للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالضَّعِيفِ وَلَوْ ذَهَبُوا لِبَلَدِ الْحَرْبِ وَتَرَكُوا أَوْلَادَهُمْ نَقْضًا لِلْعَهْدِ لَمْ يُسْبَوْا بِخِلَافِ إذَا ذَهَبُوا بِهِمْ وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِظُلْمٍ أَصَابَهُمْ إلَّا أَنْ يُعِينُوا عَلَيْنَا الْمُشْرِكِينَ فَهُمْ كَالْمُحَارِبِينَ وَقَالَ أَيْضًا إذَا حَارَبُوا وَالْإِمَامُ عَدْلٌ اسْتَحَلَّ سَبْيَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ إلَّا مَنْ يَظُنُّ بِهِ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ كَالضُّعَفَاءِ.

وَلَمْ يَسْتَثْنِ أَصْبَغُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَدًا وَأَلْحَقَ الضُّعَفَاءَ بِالْأَقْوِيَاءِ فِي النَّقْضِ كَمَا أَنْدَرَجُوا مَعَهُمْ فِي الْعَقْدِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَبَى ذَرَارِيَّ قُرَيْظَةَ وَنِسَاءَهُمْ بَعْدَ نَقْضِ الْعَهْدِ» قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا اسْتَوْلَى الْعَدُوُّ عَلَى مَدِينَةِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا ذِمَّةٌ فَغَزَوْا مَعَهُمْ ثُمَّ اعْتَذَرُوا لَنَا بِالْقَهْرِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ إلَّا بِقَوْلِهِمْ فَمَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا قُتِلَ وَإِلَّا أُطِيلَ سَجْنُهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ إذَا صَارُوا عَيْنًا لِلْحَرْبِيِّينَ عَلَيْنَا فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ تُوَضِّحُ لَك الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ وَمَا اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ نَاقِضًا وَمَا لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ وَمَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ النَّقْضِ وَمَا هُوَ بَعِيدٌ وَتَحَرَّرَ لَك بِذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ النَّقْضَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ النَّقْضَ فَتَعْتَبِرُ مَا يَقَعُ لَك مِنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ بِالْمَنْصُوصِ

. (الْفَرْقُ التَّاسِعَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ بِرِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّوَدُّدِ لَهُمْ)

اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ مِنْ التَّوَدُّدِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة: ١] الْآيَةَ فَمَنَعَ الْمُوَالَاةَ وَالتَّوَدُّدَ وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} [الممتحنة: ٨] الْآيَةَ وَقَالَ فِي حَقِّ الْفَرِيقِ الْآخَرِ {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: ٩] الْآيَةَ.

وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَوْصُوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ خَيْرًا» وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «اسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا» فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ النُّصُوصِ وَإِنَّ الْإِحْسَانَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ مَطْلُوبٌ وَأَنَّ التَّوَدُّدَ وَالْمُوَالَاةَ مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا وَالْبَابَانِ مُلْتَبِسَانِ فَيَحْتَاجَانِ إلَى الْفَرْقِ وَسِرُّ الْفَرْقِ أَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ يُوجِبُ حُقُوقًا عَلَيْنَا لَهُمْ لِأَنَّهُمْ فِي جِوَارِنَا وَفِي خَفَارَتِنَا وَذِمَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَذِمَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِينِ الْإِسْلَامِ فَمِنْ اعْتَدَى عَلَيْهِمْ وَلَوْ بِكَلِمَةِ سُوءٍ أَوْ غِيبَةٍ فِي عِرْضِ أَحَدِهِمْ أَوْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذِيَّةِ أَوْ أَعَانَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ ضَيَّعَ ذِمَّةَ اللَّهِ تَعَالَى وَذِمَّةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذِمَّةَ دِينِ الْإِسْلَامِ.

وَكَذَلِكَ حَكَى ابْنُ حَزْمٍ فِي مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ لَهُ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ وَجَاءَ أَهْلُ الْحَرْبِ إلَى بِلَادِنَا يَقْصِدُونَهُ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَخْرُجَ لِقِتَالِهِمْ بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَنَمُوتَ دُونَ ذَلِكَ صَوْنًا لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَذِمَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ تَسْلِيمَهُ دُونَ ذَلِكَ إهْمَالٌ لِعَقْدِ الذِّمَّةِ وَحَكَى فِي ذَلِكَ إجْمَاعَ الْأَمَةِ فَقَدْ يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَيْفَ وَلَهُ أَصْلٌ فِي الْجُمْلَةِ عَنْ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَالْعَادَةُ مُحْكَمَةٌ أَيْ هِيَ الْمُرَجِّعُ عِنْدَ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ وَأَصْلُهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ حَسَنٌ أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ وَقَدْ أَجَابَ مُفْتِي مَكَّةَ الْعَلَّامَةُ السَّيِّدُ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الْمَرْحُومِ السَّيِّدِ مُحَمَّدٍ مِيرْغَنِيّ لَمَّا سَأَلَهُ قَاضِيهَا يَوْمئِذٍ بِمَا صُورَتُهُ مَا قَوْلُكُمْ فِي خَلَوَاتِ الْمَدَارِسِ الَّتِي بَنَاهَا وَاقِفُهَا لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَسَكَنَهَا غَيْرُ الْمَشْرُوطَةِ لَهُمْ وَيُفَرِّغُونَ سُكْنَاهَا بِعِوَضٍ دَرَاهِمَ بَيْنَهُمْ فَهَلْ هَذَا الْفَرَاغُ صَحِيحٌ وَيَسْتَحِقُّ سُكْنَاهَا غَيْرُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ أَمْ تُنْزَعُ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَتُعْطَى لِمَنْ شَرَطَ لَهُمْ أَمْ كَيْفَ الْحُكْمُ بِمَا نَصُّهُ نَعَمْ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ جَوَازِ فَرَاغِ مَا ذُكِرَ مِمَّا الْفَرَاغُ جَازَ فِيهِ وَقَدْ جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ حَيْثُ كَانَ الِاسْتِيلَاءُ بِالطَّرِيقِ الْمُعْتَبَرِ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فَلَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ بَلْ وَلَا يَتَكَلَّفُ بِإِثْبَاتِ مَا بِيَدِهِ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ فَلْيُرَاجَعْ مَظَانُّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فَقَدْ أَفَادَ سَلَّمَهُ اللَّهُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ الْعُرْفُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ وَأَخَذَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ يَسُوقُ فِي رِسَالَتِهِ بِسَاطِ الْكَرْمِ نُصُوصَ عُلَمَاءِ مَذْهَبِهِ وَمَذْهَبَ الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ فَانْظُرْهَا إنْ شِئْت وَفِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ مَنْصُورِ بْنِ إدْرِيسَ الْحَنْبَلِيِّ كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَلَى مَتْنِ الْإِقَنَاعِ فِي مَذْهَبِ ابْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا نَصُّهُ فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَأَوْقَافِ السَّلَاطِينِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَيْسَ بِوَقْفٍ حَقِيقِيٍّ بَلْ كُلُّ مَنْ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى مُوَافَقَةً لِلشَّيْخِ الرَّمْلِيِّ وَغَيْرِهِ فِي وَقْفِ جَامِعِ طُولُونَ وَنَحْوِهِ.

اهـ فَتَحَصَّلَ أَنَّ أَوْقَافَ السَّلَاطِينِ عِنْدَنَا أَوْقَافٌ حَقِيقَةً لَا أَرْصَادٌ فَمَنْفَعَتُهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِمَنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا وَيُرَاعَى فِيهَا شَرْطُ الْوَاقِفِ بِخِلَافِ الْأَرْصَادِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْخُلُوِّ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَرْصَادٌ لَا أَوْقَافٌ حَقِيقَةً فَمَنْفَعَتُهَا مَمْلُوكَةٌ لِمَنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا وَلَا يُرَاعَى فِيهَا شَرْطُ

<<  <  ج: ص:  >  >>