَى أَنَّهُ نَظِيرُ " أَسْوَدُ بِلَا سَوَادٍ " وَهُوَ بَدِيهِيُّ الْفَسَادِ وَكُلُّهَا تَقْبَلُ الدَّفْعَ فَإِنَّهُمْ مُقِرُّونَ بِتَغَايُرِ الْمَفَاهِيمِ الْإِضَافِيَّةِ، وَإِنْ قَالَ أليوسي إذَا أَرَادُوهَا لِلِاعْتِبَارَاتِ لَزِمَ نَفْيُهَا إذْ لَا ثُبُوتَ لِلِاعْتِبَارِ إلَّا فِي الذِّهْنِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ هَلْ وُجُوبُهَا وَقِدَمُهَا ذَاتِيٌّ؛ لِأَنَّ الْإِلَهَ الْوَاحِدَ الذَّاتُ الْمُتَّصِفَةُ بِالصِّفَاتِ أَوْ مُمْكِنَةٌ فِي ذَاتِهَا - عَلَى مَا لِلْفَخْرِ وَمَنْ تَبِعَهُ - وَاجِبَةٌ لِمَا لَيْسَ عَيْنَهَا وَلَا غَيْرَهَا، وَإِنْ لَمْ نَفْهَمْ لَهُ الْآنَ مَحْصُولًا فَإِنَّ الصِّفَةَ مُجَرَّدَةٌ عَنْ الْمَوْصُوفِ مُسْتَحِيلَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ هَذَا الْمَوْصُوفِ بِخُصُوصِهِ فَلَا يُنَافِي مَوْصُوفًا مَا لَكِنْ فِيهِ مَا فِيهِ وَمِمَّا رُدَّ بِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعِلْمُ مَثَلًا مُمْكِنًا لَكَانَ الْجَهْلُ مُمْكِنًا لِأَنَّهُ مُقَابِلُهُ وَلَا يَخْفَاك أَنَّ الْإِمْكَانَ الذَّاتِيَّ لَا يَضُرُّهُ إنَّمَا يَضُرُّهُ لَوْ كَانَ إمْكَانُهُ لِلَّهِ وَهُوَ يَقُولُ بِاسْتِحَالَتِهِ عَلَيْهِ ضَرُورَةَ وُجُوبِ الْعِلْمِ لَهُ فَتَدَبَّرْ وَقَالَ قَبْلُ وَعَلَى كَلَامِ غَيْرِ الْفَخْرِ لَا نُثْبِتُ إلَّا الْقِدَمَ الذَّاتِيَّ لِلْوَاجِبِ وَحْدَهُ أَيْ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْمُؤَثِّرِ وَعَلَى كَلَامِ الْفَخْرِ نُثْبِتُ الْقِدَمَ الْعَرَضِيَّ أَيْضًا لِلْمُمْكِنِ الذَّاتِيِّ وَلَا يَكُونُ الْإِمْكَانُ إلَّا ذَاتِيًّا نَعَمْ يَجُوزُ الْبَقَاءُ فِي الْمُمْكِنَاتِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَرْجِعُ لِعَدَمِ وُقُوفِ مَقْدُورَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْقَادِرِ الْمُطْلَقِ عِنْدَ حَدٍّ بِخِلَافِ الْقِدَمِ لِلْمُمْكِنَاتِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِوُجُودِ الْمُمْكِنِ أَزَلًا وَهُوَ مُحَالٌ بِالطَّبْعِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ قَالَ الشَّعْرَانِيُّ وَاَلَّذِي يَتَلَخَّصُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ عَرَبِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَحِمَهُ أَنَّهُ قَائِلٌ بِأَنَّ الصِّفَاتِ عَيْنٌ لَا غَيْرُ كَشْفًا وَيَقِينًا وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَوْلَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ اهـ وَأَقُولُ كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ:

اعْتِصَامُ الْوَرَى بِمَغْفِرَتِكْ ... عَجَزَ الْوَاصِفُونَ عَنْ صِفَتِكْ

تُبْ عَلَيْنَا فَإِنَّنَا بَشَرٌ ... مَا عَرَفْنَاكَ حَقَّ مَعْرِفَتِكْ

اهـ كَلَامُ الْأَمِيرِ بِتَصَرُّفٍ وَحَذْفٍ.

الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) التَّفْضِيلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَهُ مُثُلٌ:

أَحَدُهَا تَفْضِيلُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْكَافِرِ

وَثَانِيهَا تَفْضِيلُ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَذَلِكَ بِسَبَبِ مَا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ الطَّاعَةِ بِتَعْظِيمِهِمْ الرُّسُلَ وَالرَّسَائِلَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَقَالُوا بِصِحَّةِ نُبُوَّةِ مُوسَى وَعِيسَى وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - وَبِصِحَّةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُفِيدُهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَدَمَ الْخُلُودِ، وَإِنَّمَا تُفِيدُ تَخْفِيفَ الْعَذَابِ، وَجَحْدِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ الرَّسَائِلَ فَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ فَضَّلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ طَعَامَهُمْ وَأَبَاحَ تَزْوِيجَنَا نِسَاءَهُمْ وَجَعَلَ ذَكَاتَهُمْ كَذَكَاتِنَا وَنِسَاءَهُمْ كَنِسَائِنَا وَلَمْ يُلْحِقْهُمْ بِالْبَهَائِمِ تَعْظِيمًا وَتَمْيِيزًا بِخِلَافِ الْمَجُوسِ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّهُ جَعَلَ مَا ذَكَّوْهُ كَالْمَيْتَةِ وَتَصَرُّفَهُمْ فِيهِ بِالذَّكَاةِ كَتَصَرُّفِ الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ مِنْ السِّبَاعِ وَالْكَوَاسِرِ فِي الْأَنْعَامِ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ وَجَعَلَ نِسَاءَهُمْ كَإِنَاثِ الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ مُحَرَّمَاتِ الْوَطْءِ اهْتِضَامًا لَهُمْ.

وَثَالِثُهَا تَفْضِيلُ الْوَلِيِّ بِسَبَبِ مَا اُخْتُصَّ بِهِ مِنْ كَثْرَةِ طَاعَتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى حَتَّى تَوَلَّى اللَّهَ بِطَاعَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>