للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَرْكِ ضِيَافَةِ الْمُسْلِمِينَ وَنَقْشِ خَوَاتِمِهِمْ بِالْعَرَبِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تَخِفُّ مَفْسَدَتُهُ وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يُلْحَقُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَيُنْتَقَضُ عَقْدُ الْجِزْيَةِ أَوْ بِالْقِسْمِ الثَّانِي فَلَا يُنْتَقَضُ وَهَا أَنَا أَسْرُدُ لَك مَسَائِلَ تُوَضِّحُ لَك هَذِهِ الْأَقْسَامَ قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا أَظْهَرُوا مُعْتَقَدَهُمْ فِي الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ غَيْرِهِ أَدَّبْنَاهُمْ وَلَا يُنْقَضُ بِهِ الْعَهْدُ وَإِنَّمَا يُنْقَضُ بِالْقِتَالِ وَمَنْعِ الْجِزْيَةِ وَالتَّمَرُّدِ عَلَى الْأَحْكَامِ وَإِكْرَاهِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الزِّنَا فَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يُقْتَلْ لِأَنَّ قَتْلَهُ لِنَقْضِ الْعَهْدِ وَكَذَلِكَ التَّطَلُّعُ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا قَطْعُ الطَّرِيقِ وَالْقَتْلُ الْمُوجِبُ لِلْقِصَاصِ فَحُكْمُهُمْ فِيهِ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ وَتَعَرُّضُهُمْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ إلَّا أَنْ يُسْلِمُوا وَرُوِيَ يَوْجَعُ أَدَبًا وَيُشَدَّدُ بِهِ.

فَإِنْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ زَنَى بِالْمُسْلِمَةِ طَوْعًا لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ عِنْدَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَانْتُقِضَ عِنْدَ رَبِيعَةَ وَابْنِ وَهْبٍ.

وَإِنْ غَرَّهَا بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ فَتَزَوَّجَهَا فَهُوَ نَقْضٌ عِنْدَ ابْنِ نَافِعٍ وَإِنْ عَلِمَتْ بِهِ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا وَإِنْ طَاوَعَتْهُ الْأَمَةُ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا وَإِنْ اغْتَصَبَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ بِنَقْضٍ وَقِيلَ نَقْضٌ.

قَالَ فَإِنْ عُوهِدَ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ نَقْضٌ انْتَقَضَ عَهْدُهُ بِذَلِكَ قُلْت وَهَذِهِ الْفُرُوعُ بَعْضُهَا أَقْرَبُ مِنْ بَعْضٍ لِلْقَاعِدَةِ فِي النَّقْضِ فَإِكْرَاهُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الزِّنَا وَجَعْلُهُ نَاقِضًا دُونَ الْحِرَابَةِ مُشْكِلٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْحِرَابَةِ فَلَا يُنْتَقَضُ أَوْ تُلْحَقُ الْحِرَابَةُ بِهِ فَيُنْتَقَضُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِعُمُومِ مَفْسَدَةِ الْحِرَابَةِ فِي النُّفُوسِ وَالْأَبْضَاعِ وَالْأَمْوَالِ وَعَدَمِ اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ قَالَ فِي الْكِتَابِ فَإِنْ خَرَجُوا نَقْضًا لِلْعَهْدِ وَالْإِمَامُ عَادِلٌ فَهُمْ فَيْءٌ كَمَا فَعَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ لَمَّا عَصَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَتْحِ قَالَ التُّونُسِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَمْ يَجْعَلْ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَتْلَ فِي الْحِرَابَةِ نَقْضًا وَهُوَ يَقُولُ غَصْبُ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الْوَطْءِ نَقْضٌ قَالَ وَهُوَ مُشْكِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَهْدُ اقْتَضَاهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ خُرُوجُهُمْ وَامْتِنَاعُهُمْ مِنْ الْجِزْيَةِ لِظُلْمٍ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ رُدُّوا إلَى ذِمَّتِهِمْ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حِرَابَةُ الذِّمِّيِّ نَقْضٌ لِلْعَهْدِ وَلَا يُؤْخَذُ وَلَدُهُ لِبَقَاءِ الْعَهْدِ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ مَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْحِرَابَةِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ إنْ كَانَ خُرُوجُهُمْ مِنْ ظُلْمٍ فَهُوَ نَقْضٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعَاهَدُوا عَلَى أَنْ يَظْلِمُوا مَنْ ظَلَمَهُمْ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أُخْبِرَ أَنَّ ذِمِّيًّا نَخَسَ بَغْلًا عَلَيْهِ مُسْلِمَةٌ فَوَقَعَتْ فَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهَا فَأَمَرَ بِصَلْبِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَقَالَ إنَّمَا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَقْضُ الْعَهْدِ بِغَصْبِ الْمُسْلِمَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا حَارَبَ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَظُفِرَ بِهِمْ وَالْإِمَامُ عَدْلٌ قُتِلُوا وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَلَا تَعَرُّضَ لِمَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ مَعَهُمْ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَمَا وَقَفَهُ الْإِمَامُ عَلَى جِهَةٍ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِتِلْكَ الْجِهَةِ بَلْ تَعَلَّقَ الْحُبْسُ بِهَا كَأَصْلِهَا فَتُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ أَوْقَافِ غَيْرِ الْإِمَامِ لَا تُرَاعَى شُرُوطُهُ الَّتِي عَلَى وَفْقِ الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا عَلِمْت وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُوقِفَ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ لَا يَقْتَضِي صِحَّتَهُ فَقَطْ بَلْ كَمَا يَحْتَمِلُهَا كَذَلِكَ يَحْتَمِلُ عَدَمَهَا وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الزُّرْعَةُ الْمَكِّيُّ فِي رِسَالَتِهِ بِسَاطِ الْكَرْمِ فِي الْقَوْلِ عَلَى أَوْقَافِ الْحَرَمِ عَنْ الْعَلَّامَةِ السُّيُوطِيّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْيَنْبُوعِ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الْفُقَهَاءُ يَعْنِي الشَّافِعِيَّةَ أَنَّ الْوَظَائِفَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْأَوْقَافِ أَوْقَافِ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ كُلِّهَا إنْ كَانَ لَهَا أَصْلٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ تَرْجِعُ إلَيْهِ فَيَجُوزُ لِمَنْ كَانَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ عَالِمٍ بِالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَطَالِبِ عِلْمٍ كَذَلِكَ وَصُوفِيٍّ عَلَى طَرِيقَةِ الصُّوفِيَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا وَقَفُوهُ غَيْرَ مُتَقَيِّدٍ بِمَا شَرَطُوهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ وَإِذَا وَقَفَ السُّلْطَانُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَرْضًا لِمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ جَوَازَهُ وَلَا يُرَاعِي مَا شَرَطَهُ دَائِمًا اهـ أَيْ بَلْ يُرَاعِي فِي الْجُمْلَةِ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ أَنَّ شُرُوطَ السَّلَاطِينِ فِي أَوْقَافِهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا يُعْمَلُ بِشَيْءٍ مِنْهَا كَمَا قَالَهُ أَجِلَّاءُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ مُرَاعَاةُ شُرُوطِهِمْ فِيهَا لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِ بَيْتِ الْمَالِ.

اهـ فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ مَعَ قَوْلِهِمْ بِجَوَازِ أَوْقَافِهِمْ الْجَارِيَةِ عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ قَالُوا بِعَدَمِ صِحَّتِهَا وَعَدَمِ مُرَاعَاةِ شُرُوطِهَا فَمَذْهَبُهُمْ كَمَذْهَبِ الْأَحْنَافِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَئِمَّةَ لَا يَمْلِكُونَ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا وَشَرْطُ صِحَّةِ الْوَقْفِ مِلْكُ الْوَاقِفِ فَمَا وَقَفُوهُ لَيْسَ بِوَقْفٍ حَقِيقَةً بَلْ صُورَةً مِنْ قَبِيلِ الْأَرْصَادِ عَيَّنَهُ وَاقِفُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَالْأُمَرَاءِ وَأَبَّدَهُ عَلَى مَصْرِفِهِ وَمُسْتَحِقِّهِ الشَّرْعِيِّ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالطَّلَبَةِ وَنَحْوِهِمْ عَوْنًا عَلَى وُصُولِهِمْ إلَى بَعْضِ حَقِّهِمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَمَنْعًا لِمَنْ يَصْرِفُهُ مِنْ أُمَرَاءِ الْجَوْرِ فِي غَيْرِ مَصْرِفِهِ قَالَ فِي بِسَاطِ الْكَرْمِ جَوَّزَ الْعُلَمَاءُ وَالْحُكَّامُ لِضَرُورَاتِ النَّاسِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ فِي الْأَوْقَافِ السُّلْطَانِيَّةِ مِنْ الْفَرَاغِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>