للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى وَأَحْكَامِهِ، وَهَذَا الْقِسْمُ عَيْنُ الْمَدْلُولِ فَكُلُّ مَدْلُولٍ مُتَعَلِّقٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُتَعَلِّقٍ مَدْلُولًا؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ وَالْمَدْلُولَ مِنْ بَابِ الْأَلْفَاظِ وَالْحَقَائِقِ الدَّالَّةِ كَالصَّنْعَةِ عَلَى الصَّانِعِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْعِلْمُ وَنَحْوُهُ فَلَا يُقَالُ لَهُ دَالٌّ بَلْ هُوَ مَدْلُولٌ فِي نَفْسِهِ وَلَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى غَيْرِهِ بَلْ لَهُ مُتَعَلَّقٌ خَاصٌّ وَهُوَ مَعْلُومُهُ وَكَذَلِكَ الْإِرَادَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْخُيُورِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِرَادَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالشُّرُورِ.

وَالنِّيَّةُ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ النِّيَّةِ فِي الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَقَاصِدِ، وَالثَّانِيَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْوَسَائِلِ، وَالْمَقَاصِدُ أَفْضَلُ مِنْ الْوَسَائِلِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِالْأَفْضَلِ أَفْضَلُ.

(الْقَاعِدَةُ الْحَادِيَةَ عَشَرَ) التَّفْضِيلُ بِكَثْرَةِ التَّعَلُّقِ كَتَفْضِيلِ عِلْمِ اللَّهِ عَلَى قُدْرَتِهِ، وَإِرَادَتِهِ، وَسَمْعِهِ، وَبَصَرِهِ لِكَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِجَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُمْكِنَاتِ وَالْمُسْتَحِيلَاتِ، وَاخْتِصَاصِ الْإِرَادَةِ بِالْمُمْكِنَاتِ وُجُودِهَا أَوْ عَدَمِهَا، وَاخْتِصَاصِ الْقُدْرَةِ بِوُجُودِ الْمُمْكِنَاتِ خَاصَّةً، وَاخْتِصَاصِ السَّمْعِ بِبَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ - وَهِيَ الْأَصْوَاتُ وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ -، وَاخْتِصَاصِ الْبَصَرِ بِبَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ الْمُمْكِنَاتِ وَالْوَاجِبَاتِ دُونَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

فَذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلِاصْطِلَاحِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْإِرَادَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْخُيُورِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِرَادَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالشُّرُورِ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ إرَادَتَنَا فَصَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادَ الْإِرَادَةَ مُطْلَقًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَصِحُّ تَنَوُّعُهَا إلَى نَوْعَيْنِ لِاتِّحَادِهَا وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ مِنْ الشَّرْعِ مَا يَقْتَضِيهِ وَمَا قَالَهُ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَمَا بَنَى ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمَقَاصِدَ أَفْضَلُ مِنْ الْوَسَائِلِ إنْ أَرَادَ بِالْأَفْضَلِيَّةِ زِيَادَةً فِي الْأُجُورِ فَذَلِكَ دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْأَفْضَلِيَّةِ كَوْنَ الْمَقَاصِدِ مُفَضَّلَةً بِكَوْنِهَا مَقَاصِدَ فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةَ عَشَرَ وَالثَّانِيَةَ عَشَرَ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ فِي الثَّالِثَةَ عَشَرَ إلَّا حَصْرَهُ لِوُجُودِ التَّفْضِيلِ فِي عِشْرِينَ قَاعِدَةً فَإِنِّي لَا أَعْرِفُ الْآنَ دَلِيلَ صِحَّةِ ذَلِكَ الْحَصْرِ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَأَنَّ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ زَيْدٌ قَائِمٌ فِي الدَّارِ فَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِأَصْوَاتِهِ هَذِهِ وَالْمُرِيدُ لِتَرْتِيبِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ وَتَقْدِيمِ " قَائِمٌ " عَلَى الْمَجْرُورِ وَكَوْنِ الْمَجْرُورِ بِفِي دُونَ غَيْرِهَا مِنْ حُرُوفِ الْجَرِّ كَمَا أَنَّهُ الْمُتَوَلِّي لِرَصْفِ الْقُرْآنِ فِي نَفْسِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِإِرَادَتِهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَلْفَاظِ النَّاسِ وَأَلْفَاظِ الْخَالِقِ فِي كَوْنِهَا مَخْلُوقَةً إلَّا أَنَّ الْمَزِيَّةَ لِلَفْظِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِهِ فِي أَنَّنَا نَقُولُ لِلَفْظِ الْقُرْآنِ كَلَامُ اللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ هِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُتَوَلِّي لِرَصْفِ الْقُرْآنِ فِي نَفْسِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى وَفْقِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ إرَادَةِ جِبْرِيلَ - وَالْمُتَوَلِّي لِرَصْفِ كَلَامِ الْخَلَائِقِ فِي أَنْفُسِهِمْ عَلَى إرَادَتِهِمْ تَبَعًا لِإِرَادَتِهِ تَعَالَى فَتَفَرُّدُهُ فِي رَصْفِ الْقُرْآنِ بِالْإِرَادَةِ هُوَ الْفَرْقُ اهـ.

قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَدَعْوَى انْفِرَادِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِوَضْعِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ دُونَ إرَادَةِ جِبْرِيلَ لَا أَرَاهَا تَقُومُ عَلَيْهَا حُجَّةٌ وَلَعَلَّ جِبْرِيلَ أَرَادَ ذَلِكَ بَلْ الْمَزِيَّةُ الَّتِي امْتَازَ بِهَا لَفْظُ الْقُرْآنِ عَلَى كَلَامِ النَّاسِ كَوْنُهُ دَالًّا عَلَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَارَةً عَنْهُ وَامْتِيَازُهُ عَنْ لَفْظِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الرُّسُلِ وَيُقَالُ إنَّهَا مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ كِتَابًا صُحُفًا وَكُتُبًا أُنْزِلَتْ عَلَى آدَمَ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ إلَى مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ بِالْإِعْجَازِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْصَافِ الَّتِي امْتَازَ بِهَا كَمَا قَالَ الشِّهَابُ. اهـ.

قُلْت وَعَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ التَّمْثِيلُ بِهِ لِلتَّفْضِيلِ بِشَرَفِ الصُّدُورِ بَلْ مِثَالُهُ بِشَرَفِ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ مِنْ الْأُمَّةِ فَافْهَمْ.

(الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الْمَدْلُولِ وَلَهُ مُثُلٌ:

أَحَدُهَا تَفْضِيلُ الْأَذْكَارِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى.

وَثَانِيهَا تَفْضِيلُ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاَللَّهِ عَلَى الْآيَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَبِي لَهَبٍ وَفِرْعَوْنَ وَنَحْوِهِمَا.

وَثَالِثُهَا الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَالتَّحْرِيمِ أَفْضَلُ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَالنَّدْبِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْحَثِّ عَلَى أَعْلَى رُتَبِ الْمَصَالِحِ وَالزَّجْرِ عَنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ.

(الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الدَّلَالَةِ لَا الْمَدْلُولِ كَشَرَفِ الْحُرُوفِ الدَّالَّةِ عَلَى الْأَوْصَافِ الدَّالَّةِ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى جَمِيعِ الْحُرُوفِ الَّتِي لَمْ تَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ عَلَى غَيْرِهِ فَلِذَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِتَعْظِيمِ حُرُوفِ الْقُرْآنِ فَلَا تُمْسَكُ إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَيُكَفَّرُ مَنْ أَصَابَهَا بِالْقَاذُورَاتِ وَصَارَ لَهَا وَقْعٌ عَظِيمٌ فِي الدِّينِ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إلَى بِلَادِ الْكَافِرِينَ خَشْيَةَ أَنْ تَنَالَهَا أَيْدِيهِمْ.

(الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ التَّعَلُّقِ كَتَفْضِيلِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمُخْبَرِ عَنْهُ وَاخْتِصَاصِهِ بِأَنَّ لَهُ تَعَلُّقَ الِاقْتِضَاءِ وَالْإِبَاحَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْعِلْمِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْوَاجِبَاتِ وَالْمُمْكِنَاتِ وَالْمُسْتَحِيلَاتِ، وَالْإِرَادَةِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْمُمْكِنَاتِ وَالْقُدْرَةِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْمُحْدَثَاتِ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ، وَالسَّمْعِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْأَصْوَاتِ وَالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ، وَالْبَصَرِ لِتَعَلُّقِهِ بِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُمْكِنَاتِ عَلَى الْحَيَاةِ فَإِنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ بَلْ لَهَا مَوْصُوفٌ فَقَطْ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي السَّبْعَةِ فَإِنَّ لَهُ مَوْصُوفًا وَمُتَعَلَّقًا كَمَا عَلِمْت.

(الْقَاعِدَةُ الْعَاشِرَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الْمُتَعَلَّقِ كَتَفْضِيلِ الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ صِفَاتِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ وَكَتَفْضِيلِ عِلْمِ الْفِقْهِ عَلَى الطِّبِّ لِتَعَلُّقِهِ بِرَسَائِلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحْكَامِهِ وَكَتَفْضِيلِ إرَادَتِنَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْخُيُورِ عَلَى إرَادَتِنَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالشُّرُورِ، وَإِرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِاتِّحَادِهَا لَا يَصِحُّ تَنَوُّعُهَا وَلَا أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهَا ذَلِكَ بِاعْتِبَارَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ مِنْ الشَّرْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>